سيث ليفين وإليزابيث ماكبريد -

ترجمة: بدر بن خميس الظفري -

سواء أدرك الأمريكيون ذلك أم لم يدركوه، فإن إدارة ترامب تسعى إلى هندسة إعادة تشكيل جذرية للرأسمالية في الولايات المتحدة. النموذج الجديد يبدو أقرب إلى النموذج الصيني، حيث يُسمح للقطاع الخاص بالنمو، لكن تحت هيمنة ملكية الدولة وسيطرتها. بعض الأكاديميين والساسة، وكثير منهم لم يسبق لهم إدارة أي شركة، يرون أن هذا النموذج حكيم. لكنه ليس كذلك.

لدينا قرن من التجربة وشواهد الممارسة تثبت أن الاقتصادات السليمة تنمو بالابتكار الذي يولّد الثروة. النظام الاقتصادي الأمريكي، القائم على ثلاثة أعمدة: الابتكار، والسوق الكبير، وحكم القانون المستقر، كان دائمًا مصدر قوة وميزة فريدة. هل نحتاج إلى تحسين توزيع مكاسب هذا النجاح الاقتصادي؟ بلا شك. لكن هل تتحقق العدالة من خلال صناعة موجهة وسيطرة حكومية على الطريقة الصينية؟ بالتأكيد لا.

لقد عجز الاقتصاد الأمريكي منذ فترة عن توفير تقدم شامل يشعر به الجميع، وهو فشل يتجلى خصوصًا في تقلص الطبقة الوسطى وتراجع فرصها. وقد وجد هذا صداه في الدعوات الشعبوية من اليمين واليسار على السواء. لكن السبيل لاستعادة الثقة في الرأسمالية الأمريكية ليس بالتخلي عنها لصالح نسخة صينية. فهذا النموذج نفسه بدأ يتداعى في الصين بعد ومضة نجاحه الأولى. والخطر أن ترامب يقترب بشكل خطير من تكرار الأخطاء ذاتها.

خذ ثلاثة أمثلة على تحركاته الأخيرة:

أولًا: في يونيو، دفعت إدارته باتفاق «السهم الذهبي» في صفقة اندماج نيبون ستيل مع يو إس ستيل، ما منح الحكومة حق الفيتو على القرارات الرئيسية، وهي أداة مأخوذة مباشرة من دفتر بكين.

ثانيًا: الشهر الماضي، استحوذت الإدارة على 10٪ من أسهم إنتل، لتصبح واشنطن فعليًا شريكًا في واحدة من أهم شركات التكنولوجيا الأمريكية، مستخدمة أموالًا أقرّها الكونجرس مسبقًا.

ثالثًا: حوّل ترامب الرسوم الجمركية إلى أداة محاباة سياسية، مانحًا إعفاءات لشركات مفضلة مقابل الولاء وتقديم التنازلات.

هذه الخطوات مجتمعة تذيب الحدود بين الملكية الخاصة وتدخل الدولة، وتحلّ الحسابات السياسية محل الانضباط التنافسي والابتكار المدفوع بالسوق.

صحيح أن هناك أوقاتًا يكون فيها تدخل الدولة في الأسواق ضروريًا، مثل بناء البنى التحتية أو تمويل العلوم الداعمة للتكنولوجيا الجديدة، كما حدث مع الإنترنت وشبكة الطرق السريعة. وفي أوقات الطوارئ الوطنية، مثل أزمة 2008 المالية أو جائحة كورونا، يصبح تدخل الحكومة حاسمًا لاستقرار الاقتصاد وحماية المجتمع.

لكن التدخل يضر بالاقتصاد حين تستهدف الدولة شركات بعينها بدلًا من تبني برامج عامة تدعم قطاعًا بأكمله أو تموّل الأبحاث أو تبني بنية تحتية. فالبرامج القائمة على قواعد شفافة وعادلة تحفظ المنافسة، بينما تفسدها المحاباة السياسية. وعندما تختار الدولة «رابحين وخاسرين»، فإنها تهدم السوق وتكافئ أصحاب النفوذ.

وهذا بالضبط ما يحدث الآن. فقد لمح وزير التجارة هوارد لوتنيك إلى احتمال استحواذ واشنطن على حصص في شركات عسكرية مثل لوكهيد مارتن وبوينغ وبالانتير. كما ضغط البيت الأبيض على شركات الرقائق مثل إنفيديا وإيه إم دي لمنح الحكومة حصة من إيرادات مبيعاتها في الصين. ومن غير الواضح كيف ستُدار هذه الملكيات أو متى ستُباع، غير أن ذلك يعيد صياغة العلاقة بين القطاع الخاص والدولة من أساسها.

وبينما اعترض ليبراليون محافظون ضمن ائتلاف «اجعلوا أمريكا عظيمة مجددًا» على هذا التعدي على الحرية الاقتصادية، فإن بعض اليساريين مثل السيناتور بيرني ساندرز أبدوا تأييدهم، بحجة أن الأمريكيين يستحقون نصيبًا من أرباح الشركات الممولة من أموال عامة.

قد يبدو هذا منطقيًا في حالات معينة. فبعد الركود الكبير كان ينبغي على البنوك تعويض الدولة عن إنقاذها. وعندما حصلت تسلا على قرض قيمته 465 مليون دولار في لحظة حرجة، كان من المنصف أن تحتفظ الحكومة بحصة تعكس المخاطر. وقد أعادت تسلا القرض مع الفوائد مبكرًا، لكن دافعي الضرائب لم يحصلوا على مقابل يوازي المخاطرة. لذا فإن مثل هذه الترتيبات يجب أن تُصمَّم بشكل منظم وشفاف منذ البداية، وتُطبق بالتساوي على كل القطاعات.

بدلًا من ذلك، توزع إدارة ترامب الصفقات بشكل اعتباطي أو تفرضها بأثر رجعي. الخطر واضح وهو أن الدولة لا تتدخل لحماية الاقتصاد أو دافعي الضرائب أو المصلحة الاستراتيجية، بل تُحرف السوق لصالح الشركات المرتبطة سياسيًا، ما يعيق الابتكار. وبكلمات أخرى: إنها رأسمالية المحسوبية.

والأنظمة الاستبدادية لا تتوقف عند الشركات الكبرى؛ فسيطرة الدولة تمتد لتطال الشركات الناشئة والصغيرة، فتقوّض قلب الاقتصاد. انظر إلى الصين: في 2018 تأسس أكثر من 51 ألف شركة ناشئة مدعومة برؤوس أموال استثمارية، لكن العدد انهار في 2023 ليصل، وفق تقارير، إلى 1202 فقط. وحلّت المحسوبية محل الابتكار، والامتثال محل الإبداع.

هكذا تعمل الاقتصادات الاستبدادية، فالنجاح فيها لا يعتمد على تلبية حاجات الناس، بل على العلاقات مع السلطة. وفي الصين غالبًا ما يكون التعرف إلى المسؤولين شرطًا لبدء أي عمل. وهذه الثقافة «ادفع لتربح» تنتشر اليوم في أمريكا نفسها. والأسوأ أن النموذج الصيني يقوم أيضًا على الخوف، الخوف من معارضة السلطة أو حتى مجرد تجاهلها. ففي 2023 تواترت تقارير عن اختفاء مؤسسين ومديرين تنفيذيين صينيين. ومجرد الخشية من إثارة انتباه شي جينبينغ صارت كفيلة بخنق روح المبادرة. واليوم نرى هذا الخوف يتسلل إلى الولايات المتحدة، حيث يسعى المسؤولون في الشركات إما إلى التودد لترامب أو تجنب الاصطدام به.

النموذج الأمريكي قادر على التجدد. نحن بحاجة إلى نظام يشجع الابتكار، ويمنح رواد الأعمال قوة، ويضمن توزيع المخاطر والمكاسب بعدالة. تزدهر أمريكا عندما تكون أسواقها واسعة، وقوانينها مستقرة، وفرصها مفتوحة أمام كل من يملك الجرأة على المخاطرة، لا فقط أمام أصحاب العلاقات السياسية. وفي الواقع، يعني ذلك أن تصوغ الحكومة سياسات حيادية، فيما تتحمل الشركات مسؤولية أكبر تجاه موظفيها ومجتمعاتها، وأن يتعاونا معًا لفتح مسارات أوسع للملكية، سواء من خلال العمل أو رأس المال أو روح المبادرة.

ترامب يستغل السخط الشعبي على الاقتصاد، لكن الرأسمالية الموجهة تفسد حتى أقوى الأنظمة، كما تُظهر حالة الركود في الصين. والتخلي عن النموذج الأمريكي مغامرة محفوفة بالمخاطر.

ليفين مستثمر رأسمالي، وماكبريد صحفية متخصصة في الشؤون المالية.

وهما مؤلفا كتاب «تطور رأس المال: الاقتصاد الأمريكي الجديد»، وكتاب «البناؤون الجدد: مواجهة مباشرة مع المستقبل الحقيقي للأعمال».

خدمة نيويورك تايمز