كتبت : خلود الفزارية 

تصوير: حسين المقبالي

أقيم بجامعة السلطان قابوس الأسبوع الاجتماعي السينمائي تحت شعار "السينما تتكلم مجتمع"، لمدة أربعة أيام بعروض لأفلام عمانية قصيرة تتبعها جلسات نقدية لمناقشة الأفلام المشاركة وأثرها بتسليط الضوء على قضايا المجتمع.
وشهدت قاعة العرض السينمائي بقاعة المؤتمرات مساء أمس ختام الأسبوع بعرض فيلم "أرواح ملتهبة" للمخرج يعقوب الخنجري، ويواجه فيه سلمان الذي يعني من مشكلة عقلية صعوبة في التأقلم مع أقرانه ومحيطه الاسري فهناك من يساعده وهناك من يستغل وضعه. وفيلم "صرخة طفل" للمخرج صالح المقيمي عن طفل يحاول الانطلاق في طريقة لمساعدة أطفال العرب والعالم الذين يعانون من نقص الغذاء والمأوى بسبب النكبات والحروب التي تسبب بها البشر، يحاول جاهدا أن يقنع العالم المحيط به بفكرة التبرع للمنظمات الإنسانية كي تصل المساعدات إلى أطفال المدن المنكوبة.
وجاءت الجلسة الحوارية عقب عرض الفيلمين، أدارها الدكتور سعيد السيابي فتح النقاش حول التجربتين، بمشاركة الدكتور سالم المعمري بورقتين نقديتين، إضافة إلى شهادتين قدمهما المخرجان صالح المقيمي ويعقوب الخنجري.
وفي ورقته الأولى قدم الدكتور سالم المعمري قراءة نقدية حول فيلم "صرخة طفل" رأى أنه يعكس انشغال المجتمع عن قضايا إنسانية عميقة بسبب هموم الحياة اليومية، ويقدم صورة واقعية دون مثالية زائدة، مما أضفى مصداقية على الشخصيات. مبينا أنه اعتمد على استخدام رمزي للدراجة الهوائية بما عزز البعد الإنساني والبيئي، وطرح قيمة التعايش والرحمة مع الفئات الأضعف في المجتمع، في حين تميزت مشاهده البصرية بجمال يحتاج إلى مزيد من الالتزام الإخراجي لشد الجمهور.
ولفت المعمري إلى أن اختيار العنوان والصورة الصوتية الأولى أثار انفعال المتلقي، حيث جسد الفيلم قيمة الكرامة الإنسانية من خلال انطلاقة الطفل بدراجته فوق مجرى مائي في مشهد رمزي. موضحا أن الفيلم اعتمد على فضاءات مفتوحة تحمل دلالات الحرية والبحث عن أفق جديد، وفي الوقت ذاته قدم رسالة اجتماعية بسيطة ومباشرة يمكن أن تصل إلى مختلف شرائح المجتمع.
أما ورقته عن فيلم "أرواح ملتهبة" للمخرج يعقوب الخنجري فأوضح المعمري أن بنيته السردية اتسمت بالبساطة مع الحفاظ على تماسك الأحداث وانتقالها السلس، وأظهر قدرة على دمج الدراما مع المكان وتعزيز علاقة الشخصيات بالبيئة، كما جعل من شخصية الطفل رمزا للأمل والبراءة رغم المأساة. مبينا فكرة الطفولة حاضرة بقوة، ومستشهدا بتجارب سينمائية عالمية قاربت الموضوع نفسه من خلال شخصية الطفل.
من جانبه قال المخرج صالح المقيمي: إن التجربة ارتبطت بظروف صعبة أبرزها فترة الجائحة، حيث واجه فريق العمل تحديات تتعلق بالوقت والإغلاق والظروف الإنتاجية، مضيفا أن الفيلم لم يكن مشروعا فنيا فقط، بل ارتبط بعاطفة حقيقية وبقصة شخصية عشتها، ولهذا حمل العمل صدقا انعكس على أدائه. وأشاد بالدعم الذي قدمته الجمعية العمانية للسينما والتلفزيون لفريق العمل على الصعيدين الفني واللوجستي.
أما المخرج يعقوب الخنجري فأكد أن صناعة السينما ليست بالأمر المستحيل، لكنها تتطلب تضافر الجهود بين المؤسسات والجهات المعنية، مشيرا إلى أن "الفيلم ليس جهدا فرديا، بل ثمرة عمل جماعي متكامل، يبدأ من قوة النص والسيناريو، ويعتمد على اختيار فريق مناسب قادر على إنجاز عمل يرتقي إلى مستوى المحافل الدولية". وأضاف أن السينما العمانية بحاجة إلى نقلة نوعية من الأفلام القصيرة إلى الأفلام الروائية الطويلة، مؤكدا أن الإمكانات موجودة، والطاقات الشابة قادرة على تحقيق ذلك.
وحملت الأفلام المشاركة رسائل كثيرة تم عرضها على مدار أيام الأسبوع، بحضور عدد من الأكاديميين والمهتمين بالفنون البصرية، حيث تحدث فيلم رماد للمخرج سليمان الخليلي عن عائلة تعيش في إحدى القرى الجبلية في فترة التسعينات، وحينما يتم اكتشاف ابنتهم المراهقة غير المتزوجة أنها حامل؛ تقرر العائلة قتلها، بجانب الطبيب الذي يسعى إلى إنقاذها بعد اكتشافه الخطأ الطبي. وفيلم البنجري للمخرج موسى الكندي يحمل قصة فنتازية من وحي الخيال، لا تنتمي لزمان أو مكان محدد، تتداخل فيها أحداث من واقع مجتمعاتنا برمزيات يستطيع المشاهد ربطها بقيم الحياة الأساسية كالمكانة والتبعية والجشع وقيمة الفرد في مجتمعه. وفيلم وهم للمخرج عيسى الصبحي عن أكاديمي مضطرب، يسعى للراحة في الجبال للهروب من صراعاته الداخلية، يحاول كشف الحقيقة وأن كل القوى التي تقيد ما هي إلا أوهام، ليكشف أن الفكرة أزلية تحت أطار الكلمات لا يمكن تجاوزها. وفيلم أقدام متسخة للمخرج طالب محمد البلوشي تحدث عن طفل يعاني من ظروف معيشية صعبة في توفير لقمة العيش ومشاكل عائلية داخل البيت. وفيلم غيوم للمخرجة مزنه المسافر يحكي فيلم "غيوم" قصة دبلان الذي يواجه تهديدا من نمر يهدد قرية جبلية صغيرة، حيث يبذل جهودا كبيرة للحفاظ على حياة النمر رغم ضغوط الأهالي. يتناول الفيلم رحلة دبلان في التخلص من الماضي واكتشاف الحاضر بطريقة جديدة تغير حياته للأبد. أما فيلم سلندر للمخرج سرور الخليلي فيتناول مجتمع صارم تحكمه المطابقة القسرية، يتحدى شاب متمرد النظام، ويكشف الحقائق الخفية، ويتساءل عن طبيعة الحرية والهوية.
ويهدف الأسبوع الاجتماعي السينمائي بجامعة السلطان قابوس إلى إبراز إبداعات صناع السينما العمانيين الشباب وتسليط الضوء على قدرتهم في معالجة قضايا إنسانية واجتماعية من زوايا جمالية وفكرية متعددة، وتعزيز الوعي الاجتماعي من خلال لغة الصورة والفن، بتكريس حضور السينما كأداة ثقافية وفكرية داخل الجامعة والمجتمع.