بعد نحو عشرة أشهر من صدور قانون الإعلام العُماني لعام 2024 أصدرت وزارة الإعلام الأحد الفائت اللائحة التنفيذية للقانون التي كان ينتظرها الجميع باعتبارها- كما قال معالي الدكتور عبد الله الحراصي وزير الإعلام- المعنية «بتنظيم كل الجوانب المتصلة بالأنشطة الإعلامية، والمشتغلين في الإعلام في سلطنة عمان».
دائما ما تكون اللوائح التنفيذية للقوانين مهمة للغاية عند تناولها بالشرح والتحليل والنقد؛ فالنصوص القانونية تبقى نصوصا صماء بدون لائحة تشرحها وتفصلها. هذه النصوص قد تكون واسعة وفضفاضة، ومن ثم تأتي اللائحة التنفيذية لتحديدها، وإنزالها على الواقع.
عند صدور القانون الجديد للإعلام في نوفمبر الماضي كتبت في هذا المكان أقول: «إن القراءة الأولية لقانون الإعلام الجديد في عُمان تؤكد أننا أمام قانون إعلام عصري جامع وشامل يمكن أن يشكل نقلة نوعية في مسيرة الإعلام العُماني خاصة في هذه المرحلة التي تشهد دخول أجيال جديدة إلى ساحة العمل الإعلامي، ودخول مئات الآلاف من الشباب إلى سوق استهلاك وسائل ومنصات الإعلام باحتياجات جديدة ورغبات متجددة». وأضفت: «يبقى الأمر كالعادة مرهونا بمدى دقة تطبيق هذا القانون، والتسهيلات التي يمكن أن تتضمنها اللائحة التنفيذية للقانون، خاصة فيما يتعلق بإنشاء المنصات الإعلامية الجديدة التقليدية منها والجديدة».
وبعد قراءة أولية للائحة التنفيذية لقانون الإعلام العماني المكونة من 144 مادة (أكثر من ضعف عدد مواد القانون) أستطيع أن أزعم أنها جاءت لتلبي المطالب الأساسية التي كان ينشدها العاملون في المجال الإعلامي، وتتضمن مجموعة من التسهيلات القانونية التنظيمية والإجرائية التي يفرضها الواقع الإعلامي الوطني والعالمي وصناعة الإعلام في الوقت الراهن، خاصة على صعيد شروط تراخيص وسائل الإعلام التقليدية، والجديدة، والخدمات الإعلامية والصناعات الإعلامية المساندة، والترخيص للإعلاميين.
لعل أهم ما تضمنته اللائحة -على مستوى تخفيف أو إزالة قيود الإصدار- الجدول الختامي الذي ورد كملحق مرفق باللائحة، ويتضمن رسوم الترخيص والضمانات المالية المطلوبة من المؤسسات الإعلامية التي تسعى إلى الحصول على رخصة لوسيلة إعلام تقليدية في سلطنة عمان، سواء كانت صحيفة ورقية أو محطة إذاعية أو تليفزيونية أو حتى افتتاح مكتبة أو دار نشر. هذا الملحق المهم يمثل تحولا مهما في رؤية الحكومة لوسائل الإعلام وحقوق الإصدار؛ فبعد أن كانت هذه الرسوم والضمانات تمثل قيودا على الإصدار أصبحت ميسرة، وتمثل دافعا مهما لكل من يريد الاستثمار والإسهام في التنمية الإعلامية من أبناء الوطن. في القانون القديم لعام 1984 ولائحته التنفيذية كان الضمان المالي لإصدار صحيفة ورقية يصل إلى مئات الآلاف من الريالات، بينما في لائحة القانون الجديد أصبح الضمان المالي خمسة آلاف ريال فقط مع رسوم ترخيص وخدمة تصل إلى ألف ريال لمدة ثلاث سنوات. وترتفع رسوم الترخيص والخدمة إلى عشرة آلاف ريال للحصول على رخصة قناة إذاعية أو تليفزيونية مع بقاء الضمان المالي عند حد الخمسة آلاف ريال. وتبلغ رسوم الترخيص والخدمة لإنشاء وكالة أنباء ألف ريال، والضمان المالي خمسة آلاف ريال.
وقد أولت اللائحة صناعة الإعلام الإلكتروني اهتماما كبيرا من خلال تسهيل إجراءات الحصول على رخص إنشاء وإدارة المنصات الرقمية برسوم ترخيص وضمانات مالية منخفضة للغاية. وعلى سبيل المثال؛ يمكن للمؤسسة الإعلامية الحصول على رخصة صحيفة إلكترونية، أو حساب إلكتروني إخباري، أو وكالة أنباء، أو موقع إخباري، أو تطبيق إعلامي، أو مكتبة، أو دار نشر، أو وكالة إعلان، أو وكالة توزيع إلكترونية لمدة ثلاث سنوات برسوم ترخيص مائة ريال فقط، وضمان مالي خمسمائة ريال. وترتفع رسوم الترخيص لإنشاء قناة سمعية أو مرئية إلكترونية قليلا لتصل إلى خمسمائة ريال مع بقاء الضمان المالي عند حد خمسمائة ريال. ولعل هذا ما يفتح الباب واسعًا أمام شباب الإعلاميين لتكوين شركات إعلامية وإصدار صحف إلكترونية وقنوات إذاعية وتليفزيونية، وخدمات صحفية رقمية بمبالغ زهيدة.
وعلى مستوى الصناعات الإعلامية المغذية لوسائل الإعلام؛ حددت اللائحة رسوم الترخيص لدار النشر، والمطبعة، ووكالة استيراد وتوزيع المواد الإعلامية الرقمية بثلاثمائة ريال، ومثلها كضمانة مالية لكل منها. وتنخفض الرسوم إلي ثلاثين ريالا فقط، ومثلها كضمان مالي للحصول على رخصة مكتبة إلكترونية لمدة ثلاث سنوات.
الجديد في اللائحة أنها أضافت إلى تراخيص مزاولة المهنة للإعلاميين مهنة جديدة هي مهنة «ناشط إعلامي» برسوم ترخيص خمسة ريالات فقط بضمان مالي خمسين ريالا. في المقابل حددت رسوم الترخيص للإعلاميين سواء العاملين في مهن الصحافة أو مهن الإعلام بخمسة ريالات وبدون ضمان مالي لمدة عامين. وقد وسعت اللائحة مهن الصحافة لتشمل -إلى جانب رئيس التحرير ونائبه ومدير التحرير والمحرر- الكاتب، والمراسل، والمخرج، والمصور، ورسام الكاريكاتير، ورئيس تحرير المنصة الرقمية ومحرريها المسؤولين. ووسعت أيضا مهن الإعلام لتشمل مدير البث ومساعده، والمحرر، والمراسل، والمذيع، ومقدم البرامج، والمعد، والمصور، ورسام الجرافيك، والمخرج، وصانع المحتوى، والمترجم، بالإضافة إلى ناشط مواقع التواصل الاجتماعي.
إن رسوم الترخيص والضمانة المالية الواردة في اللائحة التنفيذية لقانون الإعلام العماني تُعد -في تقديري- دعوة مفتوحة لإحداث نقلة كمية ونوعية مهمة في الإعلام العُماني بعد أن أزالت القيود المالية الصعبة التي كان يفرضها القانون القديم، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام شباب الإعلاميين والمستثمرين في الإعلام في دخول صناعة الإعلام بتكاليف قليلة.
في هذه القراءة الأولية للائحة التنفيذية لقانون الإعلام يبدو من المهم أن نشير إلى ملاحظتين تتعلقان بشروط الإصدار أو ما يسمى شروط الترخيص. الأولى أن هذه اللائحة تحصر إنشاء وسائل الإعلام الجديدة أو التقليدية في المؤسسات الإعلامية، وتمنع بذلك الملكية الفردية؛ إذ يشترط فيمن يتقدم بطلب الحصول على ترخيص إصدار أية وسيلة أن يكون من خلال إنشاء مؤسسة إعلامية، وهو اتجاه يتماشى مع واقع صناعة الإعلام في العصر الراهن الذي لم يعد يتسع للملكية الفردية من ناحية، ويضمن إلى حد كبير جدية واستمرارية هذه الوسائل من ناحية أخرى. والملاحظة الثانية تتعلق باشتراط أن يكون طالب الترخيص عمانيا، وكذلك رؤساء ومديرو التحرير ورؤساء ومديرو القنوات الإذاعية والتلفزيونية، والمواقع الإلكترونية، وحتى مديرو دور النشر والمكتبات وشركات الخدمات والاستشارات الإعلامية، وهو توجه يتوافق مع سياسات التعمين، ويوفر فرص عمل جديدة وكثيرة سواء لخريجي أقسام وكليات الإعلام الجدد أو الإعلاميين ذوي الخبرة الراغبين في إنشاء مشروعاتهم الإعلامية الخاصة.
إجمالا يمكن القول: إن اللائحة التنفيذية مع القانون يمثلان بداية نهضة إعلامية عُمانية جديدة تبني على التراث التاريخي الممتد لأكثر من خمسين عاما للإعلام العماني، وترسم ملامح مستقبل مشرق للإعلام يواكب التطلعات الوطنية.
أ. د. حسني محمد نصر أكاديمي فـي قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس