نتفق مع الرحال ثيسجر في وصفه للصحراء العُمانية والمتضمنة لصحراء الربع الخالي بأنها صحراء الصحاري، نظرا لغموضها ومجاهلها وتأخر اكتشافها من قبل الرحالة والمستكشفين. بينما لم تكن مجهولة لسكانها الذين يطلقون عليها اسم الرملة وهي تسمية تنسحب على كل الكثبان الرملية الموجودة في أعماق الصحراء. قبل الحديث عن مضمون المقال أود التقدم بالشكر لإدارة النادي الثقافي وموظفيه على إتاحة الفرصة للمشاركة في «ملتقى سيرة الصحراء في عُمان» وتقديم قراءة حول الصحراء في الأدب العُماني (شعرا ونثرا)»، وإن كان الموضوع يتطلب بحثا في الإنتاج الشعري العُماني بأنواعه وبكل اللغات العُمانية، إلا أننا اقتصرنا القراءات على نماذج عدة من الشعر الفصيح والنثر، إذ تهدف القراءات إلى استقصاء حضور الصحراء في الأدب العُماني شعرًا ونثرًا، والكشف عن خصائصها الموضوعية والجمالية، ورصد أبرز الأسماء والأعمال التي جعلت من الصحراء ثيمة محورية، إذ يُعدّ الأدب الصحراوي -سواء أنتجه أبناء الصحراء أو كُتب عنها- حقلًا معرفيًا يستحق التوثيق والدراسة، لكن الكاتب التونسي حسن المؤدن يرى أن «(كتابة الصحراء) أبلغ تعبيرا من (الأدب الصحراوي)، لأسباب أساسية منها أن الكتابة أوسع وتشمل المعنى المادي للكتابة وتشمل أدب الصحراء الشفوي، وهي قابلة لضم أشكال الكتابة القديمة والحديثة المنتمية لأجناس الأدب المعروفة وأيضا لأشكال جديدة تقع خارج نماذج هذه الأجناس».

يُعد الشعر العُماني سجلًّا حيًا لحياة الصحراء، بما فيها من طبيعة صامتة كالشجر والرمال أو متحركة كالبشر والحيوان. وقد رأى الباحثون أن الشعر العُماني يمثل أحد أهم مصادر التاريخ الثقافي في عُمان، بل يمكن القول إن «تاريخ عُمان هو تاريخ شعرها»، مثلما ذكر الدكتور محمود السليمي، ولذلك فقد كان الشعراء يميلون إلى تضمين الصحراء في قصائدهم.

لم يقتصر حضور الصحراء على الشعر، بل امتد إلى مذكرات الرحالة، وكتابة السيرة، والنصوص السردية التي جسدت الصحراء فضاءً للتيه والاكتشاف والتحدي. فهي رمز الذاكرة الجمعية، ومسرح للتجربة الإنسانية بين قسوة الطبيعة ورحابة الحرية والانعتاق من كاهل الرتابة والظروف القهرية التي يتعرض لها الإنسان في الأمكنة المحكومة بالثبات والاستقرار.كلمة الصحراء على الفضاء الواسع المقفر، وقد ورد في المعاجم أنها الأرض المستوية الخالية من الشجر والجبال، وقيل هي مثل ظهر الدابة الأجرد. وكثرة أسمائها في اللغة تدل على عظمة مدلولها. فهي (البثنة، والبرية والبسبس، والبقلع، والبيداء، والتنوفة، قال ابن عرابة : «تنائفُ الأرضِ جابتها الورى طربا نحوه يَهدِهم بَدرٌ ومصباحُ»، والتيماء، والتيهاء، والجدجد، والجوُّ، والخرق، والخفقة، والدّو، والدوم، والديمومة، والديموم، والسبسب، والسهب، والسهمج والدهمج، والصحاصح، والصرداح، والصرماء، والضراء، والعربسيس، والفحص، والفدفد. يقول أبو الصوفي سعيد بن مسلم المجيزي في وصف رحلة السلطان تيمور إلى مدينة رخيوت سنة 1925 : «سافرت تنهب الفدافد طالبا رخيوت إذ طارت لوصلك شوقا»، والفلاة، والفيفاء، وقاع وقيعه، والقاع، والفردد، والقفر، والقُنُع، والمرت، والمهلكة، والمهمة، وكوم/ الموماة، واليهماء).

يمكن القول إن الأدب الصحراوي يمتلك خصائص خاصة به وتميزه منها «الارتباط بالبيئة الصحراوية، إذ جسد الشعر ثيمة الصحراء بصفتها رمزًا للحرية والحنين والانتماء، إضافة إلى ميزة الطابع الروحي والتأملي، إذ منح الإنسان مجالًا للتأملات في الطبيعة والوجود، كذلك التعبير عن حياة البادية وما فيها من أساطير وغرابة، والاحتفاء بالبيئة الصحراوية، إذ تحضر طبيعة الصحراء بما فيها من رمال وواحات وأشجار وحركة السحب، وسطوع النجوم والقمر في النصوص الشعرية، ويمكن الشعور بذلك الانطباع ينعكس من القصائد المعبرة عن مبدعيها ذاتيا وموضوعيا».

تبقى الطبيعة العُمانية مجالا خصبا للدراسة، ونأمل أن تتوسع دائرة البحث لتناول عناصر طبيعية أخرى وعلاقتها بالأدب كالبحر والجبال والقرى والمدن، إضافة إلى البحث عن وجود الإنسان في الأدب كالأب والأم والعم، ودلالة حضور هذه العناصر في الأدب والثقافة.

محمد الشحري كاتب وروائي عُماني