«بدل أن أتحمّل هذا العبء، سأغلقُ المنشأة، وأقلّص مشاريعي، وأكتفي بفرع واحد فقط، ليس لأنني لا أؤمن بالتعمين، بل لأن القرار لا يتناسب مع حجم عملي، وهو إجحافٌ بحقنا».
هذا ما أكده أحد روّاد الأعمال في استطلاع أجرته جريدة «عُمان»، عقب صدور قانون يُلزم المؤسسات التي مضى على تأسيسها عام واحد بتوظيف مواطنٍ عُماني واحد على الأقل.
وقد برّرت الوزارة الأمر، استنادًا إلى بيانات كشفت عن آلاف المؤسسات الخالية من الكوادر الوطنية!
قد يبدو القرار ظاهريًا حلاً لمُعضلة الباحثين عن عمل، يُعيدُ التوازن إلى السوق ويُحقّق عدالة الفرص، لكنه في جوهره أقربُ لذلك الذي اشتكى صداعًا فقيل له: «اقطع رأسك»!
فإن بدا راتب ٣٢٥ ريالا ضئيلاً لموظف عُماني، جوار اشتراكات التأمينات الاجتماعية، فإنّه يُثقل كاهل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لاسيما تلك التي لا تدر أرباحًا تُذكر، فماذا عساه يعمل العُماني في محل كيّ ملابس أو حلاقة أو خياطة أو مقهى أو كراج أو مطعم محدود الدخل؟ والسؤال ليس في سياق التقليل من شأن هذه المهن، وإنّما حول ما يحوزه العُماني من مهارات، ماذا أيضا عن الإجازات القصيرة، وساعات العمل الطويلة نسبيا؟ يبدو الأمر وكأننا لم نُغادر جُزرنا المُنعزلة لبناء حوارٍ حقيقي مع أصحاب المشاريع، ولم نُصغِ لآلامهم!
إن هذه السياسات -وإن صيغت بنوايا طيبة- تُهدد عمليًا استدامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تُعوّل عليها «رؤية عُمان»، فهي تُضعف رئة الاقتصاد الناشئة. إذ تُتركُ إزاء خيارين: إمّا أن تقطع أوردتها الغضة أمام سطوة الشركات الكبرى، أو تذهب لتعمين صوري ساذج، فتسجلُ الزوجة والأخت أو أي باحث عن عمل، تفاديًا للحظر والغرامات!
وعلى ذكر «الغرامات».. فأي تأخر في تحويل أجور العاملين بانتظام إلى حساباتهم البنكية يترتبُ عليه غرامة مقدارها ٥٠ ريالًا.
لا يختلف اثنان على أهمية صون حقوق العاملين، لكن الحماية ينبغي ألا تتحول إلى سياط مُوجعة أيضا ! فظاهريا يُرسّخ هذا المبدأ الثقة في بيئة العمل، لكنه واقعيا يُثقل المؤسسات ذات الإيرادات المحدودة في ظل تباطؤ الحركة التجارية، ومع تراكم الغرامات، قد يتعرض السجل التجاري للحظر!
ومجددا ولأنّنا لا نستطيع «حلّ المشكلات بنفس العقلية التي صنعَتْها» كما يقول أنشتاين، فلا بد من تغيير طريقة التفكير العبثية في إيجاد حلول مُرقعة لحل مشكلة الباحثين عن عمل.
فآلاف الشباب الذين حلموا بمشاريعهم، وجدوا أنفسهم فجأة أمام قرارات تفوق تصوراتهم! في قطاع فتي لم يتعافَ بعد من انتكاساته السابقة، ويحاول النجاة بنفسه من مغبة الإغلاق في بحر من حيتان السوق المتوحشة! الجميع يحلم بسوق عمل يشعُ بالكفاءات العُمانية، سوق قوي يصبحُ محط نظر الأجيال القادمة، لكننا واقعيا نحمله ما لا طاقة له به، وقد نُسارع بوأده!
نحن في أمسِّ الحاجة إلى إنعاش السوق لا إلى إرباكه، وإلى تقليل القيود وتقوية جذوره، فكيف نُعمّم قرارًا واحدًا على مؤسسات ليست على كفاءة مالية واحدة؟ وما الجدوى من انضمام العُمانيين إلى أعمال محدودة، تنتهي بضمورها؟
يبدو الأمر وكأننا نُعاقب ذلك الذي استغنى عن الوظيفة الحكومية وشقّ طريقه بنفسه، فبلغة الربح والخسارة: ماذا تكسب المؤسسة التي تُعيّن عُمانيًا سوى دفع ما يُعادل أجرة عاملين وافدين تقريبًا؟ ألم يكن من الأجدر بالوزارة بدلا من فرض الأمر على هذا النحو، أن تأتي من باب آخر.. كأن تمنح حزم من الحوافز المالية والتسهيلات والإعفاءات الضريبية، للمؤسسات التي تُسهم في حلّ المُعضلة التي تثقل كاهل البلاد؟
ولماذا لم نبدأ بخطّة متدرجة، تنطلق من المؤسسات الكبرى لاختبار التجربة أولًا؟ كيلا نُخلّ بتوازن السوق، جوار إنعاش خطط تدريبية مستمرة تتقاطع مع احتياجاتنا الواقعية؟
إن كنا نريد اختبار تجربة توطين الوظائف حقًا، فلنتحدث بلغة الأرقام: كم عدد العُمانيين الذين وُظِّفوا بعد القرار؟ وبالمقابل كم عدد السجلات التي أُغلقت أو أوشكت على الإغلاق؟ عندها فقط نكتشف القصّة كاملة.
فقد نظنُ أنفسنا في احتفال تقليص أعداد الباحثين عن عمل، بينما نحن في الحقيقة على صفيحٍ ساخن، نجزُّ أقدام الذين وقفوا بصلابة على الأرض وعلى نحو مُباغت، بينما «نصف الرؤية لا يقود إلى نصف الحقيقة، بل إلى وهمٍ كامل»!!
هدى حمد كاتبة عُمانية ومديرة تحرير مجلة «نزوى»