(عمان) صدر حديثا عن دار الآن ناشرون وموزعون في عمّان كتاب جديد للباحثة والشاعرة جمانة الطراونة بعنوان "الرواية المتحفيّة"، يتناول العلاقة بين النص السردي والفضاء المتحفي من خلال قراءة نقدية لرواية "صابرة وأصيلة" للروائية غالية.ف.ت.آل سعيد.
يطرح الكتاب، الواقع في 128 صفحة، مقاربة نقدية تسعى إلى تأصيل مفهوم "الرواية المتحفيّة" بوصفه نمطا سرديا يقوم على الموروث المادي والثقافي، ويُترجم بصريا كما لو كان مقتنيات تُعرض داخل متحف، وقدّم الكتاب الناقد العراقي الدكتور سعد التميمي أستاذ النقد في الجامعة المستنصرية ببغداد، بمقدمة أكاديمية أشار فيها إلى أن الطراونة قدّمت دراسة متفردة في موضوعها، وأرست مفاهيم جديدة في النقد الثقافي، إذ تعرض الرواية شخصياتها كما تُعرض القطع في المتحف: بدقة وحياد ومن دون مبالغات درامية، بل بإضاءة سردية بصرية تجعل القارئ يرى الشخصيات كما يرى التماثيل أو الصور القديمة، يتأملها ويفكّ شفراتها ويقارنها بالحاضر. ويؤكد التميمي أن الكتاب يمثل "جهدا نقديا جادا يشكّل إضافة نوعية في الربط بين التراث والسرد، والذاكرة والمادة، والحكي والتوثيق، ويؤسس لاتجاه جديد في قراءة النصوص من منظور ثقافي بصري يعيد الاعتبار للتراث المحلي بوصفه منبعا للهُوية ومصدرا للإبداع".
وفي مقدمتها للكتاب، تعرّف المؤلفة مصطلح "الرواية المتحفيّة" على أنه نص سردي يتكئ على موروث مادي ـ شخصي أو تاريخي ـ ليُترجم بصريا في شكل معروضات داخل متحف، فتتداخل حدود الرواية مع فضاء العرض المتحفي، وترى الطراونة أن العلاقة بين النص والمتحف يمكن أن تتشكل بطرائق مختلفة: فقد تُكتب الرواية أولا ثم يُؤسس لها متحف، أو يُنشأ المتحف لتُنسج الرواية استنادا إلى معروضاته، أو تُستلهم الرواية من متحف قائم بالفعل.
واختارت المؤلفة أن تبني دراستها التطبيقية على رواية "صابرة وأصيلة"، التي صدرت عام 2008 عن دار رياض الريّس في بيروت، وهي الرواية الثانية لغالية آل سعيد، وتقارن الطراونة بين الرواية وبين متحف "المكان والناس" الذي أنشأته الكاتبة عام 2011 في مطرح التاريخية بالعاصمة مسقط، وكان يعرف سابقا باسم "متحف غالية للفنون الحديثة"، ويوثق المتحف تفاصيل الحياة اليومية في سلطنة عُمان بين خمسينيات وسبعينيات القرن العشرين، ويعرض مقتنيات أصلية في فضاء متحفي حديث مطل على كورنيش مطرح وبحر عُمان، على مقربة من القلعة التاريخية. وترى الطراونة أن غالية آل سعيد، وقد استشعرت سرعة التحولات الاجتماعية والثقافية، أسست المتحف ليكون سجلا بصريا لذاكرة الناس والمكان، يجمع بين التوثيق والحنين الثقافي.
وينقسم الكتاب إلى قسمين رئيسيين: الأول يتناول خصوصية متحف "المكان والناس" وفرادته بوصفه متحفا قائما على المقتنيات الأصلية، لا على نماذج مقلّدة، وبأسلوب عرض جاذب. أما القسم الثاني، فيرصد تطور الرواية العربية منذ نشأتها وتأثرها بالقص القرآني، قبل أن ينتقل إلى تحليل رواية "صابرة وأصيلة" من منظور "الرواية المتحفية"، مبرزا دورها في توثيق تفاصيل الحياة العُمانية واستلهام الموروث واستثماره في السرد، ضمن مقاربة تطبيقية دقيقة بين النص الروائي والفضاء المتحفي.
ويتوسع الكتاب ليعالج قضايا متصلة بالتراث وأبعاده الثقافية، مثل مفهوم التراث في الثقافة الإسلامية وارتباطه التأسيسي بالقرآن الكريم، وأهمية حفظ التراث في تفسير الحاضر ودعم التنمية المستدامة، إلى جانب استعراض جهود سلطنة عُمان في توظيف تراثها غير المادي في خدمة الثقافة والتنمية، ومبادراتها لإدراج عناصر منه في القائمة التمثيلية للتراث الإنساني لدى اليونسكو. كما يقدم الكتاب قراءة بانورامية للمشهد المتحفي في عمان، من "متحف عمان عبر الزمان" و"المتحف الوطني" إلى "متحف التاريخ الطبيعي" و"متحف قوات السلطان المسلحة" و"متحف بوابة مسقط" و"المتحف العُماني الفرنسي" و"متحف العملات" وغيرها من المتاحف والبيوت التراثية التي تعكس وعي سلطنة عُمان بالتراث باعتباره ذاكرة الأمة وعنوان أصالتها.