زياد خداش
قرار مثير للفرح والحنين، اتخذه الكاتب والشاعر الفلسطيني أسعد الأسعد، بالتفكير الجدي في إصدار عدد جديد من مجلته الكاتب التي رأس تحريرها أول ثمانينيات القرن العشرين حتى أول التسعينيات، هذه المجلة الشهيرة، كانت الوحيدة في فلسطين قبل مرحلة أوسلو التي ساهمت في صنع تحولات ثقافية وإبداعية وحتى سياسية في الحياة الفلسطينية، بحكم جديتها ورصانة خطابها، وانتهاجها نهجا مقاوما للاحتلال، ومتبنيا لأدب المقاومة.
يقول الكاتب أسعد الأسعد: (إن حنينه إلى أيام رئاسته للمجلة لا يفوقه حنين وأن حلمه بمواصلة إصدارها لا يتوقف، وهو مصمم على إصدار عدد احتفالي تجريبي، يدعو إلى الاحتفال به كتاب المجلة الذين بقوا على قيد الحياة، وتذكير للأجيال الأدبية الشابة بمرحلة خصب ثقافي كبير مرت بها بلادهم من خلال الكاتب).
لعبت مجلة الكاتب دورا كبيرا في إشاعتها لوعي ثقافي وطني وجمالي كبير، وكانت نصوصها ومقالاتها ودراساتها، مختبرا حيا خصبا لمناخ فلسطيني يموج بالإبداعات والاتجاهات الفكرية والسياسية، المختلفة التي كانت تنشر بحرية كاملة خطابها الفكري الاقتصادي السياسي، وقد تنوعت النصوص الأدبية في المجلة بتنوع المدارس الفكرية الأدبية، فمنها القومي والماركسي والوجودي، وحتى العبثي، تجاورت هذه المدارس كأجمل ما يكون التجاور في تعايش مذهل، داخل أعداد المجلة المؤرشفة في مكتبة رام الله، وهو نفس التعايش بين مختلف الفصائل الوطنية التي كان قاسمها المشترك النضال ضد الاحتلال، نقرأ عديدا من المعارك الثقافية الشريفة بين مبدعين فلسطينيين، خاصة في الأعداد القليلة التي صدرت بعد مرحلة أوسلو، فمثلا هناك المعركة الثقافية الشهيرة التي امتدت في أكثر من عدد بين الشاعرين وسيم كردي والمرحوم زكريا محمد حول عمق الأدب المحلي وغناه، هذه الاشتباكات الغنية والهادئة والمحترمة لم تكن تجري إلا في صفحات أعداد مجلة الكاتب.
كما كان للمجلة دور لافت جدا في مد جسور ثقافية ما بين أدباء ومفكري الأرض المحتلة مع أدباء ومفكري العالم العربي ومع فلسطينيي الشتات، فمثلا نشرت المجلة عديدا من القصائد للشعراء العرب قاسم حداد ومحمد عبد المعطي حجازي وأمل دنقل ومحمد بنيس وغيرهم كما استقبلت نصوص الفلسطينيين في المنافي كغسان زقطان، ويحيى يخلف، وخليل السواحري، ومريد برغوثي ووليد أبو بكر ورشاد أبو شاور وإبراهيم نصر الله وغيرهم، كما احتفلت بنصوص سردية وشعرية ومقالات فلسفية لأدباء ومفكرين غربيين ومن أمريكا اللاتينية، مما أضفى على المجلى طابعا ثريا عالمي الأثر.
يقول الكاتب الغزي القصصي الشهير عمر حمش وهو واحد من أهم كتّاب مجلة الكاتب في ثمانينيات القرن الماضي وأحد أعضاء هيئتها الإدارية: (لقد شهدتُ في النص الأول من عقد ثمانينات القرن العشرين حدثين تركا أثرا على حياتي وهويتي الثقافية وتجربتي الإبداعية وكنت وقتها في بداية سني الثلاثين، كان الأول إشراكي بهيئة تحرير مجلة الكاتب المقدسية، وأما الثاني فكان انتخابي عضوا في إدارة اتحاد الكتاب الفلسطينيين. لقد ساهمت المجلة بشكل مؤثر على قطاع واسع من طلاب الجامعات وعلى الكثير من المثقفين بسبب جدتها وتفردها حتى غدت قبلة الباحثين عن التنوير).
ويكتب لنا القاص سامي كيلاني أحد كتّاب المجلة في الفترة نفسها عن البعد النضالي للمجلة: (تذكر تلك الحقبة يأخذ الواحد منا إلى تفاصيل متشعبة يشعر براحة في تذكرها واستحضارها ليس لأنها كاملة الأوصاف بل لأن الاندماج في النضال وقتها كان دون مصالح ومطامع المركز أو الوظيفة). أما الكاتب القصصي المقدسي محمد عليان وهو أسير محرر ونشر معظم قصصه في المجلة أثناء سجنه، فيقول عن تلك الفترة الذهبية التي قادت فيها مجلة الكاتب الثقافة الفلسطينية: (لا أدري كم قصة نشرت لي الكاتب ولكن عندما تحررت من السجن في إطار صفقة تبادل بعد عشر سنوات أكرمني الرفاق بهدية من أثمن الهدايا ما زالت في مكتبتي حتى الآن وهي ثلاثة مجلدات من المجلة، تجمع أعدادا متتالية، بداياتي في الكتابة كانت مع مجلة الكاتب وقراءاتي الأولى في أدب المقاومة كانت في الكاتب، الكاتب هي محطتي الأولى في الكتابة).
كل الحب لأستاذنا أسعد الأسعد، على فكرة مواصلة إصدار أهم مجلة ثقافية في فلسطين. لكن السؤال هو: كيف ستتعامل المجلة مع تفاصيل زمن آخر مختلف بشكل جذري عن زمنها، من حيث اضطراب بوصلة الكتابة، وضحالة الكتابات، وسهولة إطلاق كلمة كاتب على أي شخص، وسيطرة أدب الفيس بوك على المشهد، وغياب النقد الجدي الشجاع وانصراف الناس عن القراءة، وشيوع ثقافة الاستهلاك، وغياب الجدية والعمق من الحياة والثقافة؟