9 سبتمبر 2025م.. شن الطيران الإسرائيلي هجوما غادرا على مقر إقامة قادة حماس في الدوحة لكنهم نجو، وقُتل خمسة آخرين. لقد أدان العالم الهجوم الإجرامي، وحتى أمريكا حاولت التملص من ضلوعها به؛ وإنْ لم تدن الفعل، وعدم الإدانة يعد ضوءا أخضر للغطرسة الإسرائيلية المنفلتة.

لقد وقفت دول الخليج العربية مع شقيقتها قطر، وأدانت الهجوم، فقد أعربت سلطنة عمان عن (إدانتها واستنكارها البالغَين للهجوم الغاشم الذي شنّته إسرائيل على الأراضي القطرية)، وقال وزير الخارجية الكويتي: إنَّ (استهداف دولة قطر الشقيقة يعد اعتداءً مباشراً على الأمن الخليجي المشترك ووحدة المصير بين دول مجلس التعاون). وأدان وزير الخارجية الإماراتي (بأشد العبارات؛ الاعتداء الإسرائيلي السافر والجبان الذي استهدف دولة قطر الشقيقة). وقال ولي العهد السعودي: (نرفض وندين اعتداءات سلطة الاحتلال الإسرائيلية في المنطقة، وآخرها العدوان الغاشم على دولة قطر الشقيقة، الذي يتطلب تحركاً عربياً وإسلامياً ودولياً لمواجهة هذا العدوان). وأعربت وزارة الخارجية البحرينية (عن إدانة مملكة البحرين للهجوم الإسرائيلي على دولة قطر الشقيقة، باعتباره انتهاكاً للسيادة الوطنية القطرية ولمبادئ القانون الدولي).

ويمكن قراءة مجمل تصريحات دول الخليج العربية؛ باعتبار ما قامت به إسرائيل جريمة نكراء، وخرقاً للمبادئ الدولية والأعراف الإنسانية ومواثيق وقوانين الأمم المتحدة. وانتهاكاً للسيادة الوطنية لدولة قطر. وتصعيداً خطيراً يهدد أمن الخليج. وأنَّ دول الخليج متضامنة معها؛ تضامناً كاملاً، فيما تتخذه من إجراءات ضد إسرائيل بسبب اعتدائها على سيادة قطر وانتهاك حرمة أراضيها.

إنَّ ما أصدرته دول الخليج من بيانات التضامن مع شقيقتها قطر، وإدانة ما قامت به إسرائيل من عدوان سافر على التراب الخليجي؛ واجب، وهو أقل ما يقال في هذه اللحظة الحاسمة من تصاعد الغطرسة الإسرائيلية، ويستدعيه حق الأخوة العربية والضمير المسلم والمصير المشترك. كما أنَّ الدعوة إلى تحرك عربي وإسلامي ودولي لمواجهة هذا العدوان ضروري، وينبغي أنْ تمضي فيه الدول العربية دون تردد؛ باتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة الخطر الصهيوني، والذي يهدد أمنها واستقرارها.

المقال.. لا يقف عند تداعيات الهجوم، وما آلت إليه الأمور، فهي نتيجة متوقعة لتطور الأحداث بالمنطقة؛ وقد كثر الحديث حولها. وإنَّما يتحدث عمّا يرنو إليه بصر الخليجي لحماية مستقبله، عبر مجلس التعاون الخليجي.

كانت بداية مجلس التعاون لدول الخليج العربية في اجتماع وزراء خارجية: السعودية وعمان والكويت والإمارات وقطر والبحرين، بتاريخ: 4 فبراير 1981م في الرياض، وفيه نوقشت الأسباب الداعية لإنشاء مجلس للتعاون، والوضع القانوني الدولي له. وقد أُعلن إنشاؤه باجتماع قادة الدول الست، في أبو ظبي بتاريخ: 25 مايو 1981م.

لقد رحل مؤسسو المجلس عن الحياة ورحلت معهم التحديات التي كانت تواجهها دولهم؛ والتي تتعلق بانسلاخ المنطقة من هيمنة النظريات السياسية الشمولية كالشيوعية والقومية، وإنشاء دولة وطنية؛ في ظل تصاعد الإسلام السياسي ونجاح الثورة الإيرانية، ومعطيات الطفرة النفطية التي فاضت بها الأرض الخليجية. حينها لم تكن الدولة الخليجية ذات مؤسسات واسعة ومعقدة مثلما هي اليوم. وكانت ترسخ وجودها بين قوى مهيمنة؛ كمصر وسوريا والعراق وإيران. وأما إسرائيل فقد كانت مهدَّدة وجودياً من هذه القوى.

اليوم؛ تغيّرت الخارطة الجيوسياسية كليةً، فدول الخليج العربية أصبحت هي المركز، وقد تشكلت لديها أكبر بُنية اقتصادية في الشرق الأوسط، وتفككت سوريا والعراق، ولم تعد مصر تلعب دورها السابق، ودخلت إيران في صراع وجودي مع أمريكا وإسرائيل.

على المستوى التقني والعلمي.. لم تعد دول الخليج هامشية، فقد غدت رائدة؛ تستقطب العقول العربية وغير العربية، بعد أنْ كان مواطنوها يذهبون إلى العواصم العربية لطلب العلم. كما أنَّ القوى العاملة الوافدة تشكل أكثر من نصف التعداد السكاني لدول الخليج.. بل إنَّ في بعضها تشكل الغالبية. وإسرائيل عدوة الأمس؛ دخلت مع الدول العربية في مسار التطبيع. وإنْ كان في السابق مصدر تهديد دول الخليج من الأنظمة العربية المستبدة؛ كالنظام العراقي الذي غزا الكويت عام 1990م؛ فقد كشف الهجوم الصهيوني على قطر أنَّ مصدر التهديد الآن هو إسرائيل، مصداقاً لسعيها إلى تغيير خارطة الشرق الأوسط؛ ليكون تحت هيمنتها. وأنّه لا يمكن الاعتماد على أمريكا ولا غيرها في حماية دول الخليج، ولابد من الاعتماد على النفس.

دول الخليج الآن.. ذات إمكانات كبيرة ومكتسبات محورية وبُنى أساسية ضخمة؛ وبسببها باتت مهدَّدة، والتاريخ يقول: إنَّ الأوطان لا يحميها إلا مواطنوها، فكل طارئ عليها يتركها لحظة الحاجة إليه. وقد يهرب بمكاسبه المالية، فضلاً عن المخاطر الأمنية التي تنجم عن الأعداد الضخمة من الأجانب؛ خاصةً شبكات التجسس الواقعية والرقمية. ولذلك؛ على دول الخليج العربية أنْ تدرك اللحظة الراهنة؛ وأنَّها مختلفة عن زمن تأسيس المجلس.

إنَّ الأوضاع تستوجب الانتقال إلى مرحلة جديدة؛ انطلاقاً من أهداف المجلس، حيث تنص «المادة الرابعة» من «النظام الأساسي» بأنَّ الأهداف هي:

(- تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها.

- تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.

- وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشئون الآتية: الشؤون الاقتصادية والمالية، الشؤون التجارية والجمارك والمواصلات، الشؤون التعليمية والثقافية، الشئون الاجتماعية والصحية، الشؤون الإعلامية والسياحية، الشؤون التشريعية والإدارية.

- دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، وإنشاء مراكز بحوث علمية، وإقامة مشاريع مشتركة وتشجيع تعاون القطاع الخاص بما يعود بالخير على شعوبها).

ولذلك؛ فالمرحلة القادمة تستوجب:

- إعادة هيكلة مجلس التعاون الخليجي، بناءً على التحولات والتحديات التي تواجه دوله، والإمكانات التي تتمتع بها: البشرية والاقتصادية والعلمية والتقنية والبُنى الأساسية.

- الاعتماد على أبناء الخليج؛ من القيادات العليا وصنع القرار، وإدارة مؤسسات ومرافق الدولة، حتى إدارة المشاريع المتوسطة والصغيرة. وإنْ حصل نقص في دولة؛ يستفاد من كوادر الدول الخليجية الأخرى. وتبقى الاستفادة من الأجانب في الأعمال الفنية التي لا تمس سيادة الدولة ومؤسساتها؛ بمختلف أنواعها ودرجاتها.

- إنشاء وحدة لمتابعة المصالح العليا وتنازعها بين دول المجلس؛ سواء أكانت داخلية فيما بينها، أم خارجية مع دول أخرى. وتعمل هذه الوحدة على منع نشوء أي سوء خلاف بين دول الخليج، وفي حال تطوره يتدخل قادة المجلس للقضاء عليه.

- إعادة قراءة الخارطة الجيوسياسية عالمياً؛ وصياغة العلاقات الدولية على أساس التطورات المستجدة، فعالم السياسة.. لا يوجد به حليف استراتيجي دائم، وإنَّما هي مصالح متغيّرة، ويبقى الحليف الاستراتيجي الوحيد هم الإخوة أبناء الخليج.

- بناء ثقافة خليجية مشتركة؛ بالحفاظ على اللغة العربية، وجعلها لغة عالمية، وتعميم القيم والمبادئ المستمدة من الإسلام. وبإيجاد منهج تعليمي موحد للتعليم الأساسي، يواكب العصر الرقمي؛ الذي سيأتي على الثقافات القديمة، ويعيد بناء الإنسان بكل مكوناته، مما يستدعي أنْ تتواصل الوزارات والمؤسسات الثقافية في دول الخليج لبناء الثقافة المنشودة.

- تفعيل المعطى الإسلامي؛ فجزيرة العرب متنزّل الوحي الخاتم، وفيها بيت الله الحرام مهوى أنفس المؤمنين، بإنشاء مركز للفكر الإسلامي يدرس جميع التوجهات دون تحيّز؛ ففي الجزيرة اتباع للمذاهب الإسلامية الثمانية كلها، وهؤلاء قوة ناعمة لدول الخليج. وبوضع الوحدة الإسلامية هي الأساس في العلاقات بين المسلمين، وإطفاء أي صوت للفتنة المذهبية والصراع الطائفي.

- وضع استراتيجية عسكرية مشتركة للدفاع عن دول المجلس، تكون عقيدتها وحدة الأراضي الخليجية، وعزة شعبها، والحفاظ على مكتسباتها، وردع من تسول له نفسه المساس بها، والرد الفوري والحاسم على مَن يتطاول عليها.

خميس العدوي كاتب عُماني مهتم بقضايا الفكر والتاريخ ومؤلف كتاب «السياسة بالدين».