في الوقت الذي عجز فيه ما يسمى بالمجتمع الدولي عن منع الكيان الصهيوني من ارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني الأعزل يخرج الآلاف من البشر في كل أنحاء العالم إلى الشوارع للتعبير عن تضامنهم مع الإنسان الفلسطيني مطالبين الحكومات بالتحرك لنصرة المظلوم، وكبح جماح المتعطشين للدماء في التوقف عن قتل المدنيين في غزة.

شكلت صحوة الضمير العالمي - وإن جاءت متأخرة- لحظة فارقة في تاريخ النضال الإنساني؛ إذ عبّرت عن رفض متنامٍ للنفاق وازدواجية المعايير التي تجاهلت المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية. فالمظاهرات الداعمة لفلسطين التي عمّت مدن الغرب، والهتافات المؤيدة للفلسطينيين في المنابر العالمية ومحاولات كسر الحصار عن غزة؛ جميعها مؤشرات على تنامي وعي تحرري من هيمنة الدعاية الصهيونية التي روجتها وفرضتها وسائل الإعلام التقليدية الخاضعة لرأس المال الصهيوني إضافة إلى محاولة لكسر القيود المكبلة للضمير الإنساني تحت ذريعة قانون «معاداة السامية» الذي رُفع كسلاح في وجه كل محاولة لتجريم الإبادة الجماعية المنهجية منذ عصابات الهاجانا حتى يومنا هذا.

إن لحظة الوعي العالمي المتنامية تستدعي المناداة بإعادة كتابة قانون عالمي جديد، وكذلك إعادة النظر في مكونات الشرعة الدولية (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)؛ إذ إنه من المعلوم أن تلك التشريعات والقوانين قد وُلِدت في ظروف دولية مختلفة كانت فيها معظم الشعوب ترزح تحت نير الاستعمار والجهل والتخلف، وإعادة النظر في القانون الدولي يقضي بتقييم المؤسسات الدولية المنوط بها فرض القوانين الدولية كهيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي العاجزة عن حماية الإنسان الفلسطيني الأمر الذي يجعلنا نُشكك في جدواها واستمرارها إلى الآن في الصمت عن المظالم والجور الذي تتعرض له الشعوب في مختلف أنحاء العالم.

تستوجب المطالبة بمحاسبة الاحتلال الصهيوني على جرائمه التذكير بالأنظمة الداعمة له والمتسترة على جرائمه منذ عام 1948 إلى الإبادة التي تُرتكب الآن في غزة؛ فالكيان المغتصب لا يملك الجرأة على استمرار جرائمه لولا الغطاء والرعاية والحماية الممنوحة له من قبل بعض الأنظمة الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية؛ لذلك فإن التذكير بالإجرام ورعاته لا يمكن أن يتوقف عند الأنظمة الداعمة لإسرائيل، بل إدانة الشخصيات السياسية المسؤولة عن إراقة دماء الأبرياء، والتي أعمتها مصالحها وإديولوجيتها عن رؤية الحق وإحقاقه.

نعرف جيدا أن رعاة الكيان الصهيوني لا يتورعون عن اختلاق الأعذار، وإبقاء الأدوات المحافظة على بقاء الكيان الغاصب بمنأى عن العزلة أو الزوال مثلهم مثل الجراثيم والأوبئة التي تكتسب المناعة ضد اللقاحات والأدوية؛ لذلك سيحاولون بشتى السبل والوسائل تجريم المتضامنين الدوليين مع فلسطين والتضييق عليهم. فصحوة الرأي العام العالمي، وفضحه للجرائم الصهيونية يُبشران بزوال النظام العنصري المحتل، ويُحرران البشرية من الخوف والاستلاب.

إن نزول المئات من المتظاهرين المؤيدين للحق الفلسطيني إلى الشوارع، وكذلك تسيير العشرات من المراكب والقوارب لمحاولة كسر الحصار عن غزة يمنح اطمئنانا مؤقتا بأن الضمير الإنساني لا يزال بخير، وأن البشرية تتوجع لوجع البشر، كما يُعيد إلى الأذهان التذكير بالمتضامنين العالميين مع القضية الفلسطينية الذين دفعوا أرواحهم في سبيل نصرة الحق، ورفع الظلم، والحفاظ على الكرامة الإنسانية.