طاهر علوان -
قد ينظر بعض مشاهدي الأفلام السينمائية وعبر التاريخ الطويل للسينما، إلى كثير من أفلام الرعب على أنها مصطنعة أو مفبركة أو لا واقعية، ومع ذلك فإن هذه الشريحة المتشككة من الجمهور والمنحازة إلى الواقعية السينمائية لم تؤثر على دائرة انتشار هذا النوع الفيلمي وازدهاره وضخامة جمهوره وتواصل إنتاجه وحضوره في المهرجانات السينمائية. وهكذا يواصل مخرجو أفلام هذا النوع منجزهم ويجدون في الوقت ذاته أصداء واسعة وتفاعلًا متزايدًا يضفي على ذلك المنجز المزيد من الانتشار في سوق الفيلم.
من هنا يمكننا مراجعة هذا الفيلم للمخرج وكاتب السيناريو زاك كريجر، إذ ينطلق المخرج من فرضية سرعان ما يشيعها من خلال الأحداث الفيلمية، وهي: ماذا لو اختفى أكثر من 15 من التلاميذ الصغار من منازلهم، وحيث ترصد الكاميرات مثلًا أنهم جميعًا قد مروا بالتجربة نفسها أو قاموا بالفعل نفسه وخلاصته أنهم استيقظوا بعد منتصف الليل وخرجوا جميعًا من بيوتهم وأشهروا أذرعهم في وضعية الطائر ثم اختفوا وتواروا عن الأنظار.
تُروى القصة من وجهة نظر الشخص الثالث، وهو الطفل الوحيد في ذلك القسم المدرسي الذي نجا، أما زملاؤه فقد اختفوا جميعًا، وبينما تجد معلمة هؤلاء التلاميذ أن الواقعة في منتهى الغرابة ولربما تنطوي على شبهة جنائية، مما يفسره الأهالي على أنه نوع من التواطؤ وصرف الأنظار، ولهذا تجري ملاحقة المعلمة جوستن -تقوم بالدور الممثلة جوليا جارنر- وهي الغارقة في عزلتها حتى تجد نفسها منبوذة ومستبعدة من عملها، وهي تتنقل بسيارتها التي كتب عليها أحدهم كلمة (ساحرة) غير قابلة للإزالة.
من هذا التحول، سوف ننتقل في الدراما الفيلمية إلى مقاربة أخرى مختلفة في السرد الفيلمي، وهي إحالة اختفاء الأطفال إلى الخرافة والسحر وما إلى ذلك، وهو ما سوف يغذي خيال الجميع ويدفعهم إلى فرضيات غريبة واستثنائية، فضلًا عن تربص بالمعلمة ومراقبة جميع تحركاتها، بينما تحاول الانفراد بالناجي الوحيد وسبر أغوار قصة الاختفاء.
من جانب آخر، اهتم الكثير من النقاد بالفيلم وأحداثه، لا سيما بعد حصوله على تقييم عالٍ في العديد من المنصات، وفي هذا الصدد يقول الناقد يوني أوريبي في موقع سلوماج: "في عالمٍ لا تزال تُنتَج فيه أفلام الأبطال الخارقين بشكل متواضع، وأفلام ديزني الحية في الأذهان قد تغيّرت، وسلسلة من الأفلام المُعاد إنتاجها، قد تظن أن هذا المخرج الشاب سوف يقدم لك فيلم رعب أصليًا ببراعة، إنه زاك كريجر إذ يعود من جديد، بفيلم من أفلام الرعب والغموض مثير للجدل. من الناحية التقنية، يُعد الفيلم متميزًا ومُتقن الصنع. التصوير السينمائي الممتع والفريد، مع التأطير المدروس بعناية، لا يُسهم فقط في تحريك القصة بطريقة شيقة، بل يُبقيك مستمتعًا بلحظاتها الأكثر تصعيدًا، ناهيك عن أن المخرج كريجر يضم في تشكيلته كوكبة من النجوم الذين بذلوا قصارى جهدهم في أدائهم".
أما الناقد برايان تاليريكو في موقع روجر إيبرت فيقول: "يقسّم المخرج كريجر قصته إلى فصول تدور حول الشخصيات، مانحًا إياها طابعًا جماعيًا أكثر مما لو كان السرد يسير بخط مستقيم؛ لذا، سوف نعود بالزمن إلى الوراء لنعرف المزيد. قد يجادل البعض بالتأكيد بأن هذا النوع من التلاعب السردي هو في حقيقته خدعة سطحية، لكنني أراه ميزة، وليس عيبًا. إنه فيلم يدور حول ما يوجد في قبو جارك، أو شيء مميت في جيب مجرم، شيء يتربص ليؤذيك. وهكذا، تُشكّل الخدعة الهيكلية أساسًا لتيارات موضوعية خفية، بدلًا من كونها مجرد خيار استعراضي. إنها تُبرز كيف أن الاستجابة المنقسمة للمأساة لا تؤدي إلا إلى صدمة أكبر".
على أن من الميزات الأخرى التي كرسها الفيلم، علاوة على الغموض والجريمة واقتفاء أثر مرتكبيها بحق أولئك الفتية الصغار، هنالك مزيد من الخرافات والصراعات التي دوافعها الظاهرة سوف تتصاعد وتؤدي إلى انهيارات مجتمعية غريبة ومشكلات أسرية لا تكاد تنتهي، ومهما تساءلنا عن الفاعل ودوافعه في نطاق التحري فإن كثافة من الغموض تغطي الأمر وتزيد من قتامة الصورة.
أما من جهة المعلمة جوستن، فقد كان سلوكها ينطوي على كثير من الشك والريبة، ولكن ها هي تفتح بابًا جديدًا يساعد في براءتها، وذلك من خلال اقتفائها أثر الناجي الوحيد، ذلك الصبي الغامض الذي يرفض أن يلتقيها أو يجبب على أسئلتها، فإذا بنا ننتقل إلى خط سردي موازٍ يكثف من مساحة الخرافة من خلال الشكوك التي تنتاب المعلمة بسبب التعتيم وتمويه النوافذ في منزل التلميذ بحجة الحفاظ على الخصوصية.
بالطبع سوف تتداخل وتتقاطع إرادات آباء الأطفال مع إدارة المدرسة ومع مساعي المحققين من رجال الشرطة، وبذلك ضعف العنصر الأكثر فعالية وأهمية في هذه الدراما الفيلمية، ومنه غرابة إطلاق عنوان (الأسلحة) على الفيلم، مع أنه لا توجد ثمة أسلحة؛ إلا إذا أردنا إسقاط العنوان على السحر والشعوذة بوصفها أسلحة للإيذاء، فتلك قصة أخرى.
عند هذه النقطة سوف تنتقل الدراما الفيلمية إلى مفصل آخر وحالة تم التنويه لها في الأحداث، وهي ممارسات الشعوذة والسحر والميتافيزيقيا، وهذا كله يكون قد خضع له أولئك الأولاد من طرف امرأة عجوز تريد استعادة عافيتها بسلب أولئك الأولاد عافيتهم ومن ثم إخفائهم، وهي من جهة أخرى قادرة على التحكم وإدارة أفعال الآخرين والتأثير فيها، وبذلك تتعمق الخرافة والسحر وتصبح هي المحرك الأساس في تلك الدراما الفيلمية الغرائبية.
يوظف المخرج أدواته التعبيرية بشكل مكثف من حركات الكاميرا والإضاءة والمونتاج والموسيقى وأداء الشخصيات لتعميق فكرة الغموض والتداعيات المترتبة على الاختفاء، فضلًا عن أجواء الخوف خلال اكتشاف المعلمة أسرار ذلك المنزل وما قد ينطوي عليه من أسرار سوف تتكشف من خلالها حقيقة اختفاء الأطفال.
هذا التحول الذي نشهد فصوله من خلال والدي التلميذ الناجي، فيما هما خاضعان لسيطرة قوة لا يستطيعان التخلص منها بل والاستجابة لها وتنفيذ ما تطلبه، وهي في هذه الحالة الأداة الفاعلة والعنصر الأساس في تلك الجريمة الغامضة. لكن في المقابل ومع هذا التصعيد الدرامي، فإن الفيلم يكون قد أطّر نفسه في إطار الأفلام المعتادة والنمطية السائدة كأفلام الغموض والشعوذة وما إلى ذلك؛ ولهذا يلفت النظر التقييم العالي الذي وصل إليه في العديد من المواقع السينمائية، ربما يعود ذلك إلى الحملات الإعلامية المكثفة التي كرست الفيلم على أنه ينطوي على دهشة عظيمة ومتعة مشاهدة مختلفة مما لم نشاهده في أفلام أخرى من الفصيلة أو النوع نفسهما.
..
سيناريو وإخراج/ زاك كريجر
تمثيل/ جوليا جارنر في دور جوستن، مي ماديجن في دور ليلي، جوش برولين في دور آرتشر، بينديكت وونج في دور المحقق ميلر
التقييم/ آي إم دي بي 8 من 10، روتن توميتوز 94%، ليتر بوكس 4 من 5