أنْ تعترف المملكة المتحدة وكندا وأستراليا بفلسطين دولة، يمثل ذلك فارقا في مسيرة التاريخ، والذي تأخر 77 عاما منذ قرار الأمم المتحدة الجائر في 29 نوفمبر 1947م بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية والذي بموجبه أعطى شرعية للعصابات الصهيونية التي نشأت على أرض فلسطين منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

الاعتراف الذي وعدت به لندن وعدد من العواصم مؤخرا ومنها التي تقع تحت مظلة الكومنولث مثل كندا وأستراليا بالذات وكذا فرنسا، يمثل تضادا مع وعد لندن عندما أرسل آرثر جيمس بلفور في 2 نوفمبر 1917 إلى اللورد ليونيل والتر دي روتشيلد يؤكد من خلاله رغبة حكومة بريطانيا بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

هذه الخطوة أرادت تحقيق هدفين استراتيجيين؛ الأول تنفيذ مشروع إنهاك العرب وتقسيم دولهم وفصل شرقهم عن غربهم، والثاني الذي لا يلتفت له الكثير، تخليص أوروبا من الوجود اليهودي اللافت فيها، نظرا لما أصبحوا يمثلونه من خطورة على الاقتصاد والسياسة فيها.

قد يرى البعض أنه تكفير عن ذلك الوعد، لكنه ليس كذلك بالضبط؛ فالاعتراف خطوة تعبّر فيها هذه الدول عن استيائها من التجاوزات الفظيعة التي يرتكبها الاحتلال على مدى عامين وما قبلها (75 عاما)، من انتهاكات بحق الإنسانية وتريد أن تخرج من حالة الصمت «المحرج» الذي وضعتها إسرائيل فيه طيلة الـ77 عاما الماضية ولم يتمكن فيها هذا الكيان المصطنع من التعايش مع جيرانه واختار لغة القوة والحروب والاعتداءات وتجاوزات القانون الدولي وممارسة البلطجة والعنصرية والتدمير والقتل والحرق والإبادة والقمع والتوتر وأشغل العالم بتصرفاته غير المسؤولة على مدى قرن من الزمن كان كفيلا أن يزدهر فيه الشرق الأوسط، مما أوجد حالة من المراجعة لهذا السلوك الذي يسبب ذلك الإحراج الكبير، بحكم مفهوم أن إسرائيل قائمة ومستمرة على إمدادات الغرب العسكرية والسياسية وهي لا تعبأ بهم.

قادة إسرائيل لا يدركون أنهم يدفعون بمثل هذا الاعتراف أثمان أخطائهم، ولا يتقبلون رؤى أقرب حلفائهم خاصة من وعدوهم بوطن قومي والذي تحول إلى عقائدي ديني، يريدون من خلاله مسح الآخرين من الوجود ويجاهرون قبل أيام بوطن أكبر جغرافيًّا، وهذه ستكون نقطة فاصلة في التاريخ، ولا حتى بآراء منظريهم من الداخل الإسرائيلي الذين يرون أن مستقبل بقاء إسرائيل مرهون بسلوكها العقلاني.

تزايد كراهية العالم لإسرائيل يساهم في عزلتها، ما يحدث في الولايات الأمريكية من تظاهرات تاريخية مهم جدًا وفي دول العالم كأوروبا وبعض دول آسيا، ومن اعتصامات وإضرابات وتسيير أكبر أسطول عالمي عُرف بـأسطول «الصمود» يتألف من 60 سفينة نحو غزة؛ لفك الحصار، واستياء يومي جراء ما يفعله الاحتلال في غزة من إبادة جماعية، كل ذلك يدفع إلى اصطفاف عالمي جديد لصالح القضية العربية الفلسطينية، إذا ما تزايدت اعترافات بقية الدول المهمة والمؤثرة، بعد سقوط وَهْم الرواية الإسرائيلية.

سالم الجهوري كاتب صحفي عُماني