تتكرر أمامي مشاهد وأحاديث تكشف عن صورة نمطية لا تزال تلاحق المتقاعدين في مجتمعاتنا. فكثيرًا ما تصلني دعوات للمشاركة في فعاليات، وعندما أعتذر لضيق الوقت وكثرة الارتباطات، أُفاجأ بالجواب المألوف: «لكنني ظننتك متقاعدة؟».
هذا السؤال يختصر نظرة اجتماعية واسعة الانتشار: إن المتقاعد شخص يقضي جل يومه في فراغ ممتد، بلا مسؤوليات ولا التزامات، وكأن حياته توقفت عند لحظة تسلّمه قرار التقاعد. بل إن بعض الفرص التي تُعرض على المتقاعدين تأتي من باب الشفقة، وكأنهم يقدمون خدمة ترفيهية لكسر ما يتصورونه عزلة أو وحدة يعيشونها.
إلا أن الواقع مختلف تمامًا. فشريحة واسعة من المتقاعدين تعيش حياتها اليوم بحيوية أكبر مما كانت عليه أيام الوظيفة. كثير منهم وجدوا في التقاعد فرصة لاستعادة شغف مؤجل، أو ممارسة أنشطة طالما أعاقتهم عنها التزامات العمل. بعضهم انطلق نحو مشاريع جديدة تدر دخلًا يفوق ما كانوا يتحصلون عليه، مثبتين أن التقاعد يمكن أن يكون بداية لمرحلة أكثر عطاءً وإبداعًا.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن ثمة فئة من المتقاعدين ربطت حياتها كلها بالوظيفة، ولم تسعَ لتطوير مهارات إضافية. هؤلاء وجدوا أنفسهم بعد التقاعد في فراغ حقيقي. لكن من الخطأ أن يُعمّم وضع هذه الفئة على الجميع، أو أن تصبح صورتهم مرآةً تعكس واقع كل المتقاعدين.
التقاعد ليس انسحابًا من الحياة، بل هو انتقال إلى مساحة أوسع من الخيارات. إنه محطة يمكن أن تتحول إلى انطلاقة جديدة، متى ما أحسن الفرد استثمار خبراته وتجديد طاقاته، فنحن نعيش في فترة تاريخية لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية، مليئة بالخيارات والفرص والوفرة في كل شيء.
لذلك، آن الأوان لتغيير نظرتنا للمتقاعدين. فهم ليسوا فئة عاطلة، بل هم طاقات بشرية وخبرات متراكمة قادرة على الإسهام في المجتمع بطرق متعددة. والمجتمع الذي يستثمر في طاقاتهم يربح خبرات لا تُقدّر بثمن.
نحن بحاجة لأن نكف عن النظر للمتقاعدين بعين الشفقة، وننظر إليهم بما يستحقونه فعلًا: شركاء في صناعة الحياة.
ونعم، أنا مشغولة رغم التقاعد، وأعيش أثرى فترات حياتي على الإطلاق.
حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية