في حدثٍ غير مسبوق في العلاقات الدولية، قام الكيان الصهيوني المجرم في التاسع من سبتمبر الجاري بعدوان غاشم على الحي السكني في العاصمة القطرية الدوحة.. والذي يضم مقرات سكنية خصصتها الحكومة القطرية لاستضافة الوفود التفاوضية، وتحديدا حركة حماس. وأثناء اجتماع وفد الحركة المفاوض لدراسة المقترح الأمريكي لوقف الحرب، صدم العالم أجمع بهذا الاعتداء الغاشم، والذي راح ضحيته عدد من أفراد الحركة، من بينهم ابن الدكتور خليل الحية، رئيس حركة حماس في قطاع غزة، ورئيس الوفد المفاوض للحركة، ومدير مكتبه، بالإضافة إلى استشهاد أحد أفراد الحماية القطرية، وجرح عدد آخر من الجانبيين. 

وفي تجاوب سريع في ضوء هذه الجريمة النكراء، عُقدت في العاصمة القطرية الدوحة، يوم الاثنين ١٥ من شهر سبتمبر الجاري، القمة العربية الإسلامية الاستثنائية لبحث العدوان الإسرائيلي على دولة قطر، بمشاركة ٥٧ دولة، تمثل أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، وبالطبع من ضمنها كل الدول العربية. ويأتي هذا التجاوب السريع في التئام هذا العدد الكبير من الدول في أيام قليلة، ليؤكد ابتداء على المكانة الخاصة والاحترام الكبير لدولة قطر وما تحظى به على المستويين الإقليمي والدولي من مكانه مميزة، وخاصة أنها تقوم بأدوارٍ محورية هامة في رأب الصدع، في الكثير من النزاعات التي تشهدها دول العالم. 

وكذلك لدورها الرئيسي والجهد المضني الذي تبذله مع جمهورية مصر العربية في محاولة وقف الحرب النكراء والظالمة، التي يشنها الكيان الصهيوني المجرم منذ ما يقارب العامين على الفلسطينيين الأبرياء العزل في قطاع غزة، والإبادة الجماعية، التي حرقت الأخضر واليابس من بشرٍ وشجرٍ وحجر في هذا القطاع. 

وإذا نظرنا لمخرجات هذه القمة من منظور إيجابي، فيمكن القول إنها أكدت على التضامن التام والمطلق مع دولة قطر الشقيقة في الاعتداء الغادر التي تعرضت له. خاصة أنها دولة تقوم بدور الوساطة لوقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة. ودورها هذا، واستضافتها لوفد حركة حماس معلن ومعروف ومرحب به من كافة دول العالم، ومنها الولايات المتحدة وحكومة الكيان الصهيوني المجرم. 

كذلك أكدت الدول المشاركة، أن هذا العدوان الإسرائيلي على دولة قطر يمثل اعتداء على الأمتين العربية والإسلامية، ويعتبر تصعيدا خطيرا ومخالفة جسيمة للقانون الدولي، مع التأكيد على أن غياب المساءلة الدولية، وصمت المجتمع الدولي إزاء الانتهاكات الصهيونية المتكررة، قد شجعت دولة الكيان هذه على التمادي في جرائم الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والتجويع والحصار. 

وإن اعتداءاتها وإمعانها في انتهاكها الصارخ للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بسياسة الإفلات من العقاب، تضعف منظومة العدالة الدولية وتهدد بالقضاء على النظام القانوني الدولي، وتشكل تهديدا مباشرا للأمن والسلم الإقليمي والدولي. 

وإذا نظرنا من زاوية أخرى لمخرجات هذه القمة، نجد أنه بالرغم من قوة الكلمات والخطب التي أشارت إلى الكيان الصهيوني بعبارات قوية، ككيان مارق وعبارات أخرى لم نعتدها في قمم مشابهة، إضافة إلى الإشارة المباشرة إلى أن هذا العدوان وما يحدث من جرائم في غزة، سيؤثر على الاتفاقيات الموقعة ومستقبل العلاقات مع هذا الكيان الصهيوني المجرم، إلا أنها لا تتجاوز العبارات والمواقف إلى إجراءات يمكن أن تردع هذا الكيان المتغطرس المجرم، الذي استباح الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية والسماوات العربية، وسيادة عدد من هذه الدول. كلبنان وسوريا والعراق واليمن وأخيرا قطر. 

وأن مثل هذه البيانات أو المخرجات لن تجعل مثل هذا الكيان المارق - الذي لا يعرف إلا لغة القوة - يوقف هذه الإبادة الجماعية في قطاع غزة والتي راح ضحيتها حتى الآن ٦٥ ألف شهيد وأكثر من ١٦٥ ألف جريح، معظمهم من النساء والأطفال. 

وهذا ما حدث بالفعل. فلم تمض عدة ساعات، لا تتجاوز عدد أصابع اليد على انتهاء أعمال القمة، حتى قام هذا الكيان بأكبر عملية اجتياح بري لغزة، وقصف وهجوم جوي غير مسبوق على الأبرياء في القطاع. في رسالة تحدي للأمتين العربية والإسلامية، ليؤكد ماهو معلوم، أن التعامل مع هذا الكيان المجرم، الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء في إجرامه، لا يكون إلا بخطوات فعلية، لا يستثنى منها التهديد في دخول بصدام مباشر معه. فكما يعلم الجميع، أن هذا الكيان هش وضعيف، ولولا الدعم الأمريكي المطلق له، لما استطاع الاستمرار في الصمود أمام إيران أو حزب الله وكذلك المقاومة في غزة. وكانت هذه القمة فرصة ذهبية للقيام برد فعل عربي وإسلامي عملي، يضع هذا الكيان الغاصب ورئيس وزراءه المجرم - المطلوب للعدالة الدولية - وأعضاء حكومته المتطرفين، في موقعهم الحقيقي، بعد الاعتداء الغادر على دولة قطر. 

فكما يقال «إذا هبت رياحك فاغتنمها ... فعقبى كل خافقة سكونُ»، خاصة أن شعوب العالم وعدد غير قليل من حكومات دول العالم، ضاقت ذرعا بهذا الكيان اللقيط، وجرائمه المستمرة، واستخفافه الدائم بالقانون الدولي، واستفزازات مسؤوليه واستهزائهم بالدول والمنظمات الدولية، وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة وأمينها العام، وكل ما له علاقة بالأمن والاستقرار في هذا الإقليم والعالم. 

خالد بن عمر المرهون، متخصص في القانون الدولي و الشؤون السياسية.