«عاملات المنازل»، وما أدراك من هنّ عاملات المنازل، إنهن الخطر الذي دخل بيوتنا، وغيّر نمط حياتنا، وخلط أوراقنا، وجعلنا ضحايا للاتكالية، وقلب مفاهيمنا رأسا على عقب، نساء من جنسيات مختلفة، يحملن شهادات دنيا، وقد لا يحملن أي مؤهلات علمية، أتين بثقافات، وسلوكيات، وأمراض نفسية ، دخلن البيوت، وكثرت بسبب ذلك الجرائم، والمشاكل، وتشعبت القضايا، يأتي بعضهن بوجه بريء، ووجوه منكسرة، ونوايا طيبة، ويعشن مطيعات، مواظبات على أعمالهن المنزلية عدة أيام، ثم فجأة يتغير كل شيء، يتصرفن دون مسؤولية، ويعملن دون رغبة، وتبدأ دورة جديدة من التعامل بين الأسرة، والعاملة.

طبعا هذا التوصيف ليس عاما، ولكنه ليس استثناء، فكثيرا ما قرأنا أو سمعنا عن جرائم تقشعر لها الأبدان، وتذهل لها العقول، يكون ضحاياها ـ عادة ـ الأطفال الصغار (الرضّع)، أو حتى الكبار، الذين لم يخطر على بالهم هذه النفس الشريرة التي تتلبّس هذه العاملة، وحسنا فعلت الحكومة بمنع استقدام بعض الجنسيات للعمل في البيوت، وذلك من أجل حماية المجتمع من مجرمات بالفطرة، أتين في الأساس لكسب الرزق، فإذا بهن يتحولن إلى وحوش كاسرة دون قلوب، فكم سمعنا عن عاملة سحقت طفلا تحت قدميها، أو وضعته في الغسالة، أو ضربت رضيعا ـ دون رحمة ـ حد الموت، أو قتلت ربّ الأسرة، أو حولّت منزل مخدومها إلى وكر دعارة، وغير ذلك من جرائم لا تخطر إلا على بال الشيطان.

لقد جاءت هؤلاء العاملات حين انحسر دور ربّة الأسرة عن بيتها، وأوكلت مهام أولادها، ومنزلها لامرأة غريبة، ووثقت في عاملة لا ضمير لها، وفضّلت أحيانا العمل على مهمتها الأساسية، ونسيت دورها الغريزي، وهو الأمومة، إلى درجة أن بعض الأطفال يتربّون في حضن العاملة، ويعتقدون إلى سن متقدم أنها هي أمهم الحقيقية، بينما رضيت الأم بدور المتفرج، وظنّت أن راحتها في الابتعاد عن ضجيج أبنائها، وصراخهم، حتى باتت العاملة هي القدوة، والمربية، والملهمة للأطفال، واعتقد الأب أنه يفعل حسنا بجلب عاملة لمساعدة الزوجة، والتخفيف عن كاهلها، وكلما انتهى عقد واحدة منهن، هرع إلى مركز الشرطة لاستخراج مأذونية جديدة، وجلب عاملة جديدة، مهما بلغت التكلفة، ومهما كانت حالته المادية، فأضحت ربة الأسرة لا تعلم ما الذي يجري داخل مطبخ منزلها، وما الذي يجري في غرف بيتها، وأوكلت كل مهامها للعاملة، لدرجة أن البعض يسافر إلى خارج البلاد، ويترك أطفاله الصغار عند العاملة الأجنبية، دون إحساس بالمسؤولية، ودون خوف أو خشية عليهم، وهناك الكثير من القصص التي استغلت فيها العاملات غياب الوالدين، وفعلن الأفاعيل التي يندى لها الجبين والضمير بالأطفال.

إن دخول عاملة المنزل في حياة الأسر العمانية، والخليجية، أتى لأسباب، وظروف، وتحولات اجتماعية، واقتصادية، وسلوكية وثقافية عديدة، لا مجال لذكرها، ولعلها في بعض الحالات شر لا بد منه، ومع ذلك يجب أن يكون هناك رقابة، ومتابعة على هؤلاء العاملات، ويجب ألا يغيب دور الأبوين عن البيت، والتربية، كما يجب إعادة النظر في استقدام جنسيات معينة، بسبب الجرائم، والسلوكيات التي كثرت، واتسعت فيها مساحة التأثر، والتأثير ليشمل المجتمع ككل، فشبكات الدعارة، وتفشي الأمراض الجنسية، وجرائم القتل، والسرقة، والانتحار، والتحرش، والهروب عن الكفيل، وغيرها أصبحت ظواهر غير مقبولة، وهي تمس أمن المجتمع وسلامته، ورغم تفهمنا لوجود عاملة منزل أحيانا، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة التوسّع في هذا الجانب، لمجرد أن ربة البيت لا تريد أن تزعج نفسها، وترغب بالعناية ببشرتها، بينما الرجل غائب عن تفقد أحوال أسرته، ومراقبة أوضاع بيته.

مرة أخرى.. من الإجحاف تعميم ما سبق على كل عاملات المنازل، ولكن ذلك لا يعني الاستثناء المطلق، وفي كل الأحوال فالرقابة، والتشريعات، وعقود العمل الصارمة، قد تحد من تفشي ظاهرة يمكن التحكم فيها، وفي تأثيراتها بقليل من الوعي، وتحمّل المسؤولية الأبوية.