دخل الرئيس الكولمبي غوستافو بيترو التاريخ من أوسع أبوابه عندما عبر بكل شجاعة في خطابه بتاريخ ٢٣ سبتمبر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عمّا يدور بخلد معظم شعوب العالم الحر، نتيجة ما يحدث من مجازر وإبادة جماعية في قطاع غزة على مدى عامين من القصف المتواصل لجيش الكيان الصهيوني المجرم، في حق الأبرياء الفلسطينيين. وراح ضحية هذه الإبادة حتى الآن أكثر من ٦٦ ألف شهيد وأكثر من ١٦٨ ألف جريح، أغلبهم من النساء والأطفال العزل. يحدث ذلك وسط صمت أو تواطؤ دولي وفي أفضل الأحوال إصدار بيانات شجب وإدانة، لا يعير لها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة أي اهتمام. لقد بين الرئيس غوستافو بيترو - غير المسلم وغير العربي - أن الإنسانية ليست مرتبطة بدين أو عرق، وإن كرامة الإنسان أعلى وأكبر من أن يتم الصمت حيالها، نتيجة بواعث دينية أو سياسية متطرفة. وفي خطابه التاريخي شن الرئيس الكولومبي هجوما عنيفا على ما تقوم به الولايات المتحدة بدعمها المطلق للكيان الصهيوني المجرم في هذه المجازر والإبادة الجماعية.
وتوفير الغطاء له عسكريًا واستخباراتيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا. وذكر في خطابه أن الإنسانية لم تعد تستطيع تحمل يوم واحد إضافي من الإبادة الجماعية في غزة، معربًا كذلك عن رفضه لما تقوم به الولايات المتحدة وعدد من دول أوروبا من السماح لرئيس وزراء الكيان الصهيوني المجرم بنيامين نتنياهو - المطلوب للعدالة الجنائية الدولية - والمسؤولين عن الإبادة الجماعية في غزة، من حرية الحركة والتجوال في هذه الدول. مشددًا، أنه مُصر على الاستمرار في الكلام، طالما أن الصواريخ التي تمزق أجساد الأطفال والرضع الأبرياء في فلسطين تسقط كل ثانية. متهمًا بشكل جريء ومباشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالضلوع في حرب الإبادة الجماعية في غزة، مضيفًا كذلك، أن ذلك يجري تحت أعين الأمم المتحدة التي تلعب دور الشاهد الصامت إزاء ما يحدث، قائلًا إن: «الإبادة في الماضي كانت معروفة فقط في سياق الحرب العالمية الثانية، وكانت بفعل هتلر، ولكن اليوم ترامب لا يتحدث عن الحياة، فهو يتحدث عن الموت، يقتل أو يسهم في قتل عشرات الآلاف من بني البشر». داعيا دول العالم وشعوبها إلى توحيد جيوشها وأسلحتها لتحرير فلسطين. وبالرغم من أن عبارات خطاب الرئيس الكولومبي هذه تعد - حسب مفهوم البعض - عبارات ثورية، إلا أنها تعبر عن واقع ما يحدث في غزة وفلسطين، والذي لم يملك النظام الرسمي العربي الشجاعة اللازمة للإشارة إليها بوضوح، وآثر أن يتحدث هذا النظام بلغة دبلوماسية، ليس لها أثر أو قبول في عصر التنمر هذا. فكما يقال: «رُتب الشجاعة في الرجال جلائلٌ وأجلهن شجاعة الآراء»، فأعظم درجات الشجاعة وأجلهن عند الرجال هي شجاعة إبداء الآراء والدفاع عنها، وتأتي الشجاعات الأخرى في مرتبة أدنى من هذه الشجاعة الفكرية والمعنوية. لكن في الوقت الذي تواطأت فيه الحكومات في الدول الغربية النافذة وغضت البصر عمّا يحدث من مجازر وجرائم حرب وانتهاك للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان يقوم بها الكيان الصهيوني المجرم في قطاع غزة، قامت شعوب هذه الدول الغربية بما يمليها عليها واجبها الإنساني وبكل ما تستطيع، لإجبار هذه الحكومات على تغيير مواقفها هذه. وأسهم هذا التضامن الشعبي العالمي في تعزيز صورة المقاومة الفلسطينية، وإعادة الاعتبار لنضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، لكونه حركة تحرر مشروعة، ضد استعمار استيطاني عنصري مجرم. ولم يعد سهلا على الإعلام الغربي أن يسوق الأكاذيب التقليدية حول «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» أو «الدفاع عن النفس»، أو «معاداة السامية». فقد كشفت صور المجازر المرعبة في قطاع غزة، وصرخات الأطفال من تحت الأنقاض، والانقطاع الكامل للكهرباء والمياه وتدمير كل مرافق الحياة، الوجه الحقيقي للعدوان الصهيوني المجرم. وباتت اليوم كلمة «المقاومة» تتردد في ساحات الجامعات الأمريكية والأوروبية، وعلى لافتات الناشطين ومواقعهم في كل من الولايات المتحدة وأوروبا وأمريكا اللاتينية، وحتى على صفحات الكتاب والفنانين العالميين ومعظم المؤثرين في هذا العالم، الذين أعلنوا تضامنهم الصريح مع فلسطين، وفضحوا جرائم الكيان الصهيوني المحتل وداعميه، لقد تغير بالفعل المزاج العالمي وأظهرت غزة وعيا جديدا بطبيعة الصراع، يرفض تبرئة الاحتلال ويطالب بمحاسبة مجرميه، بيد أن العالم العربي والإسلامي الذي يملك كل عناصر القوة من بشر ومال واقتصاد وسلاح ورابطة الدين والدم، ينظر إلى غزة مطأطأ الرأس، فقد خذل معظمهُ أهلها في حين نصرهم الآخرون.