أنشأت سلطنة عمان وحدة مستقلة مخصصة لاستقبال وحماية ضحايا الاتجار بالبشر من فئة الذكور، وفي هذا يمكن أن نقرأ رسالة سياسية وقانونية عميقة في وقت يشهد فيه العالم تحولات خطيرة في قضايا العدالة وحقوق الإنسان، وتحاول سلطنة عمان أن تكون مستعدة بالبنية المؤسسية والقانونية لمواجهة ما يمكن أن تتمخض عنه هذه التحولات من إشكاليات قانونية واجتماعية، وهي كذلك تثبت للعالم أن مواكبة بشكل دقيق ومراقبة للظواهر التي تطرأ على العالم نتيجة التغيرات التي يشهدها ومن بينها تآكل الجوانب الأخلاقية وسرعة تصدير الجرائم العابرة للحدود، وهذا النوع من الجرائم مرتبطة بشبكات مالية وأمنية وتكنولوجية تمتد عبر قارات العالم. وجعلت الأمم المتحدة هذه الجريمة في صميم جهودها الحقوقية عبر «بروتوكول باليرمو» وغيره من الاتفاقيات. لذلك فإن قرار سلطنة عمان بفتح وحدة جديدة لضحايا الذكور تأتي ضمن الجهد العماني المساند للجهد العالمي لتجفيف منابع واحدة من أبشع الجرائم في العصر الحديث وليست استجابة لمشكلة محلية؛ فالمجتمع العماني مازال متمسكا بشكل كبير جدا بمبادئه وقيمه المستمدة من الدين الإسلامي.
من الناحية القانونية، يكتسب القرار بعدا إضافيا؛ فالنظام الأساسي للدولة يؤكد صراحة على صون الكرامة الإنسانية والمساواة أمام القانون. لكن تحويل هذه المبادئ من نصوص إلى مؤسسات عملية هو التحدي الحقيقي لأي دولة قانون.. ولذلك يأتي هذا القرار ليكون تطبيقا عمليا لمبادئ النظام الأساسي وتحويلها إلى مؤسسات تمتلك من الخبرة والقدرة على متابعة القضايا والتعامل معها ما يمكنها فعلا من تحويل مبادئ النظام الأساسي إلى قواعد عملية.
يأتي إنشاء الوحدة كذلك في سياق أوسع من التحولات التي يشهدها العالم، فمع تصاعد الأزمات الاقتصادية والهجرات القسرية والنزاعات المسلحة، تضاعفت فرص استغلال البشر في العمل القسري أو الاستغلال الجنسي أو تهريب الأعضاء.
والتجارب الدولية تظهر أن الاقتصار على الحل الأمني لم ينجح في حماية الضحايا، المطلوب دائما هو بيئة متكاملة تشمل الرعاية النفسية والاجتماعية، وإعادة الإدماج، والتأهيل وكل هذا يفتح للضحايا باب العودة إلى الحياة الطبيعية. ولذلك فإن قرار وزارة التنمية الاجتماعية يتسق مع هذه الرؤية العالمية.
لكن ما يستحق الملاحظة أن هذا القرار يعبّر أيضا عن قراءة سياسية واعية.. فالدولة التي ترفع شعار العدالة أمام مواطنيها ومقيميها على السواء، وتترجم التزاماتها الدولية إلى بنى مؤسسية، تعزز صورتها كفاعل موثوق أمام العام. وهذا هو أحد أصعب التحديات التي تواجه دول العالم اليوم حيث بقيت المبادئ في الكثير من الدول مجرد شعارات لم تستطع تحويلها إلى مبادئ عملية أو أنها فعلت ذلك بشكل انتقائي كبير.