يعدُّ إطلاق المنصة الوطنية للمقترحات والشكاوى «تجاوب» خطوة نحو التواصل الفاعل بين المجتمع والمؤسسات الحكومية، وهي امتدادٌ لمنظومة التواصل الحكومي بوزارة الإعلام من خلال رصد وتحليل الشكاوى والمقترحات التي يطرحها مرتادو وسائل التواصل الاجتماعي وأفراد المجتمع عموما ويتفاعل معها الجمهور، ورغم حداثة فكرة منصة تجاوب، إلا أنّ المجتمع أصبح أكثر وعيًا بأهمية التواصل الفاعل مع المؤسسات الحكومية بعيدا عن تأويل المقترحات والشكاوى في المنصات الإلكترونية؛ نتيجة كثرة مرتاديها وأيضا لكون المنصات فضاء واسعا غير مؤطرة يغلب عليها الصوت المرتفع والتعدي على خصوصية الأفراد وإقصاء الآراء أحيانا.

ما يميّز منصة «تجاوب» أنها تتبنى مبدأ المشاركة المجتمعية بمفهومها وحيثياتها من خلال تلقّي المقترحات التي يتطلع أفراد المجتمع وصولها للمؤسسات الحكومية؛ بهدف التطوير والتحديث في منظومة تقديم الخدمات الحكومية، وربما تتم الاستفادة من هذه المقترحات في دراسة أبعاد صناعة القرار الحكومي واتخاذه، وبالتالي فإن المشاركة المجتمعية المبنية على أسس مدروسة ينبغي أن يتم أخذها في الحسبان وعدم الاكتفاء بمؤشرات شهرية تتضمن نسبة الإنجاز المحققة من منصة «تجاوب» والتي يتم نشرها عبر الحسابات الإلكترونية للمؤسسات الحكومية في وسائل التواصل الاجتماعي، ولذلك من الضروري أن تتبنى منصة «تجاوب» بعض الممارسات الضرورية لتعظيم الاستفادة من المنصة وتحقيق الأهداف المرجوة منها، مثل رصد وتحليل البلاغات والشكاوى ودراستها، وكذلك دراسة المقترحات والملاحظات الواردة على بعض الخدمات الحكومية خاصة إذا كانت تتعلق بمعالجة تحديات يواجهها المواطنون؛ بهدف إيجاد المعالجات التطويرية في تقديم الخدمات.

من خلال الرصد الإلكتروني والمجتمعي، أعتقد أن منصة «تجاوب» تحظى بتفاعل واسع وارتياح مجتمعي، وربما يعود ذلك إلى سرعة تفاعل المؤسسات الحكومية مع المقترحات والبلاغات والشكاوى التي يطرحها المستفيدون من المنصة ورغم أنّ عدد المستفيدين من خدمات منصة «تجاوب» لا يتجاوز 57 ألفا وفقا لآخر إحصائية منشورة، أعتقد أن المنصة بحاجة إلى ذراع إعلامي وترويجي يعزز من حضورها في المجتمع، وكذلك يعزز من انتشارها على نطاق واسع ولا أقصد هنا الجانب الرقمي، لكن أيضا الجانب الميداني من خلال الاستفادة من المؤسسات التطوعية ومؤسسات المجتمع المدني، وهنا أضع مقترحا لتبني وحدة متابعة تنفيذ رؤية عُمان 2040 نشاطا إعلاميا سنويا أو نصف سنوي بالتعاون مع وزارة الإعلام مثل المنتدى أو الملتقى؛ لإطلاع أفراد المجتمع بالأرقام والمؤشرات المرصودة في منصة «تجاوب»، إضافة إلى كيفية التعامل مع البلاغات والشكاوى والمقترحات الواردة، مع تنظيم جلسة حوارية؛ للاستماع لآراء الحاضرين ومقترحاتهم التطويرية للمنصة.

حقيقة لن أبالغ إن قلت إنّ عدد الشكاوى والبلاغات والمقترحات انخفض منذ إطلاق منصة «تجاوب»، وفي ظني يعود ذلك إلى ارتفاع مستوى الوعي المجتمعي بأن المنصة هي المكان المناسب لإبداء الرأي وإيصال المعلومة دون تشويش أو ضجيج بعيدا عن الصراخ في المنصات الإلكترونية التي غالبا ما تعبّر عن الرأي الأكثر ضجيجا وصخبا لا رأي عام jتبناه الأغلبية، وأرى ضرورة أن يستفيد القائمون على منصة «تجاوب» من الانطباع الإيجابي المأخوذ عن المنصة ليس عبر الاستجابة السريعة لما يطرح في منصة تجاوب وحسب، بل في إجراء التعامل الذي يتم الاشتغال عليه لإغلاق الشكاوى والبلاغات، وكذلك تلمّس أثر المقترحات المبداة في المنصة على تطوير منظومة الأداء الحكومي من حيث تقديم الخدمات للمواطنين يدويا وإلكترونيا.

إن نجاح منصة «تجاوب» هي مسؤولية وطنية ينبغي علينا جميعا أفرادا ومؤسسات أن نتعاون في تعزيز مبدأ المشاركة المجتمعية ونجاحها من خلال طرح المقترحات البناءة والشكاوى والبلاغات والملاحظات السليمة من جهة وتفاعل المؤسسات الحكومية معها من جهة أخرى لا استجابة وحسب بل أثر يتلمّسه الأفراد في إنجاز معاملاتهم اليومية، وأعتقد أن الفرصة آن مواتية لرصد مؤشرات الرضا المجتمعي عن الخدمات الحكومية من خلال المؤشرات المتوفّرة في منصة «تجاوب»، إلا أنه ما زال ينقصنا رصد الرضا المجتمعي ميدانيا؛ لأنه ببساطة ما زالت كثير من الآراء والملاحظات تتداول بين فئات المجتمع غير الموجودة في وسائل التواصل الاجتماعي وغير موجودة على منصة «تجاوب»، فمن الجيد التفكير في آليات تضمن الوصول إلى جميع فئات المجتمع العُماني من خلال مؤسسات المجتمع المدني والفرق واللجان التطوعية الموجودة في مختلف ولايات ومحافظات سلطنة عُمان؛ للتعريف أكثر بالمنصة وفوائدها وأثرها على إنجاز الخدمات، لأن كثيرا من أفراد المجتمع ما زالوا يتحدثون عن التأخير في إنجاز المعاملات رغم رقمنتها، وبالتالي فإنّ التعريف بمنصة «تجاوب» على نطاق أوسع بين فئات المجتمع ربما يعكس مؤشرات أخرى يستفاد منها في تقييم المنصة؛ لتطويرها.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي