يمثل التعليم والتدريب المهني أحد المسارات الاستراتيجية الداعمة للتنمية الوطنية، إذ لا يقتصر دوره على تزويد الشباب بالمهارات التقنية والعملية فحسب، بل يعد ركيزة أساسية لإعداد كوادر وطنية قادرة على المنافسة والإنتاجية، والمساهمة في سد الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، كما يسهم في تأهيل الشباب العُماني للاندماج في قطاعات حيوية تتطلب مهارات تطبيقية مباشرة مثل قطاع الصناعة، والخدمات اللوجستية والزراعة الحديثة والطاقة والتكنولوجيا.
ويعد تخريج عدد من الدفعات من هذا المسار نقلة نوعية في تطوير منظومة التعليم في سلطنة عمان، وتجسيدا للشراكة الفاعلة بين القطاعين العام والخاص في إعداد موارد بشرية وطنية مؤهلة تلبي تطلعات سوق العمل.
رافد للاقتصاد الوطني
وقال الشيخ القاسم بن محمد الحارثي رئيس لجنة التعليم والتدريب والابتكار بغرفة تجارة وصناعة عمان: يعد التعليم المهني رافدا مهما للاقتصاد الوطني، حيث يفتح آفاقا واسعة أمام الشباب العماني للانخراط في تخصصات مهنية حيوية ذات قيمة مضافة، كما يسهم في سد الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات قطاعات الأعمال، وأضاف: وضعت رؤية "عُمان 2040" ضمن أهدافها تنمية رأس المال البشري ورفع كفاءة الشباب لمواكبة الاقتصاد المبني على المعرفة، وهنا يأتي دور التعليم المهني كركيزة لتحقيق هدف "سوق عمل جاذب قائم على المهارات والكفاءات"، كما أن مسار التعليم المهني يرتبط ارتباطا وثيقا بأهداف تنويع الاقتصاد وسوق العمل، حيث إنه بدون كوادر مهنية مؤهلة سيبقى الاقتصاد معتمدا على الأيدي العاملة الوافدة، بينما التعليم المهني يتيح بناء قاعدة وطنية من المهنيين والفنيين.
كما قال الحارثي: لمسار التعليم المهني والتقني المدرسي انعكاس إيجابي على القطاع الخاص من ناحية تلبية احتياجات هذا القطاع من الكوادر المدربة والجاهزة للعمل، وأيضا تقليل اعتماد المؤسسات على برامج تدريبية طويلة ومكلفة لإعادة تأهيل العاملين الجدد، وكذلك فإن وجود كوادر وطنية مؤهلة يعزز بيئة الاستثمار المحلي والأجنبي.
وأشار الحارثي إلى أن لجنة التعليم والتدريب والابتكار في الغرفة تعمل على دراسة التحديات التي تواجه القطاع التعليمي والمهني واقتراح الحلول المناسبة لتطويره، إضافة إلى توفير منصة لتبادل الخبرات والتجارب بين أصحاب وصاحبات الأعمال والجهات المعنية، بما يسهم في مواكبة أحدث المستجدات العالمية ودعم بيئة الأعمال المحلية.
التعليم العالي
وحول دور التعليم العالي في دعم المسار المهني قال الدكتور هلال الحضرمي صاحب أعمال متخصص في مجال التعليم الخاص: إن الجامعات والكليات والمعاهد الخاصة باتت جسرا مهما بين التعليم وسوق العمل، حيث لا تقتصر على تخريج طلبة مؤهلين نظريا، بل تركز على إكسابهم المهارات العملية والتقنية ومع مرونتها في تطوير برامج جديدة، فهي قادرة على لعب دور محوري في توفير قوى عاملة وطنية مهيأة لقطاعات اقتصادية متنوعة محليا وإقليميا.
وأشار إلى أن مؤسسات التعليم الخاصة في سلطنة عمان تسعى لتقديم برامج تركز على الجوانب العملية والتطبيقية أكثر من النظرية، بما ينسجم مع طبيعة التعليم المهني، كما أن الكثير من الكليات والمعاهد الخاصة تعقد شراكات مع مؤسسات القطاع الخاص لتوفير فرص تدريب عملي للطلاب داخل بيئة العمل الحقيقية، وقال: كذلك فإن هذه المؤسسات تقدم تخصصات مثل تكنولوجيا المعلومات وإدارة الأعمال والضيافة والسياحة والتصميم والهندسة التقنية والفنون التطبيقية، فضلا عن استثمارها في تجهيز حلقات عملية ومختبرات تقنية متطورة يتيح للطلبة اكتساب خبرات تحاكي متطلبات بيئة العمل.
وأوضح الحضرمي، أن المؤسسات الخاصة تملك مرونة أكبر في تعديل برامجها واستحداث تخصصات جديدة، نظرا لارتباطها المباشر بجاذبية السوق وتمتلك الاستجابة السريعة من خلال المتابعة الحثيثة لتوجهات سوق العمل، وتدخل برامج جديدة في مجالات ناشئة مثل: (الذكاء الاصطناعي والتطبيقات التقنية والطاقة المتجددة والأمن السيبراني واللوجستيات الذكية، والامتياز التجاري.) مؤكدا أن مؤسسات التعليم الخاص تعمل بالتوازي مع توجهات الحكومة وتنسجم مع رؤية "عُمان 2040" لاستحداث برامج مهنية في قطاعات مستهدفة مثل الصحة والأمن الغذائي والسياحة والاقتصاد الأخضر، وكذلك التعاون الدولي من خلال شراكات مع جامعات عالمية، بما يعمل على نقل خبرات ومناهج متقدمة وتكييفها بما يتناسب مع احتياجات السوق المحلي.
قياس الجاهزية
من جانبه، أكد عبدالله بن علي العجمي صاحب أعمال متخصص في مجال التعليم الخاص أن متابعة جاهزية خريجي التعليم المهني تمثل ركيزة أساسية في تقييم مخرجات المؤسسات التعليمية، موضحا أن المعدل الأكاديمي وحده لا يكفي، بل يتطلب الأمر النظر إلى فرص توظيف الخريجين وآراء أصحاب الأعمال في أدائهم، إضافة إلى متابعة الشهادات المهنية التي يحصلون عليها لاحقا. وأشار إلى أن التدريب الميداني يعد عنصرا محوريا، إذ ينبغي مقارنة نتائجه بالأداء الوظيفي الفعلي للطلبة، والاستفادة من نسب النجاح في الشهادات الدولية باعتبارها مؤشرا مباشرا على جودة التأهيل.
وأوضح عبدالله العجمي، أن المؤسسات الخاصة في التعليم المهني تواجه تحديات متزايدة، أبرزها الحاجة المستمرة إلى تحديث البرامج والمناهج بما يواكب التطورات التكنولوجية، ومحدودية فرص التدريب العملي، وكذلك صعوبة استقطاب مدربين يجمعون بين الخبرة الأكاديمية والعملية، كما أوضح أن بعض التخصصات الحديثة تتطلب مختبرات ومعدات متقدمة وبتكاليف مرتفعة، مما يشكل عبئا إضافيا على هذه المؤسسات.
وأكد العجمي أن مواجهة هذه التحديات يتطلب شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، لضمان مخرجات تعليمية قادرة على تلبية تطلعات سوق العمل المستقبلية.