كشف المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الأمريكي ترامب ورئيس حكومة الكيان الصهيوني نتنياهو عن خطة السلام الأمريكية التي تتكون من ٢١ بندا يتصدرها الوقف الفوري للحرب في قطاع غزة، علاوة على تشكيل مجلس السلام الذي يترأسه ترامب مع عدد من الشخصيات الدولية منهم توني بلير رئيس وزراء المملكة المتحدة الأسبق، وعدد من الشخصيات الفلسطينية من الخبراء المستقلين.

كما أن خطة السلام الأمريكية تنص على نزع حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية، وتدمير البنى التحتية خاصة الأنفاق. كما أن الخطة تشير إلى عدم تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة علاوة على الانسحاب التدريجي لقوات الاحتلال الإسرائيلي من القطاع مع عدم إعطاء السلطة الفلسطينية أي دور حتى تكمل الإصلاحات المطلوبة.

كما شملت الخطة موضوع إعادة الإعمار للقطاع المدمر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي على مدى عامين، وهناك عدد من البنود الأساسية التي تحدثت عنها خطة السلام الأمريكية التي وافق عليها نتنياهو تشير إلى مسار السلام من خلال الحوار الفلسطيني الإسرائيلي للتوصل إلى شكل الدولة الفلسطينية في المستقبل بعد استقرار الأوضاع في قطاع غزة.

وعلى ضوء خطة السلام الأمريكية فإن ثمة إيجابيات لتلك الخطة، وهي مسألة وقف الحرب والعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وإنهاء المجازر الإسرائيلية علاوة على أن مسألة خطة التهجير انتهت كما تشير الخطة، إلا أن وجود قوات عربية ودولية ومجلس السلام الذي يترأسه ترامب هو أمر يثير الشك والريبة، وهو أحد البنود الملغمة في خطة السلام، ونزع سلاح المقاومة الفلسطينية يعد من النقاط الجدلية الأساسية، والسؤال الأهم هنا: هل تقبل حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية بهذا الشرط الصعب؟

الخطة الأمريكية في نهاية المطاف لن تلبي كل مطالب الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية، خاصة وأن تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب خلال المؤتمر الصحفي مع نتنياهو جاءت منسجمة مع توجه المتطرف نتنياهو وحكومته المتطرفة التي ارتكبت مجازر وإبادة جماعية شهدها العالم عبر وسائل الإعلام المختلفة.

إن قضية الموافقة على الخطة الأمريكية تعود إلى المقاومة الفلسطينية التي تسلمت الخطة الأمريكية عبر الوسيطتين مصر وقطر، وأشارت حركة حماس إلى أنها سوف تدرس خطة السلام الأمريكية بكل مهنية وموضوعية. وسوف يترقب العالم خلال الساعات القادمة رد حركة حماس إما بالموافقة على خطة ترامب، وإما طلب تعديل بعض البنود من خلال التواصل مع الوسطاء.

كما أن مسألة الضمانات حول عودة الجيش الإسرائيلي لاحتلال قطاع غزة والانتهاكات في الضفة الغربية ليست واضحة وتحتاج إلى تفصيل أكثر.

لا شك أن الانحياز الأمريكي للكيان الصهيوني هو موجود ليس من خلال خطة السلام المنقوصة، ولكن من خلال الدعم العسكري والاقتصادي والاستخباراتي الذي يتواصل منذ عقود.

ومن هنا فإن الانحياز الأمريكي للكيان الإسرائيلي هو أحد معضلات القضية الفلسطينية التي عانت الأمرين طوال تاريخ نضالها من ذلك الانحياز البغيض الذي أدى إلي إطلاق يد الكيان الصهيوني ليس فقط ضد الشعب الفلسطيني، ولكن ضد الشعوب العربية حيث الاعتداءات المتكررة على لبنان وسوريا واليمن وأخيرا دولة قطر في انتهاك خطير لسيادة تلك الدول.

وأصبح الكيان الصهيوني منبوذا عالميا وهو أحد أكبر نتائج الحرب بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وكان منبوذا في قاعات الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية تحاول إيجاد خطة لإنقاذ الكيان الصهيوني من سمعته الملوثة على مدى التاريخ.

وبصرف النظر عن موافقة حركة حماس والمقاومة الفلسطينية على خطة السلام الأمريكية من عدمها؛ فإن الصراع العربي الإسرائيلي سوف يتواصل على مدى عقود ليس فقط مع المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ولكن مع المقاومة العربية والنضال الحر.

وفي تصوري أن نتنياهو وحكومته المتطرفة وحتى الحكومات القادمة سوف تظل عدوانية، ومن الصعب أن تعيش بسلام مع شعوب المنطقة في ظل الهوس الصهيوني بما يسمى إسرائيل الكبرى التي أعلن عنها المتطرف نتنياهو.

وعلى ضوء ذلك فإن الصراع العربي الإسرائيلي سيتواصل؛ لأنه كما تقول السردية الإسرائيلية هو صراع وجود وليس صراعا على الأرض أو صراعا سياسيا. ولا تزال سردية حكماء صهيون موجودة في الذهنية الصهيونية. وإذا طبقت خطة السلام الأمريكية بما فيها من بنود وما لها وما عليها فهذا لا يعني انتهاء الصراع والمقاومة، ولكنها مرحلة انتهت من مسار الصراع الطويل بين الكيان الإسرائيلي العدواني والشعب الفلسطيني والمقاومة خاصة وأن الإبادة الجماعية التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي وحكومة نتنياهو تضع علامات استفهام حول نوايا الكيان الصهيوني التوسعية.

وهناك مقولة تقول: إن خطر إسرائيل خلال مرحلة السلام تفوق مرحلة الصراع والحرب، خاصة وأن الصهيونية العالمية هي التي تتحكم الآن في الاقتصاد العالمي من خلال وجودها القوي في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية خاصة وأن اللوبيات اليهودية كالآيباك تسيطر على مفاصل الاقتصاد الأمريكي، وأن الإدارات الأمريكية في نهاية المطاف هي أدوات تنفذ فكر النخب الصهيونية التي أوصلتها إلى البيت الأبيض من خلال الحملات الانتخابية والتي تكلف أموالا كبيرة، وقد تصدر دعم ترامب خلال حملته الانتخابية أسماء يهودية وصهيونية كبيرة أغدقت على حملته الكثير من الأموال؛ بهدف تنفيذ الأجندة لصالح الكيان الإسرائيلي، وهذه أمور معروفة حول دور جماعات الضغط التي يتصدرها اللوبي الصهيوني ومجموعة الأثرياء اليهود الذين يسيطرون على مفاصل الاقتصاد والبنوك ووسائل الإعلام وشركات التكنولوجيا، ولعل أسر روتشيلد، وروكفللر، وجولدمان وغيرها تمثل نماذج تلعب دورا محوريا في السياسة الخارجية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الآن.

إن خطة السلام الأمريكية التي دعمتها عدد من الدول العربية سوف تكون الخيار الأوحد في تصوري؛ لأن الظروف السياسية الموضوعية تقول: إن الانحياز الأمريكي والدعم للكيان الصهيوني هو الذي يجعل الكيان الإسرائيلي يقوم بكل تلك الأفعال المشينة، وتبقى الكلمة الأخيرة لتلك الخطة الأمريكية التي تخدم الكيان الإسرائيلي هي لحركة حماس وبقية الحركات الفلسطينية التي تدرس الموقف بكل أبعاده السياسية والإنسانية وظروف القطاع.

ويبقى القرار في غاية الصعوبة؛ حيث إن الموافقة تعني انسحاب حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية من مشهد المقاومة في قطاع غزة، والرفض يعني تواصل القتال والدعم الأمريكي غير المحدود للكيان الصهيوني. ومن هنا فإن مسار السلام في الشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة يصعب التنبؤ بها بعد رحيل نتنياهو وترامب عن المشهد السياسي خلال السنوات القادمة.