يقول الصحفي حسنين هيكل في كتابه المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل، الجزء
الثاني : «إن الحركة الصهيونية أخذت بلدا بأرضه وبموارده الزراعية والصناعية، العقارية والعمرانية، وبمرافقه من موانئ ومطارات وطرق، لم تتكلف غير التحسين والتطوير، علاوة على ذلك، فقد أخذت معه نظام إدارة وجهاز حكومة خدما في عصر
الامبراطورية العثمانية، وأعيد تأهيلهما في عصر الاحتلال البريطاني».
هكذا كان حال فلسطين عندما أخذها الصهاينة بقرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة عام ١٩٤٧
لكن بقي بن جوريون وهو أول رئيس وزراء لإسرائيل ومعه كل السياسيين الصهاينة يرددون ولا يزالون أن «شعبا بدون أرض استحق أرضا بدون شعب؟؟»
فيقول هيكل في كتابه: «إن الحركة اليهودية الصهيونية أول من قرر والتزم بأنه لا تفاوض ولا سلم مع الفلسطينيين، وكان التعامل مع الفلسطيني بالطرد أو القتل أوالاقتلاع».
ويكمل: «ويوم صدور قرار التقسيم عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان عدد اليهود في فلسطين لا يزيد على 300 ألف، وملكيتهم من أراضي فلسطين لا تزيد على 6%، في مقابل مليون ومائة ألف عربي يملكون 94% من أراضيها».
وأن عدد اليهود كان لا يزيد عن 8 آلاف يهودي في فلسطين ولا يملكون أكثر من 5
آلاف فدان قبل بدء هجراتهم المنظمة إليها واستيطانهم فيها.
لذا فما يحدث في غزة من قتل ومجازر وتدمير للحياة البشرية سواء الأطفال أو الكبار، هو جزء من خطة إبادة شعب فلسطين وإنهائه.
يقول هيكل في مكان آخر: «إن ديفيد بن جوريون أثبت في أربعة مواضع في مذكراته خشيته من أن يظهر بين العرب «شخص يعيد للعرب ثقتهم بأنفسهم، ويقودهم إلى
طريق التقدم والبناء في مجالات الصناعة الكبيرة والزراعة الحديثة والنهوض الفكري والاجتماعي، فهو أكبر خطر على إسرائيل».
وصرح بن جوريون أمام كروسمان عضو البرلمان البريطاني الذي زاره بعد حركة
الضباط الأحرار في مصر عام 1952: «إنني لا أريد رجلا في القاهرة يهتم بالتنمية
قبل أن يعقد صلحا مع إسرائيل».
النقطة الثالثة التي كانت تهم هذا الكيان، ألا تكون له حدود جغرافية رغم قرار التقسيم عام ١٩٤٧، الذي أرفقت به خريطة للدولة اليهودية وأخرى لدولة فلسطين،
وقد حرص في حرب ١٩٤٨ الاستحواذ على أراضي الدولة الفلسطينية التي أقرها
التقسيم، وكان يطلب الهدن في حالة شدة هجوم العرب، وأثناء الهدن كان يقوم
باحتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية، بينما يقوم المشرفون الدوليون على الهدن بإغماض العين كما ذكر هيكل. وقد ذكر أن الرئيس جمال عبدالناصر قال
لرئيس وزراء بورما: «هاتوا لي خريطة نهائية لحدود إسرائيل».
هذا هو الكيان الاحتلالي التوسعي، وما حدث في قطر مؤخرا، يؤكد أن هذا الكيان لم يغير أهدافه قيد أنملة، فهو كيان تسلطي احتلالي يبغي السيطرة على مقدرات
عالمنا تحت دعوة الشرق الأوسط الكبير، لذا فإن التنمية المتحققة في الدول الخليجية ليست من الأمور التي تسر الكيان أو تسعده أبدا. وأن تعثر التنمية في الدول المحيطة بالكيان، وغرقها تدريجيا في ديون قاتلة وأزمات اقتصادية دليل
على ما أراده بن جوريون.
عندما يردد أحدهم اليوم أن العرب كانوا عشائر وقرى، فهو يردد ما قاله بن جوريون والصهاينة بأن العرب مجموعة قرى وقبائل، ولم تكن لهم دول مدنية في تاريخهم، وهو دليل الرغبة الدفينة على السيطرة والتحكم والاحتلال.
يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾.