ترى ما وجه الشبه بين الدرع التقديري ودرع المقاتل؟ لم يشكّ الأدب لأي أمة وصفا للحال، وجماليات متنوعة ممتعة للبشر، بل كان دوما حاضنة لآمال الأمم وطموحاتها ووجودها، بل لعل تطور التاريخ استلزم تطور الأدب، فتجاوز ما كان ويكون إلى ما ينبغي أن يكون، وهذا ما يمنحه المكانة والشرعية.
ويرتبط بالأدب الفنون بتنوعها المدهش، حيث إنه يصعب أن ننجو من سحرها، وهكذا تتشكل الثقافة تحديدا من الأدب والفنون ضمن سياق معرفي ووجودي معا. لذلك فإن الوعي والشعور هما أساس آخر يضاف لشغف المبدعين، بل إن الأسلوب الجميل إنما هو المدخل الناعم إيصال الرسائل الإنسانية.
لا ننطلق من اليوم فقط، بل من أمس، وأمس الأمس؛ فعلى مدار عقود والمبدعون والمبدعات وهم يشتبكون مع قضايا الإنسان العربي، وهم يتميزون جميعا بالأسلوب العميق غير المباشر، والذي يكون تأثيره على الجمهور تأثيرا عميقا، أكان ذلك في الأدب أو الفنون.
وهو اشتباك يتعلق بواقع الإنسان ضمن منظومة المجتمع، فكل وقضايا الخاصة والقطرية، وكل وخصوصياته، لكن، وهذا قدرنا، فإن الواقع الوجودي والمستقبل القومي اليوم لا يتم من خلال سياق محلي، بل ضمن منظومة العلاقات الدولية بما فيها من عناصر قوة منحازة للغزاة وحلفائهم، وبذلك فإن اللقمة والابتسامة ودفاتر الأطفال المدرسة معرضة للاستلاب، فلم يعد هناك أمانا للآخرين الذين يمثلون دور الصديق أو الحليف، فليس هناك من يحمي بل من هناك فقط من يغزو ويسلب بأساليب ناعمة، ما لبثن أن صارت وقحة.
ولأن الثقافة هي مقدمة لأي حضارة، كما صار من الحضارات المختلفة قديما وحديثا، فهي من جهة تشكل المجتمعات وتتشكل بها قوميا وقطريا؛ فقوة المجتمع هي من ضمانات الوجود، وهي بذلك تشكل الحصن والذي تتوحد فيه الإرادات الفردية والجمعية ضد كل من يريد العبث بإضعاف الشعوب.
لكل دوره، سياسيا ونضاليا واجتماعيا واقتصاديا، وللمبدعين دورهم العميق، فتأمل الروائع الأدبية الخالدة يجعلنا نتأمل كيف تتم الحياة ضمن الخلاص العام لا الفردي الضيق.
لذلك، فقد حفل الأدب والفنون في عالمنا العربي بمصيرنا المشترك، وهذا هو الأساس الذي استمر بتفاوت بين مبدع وآخر، وصولا إلى تعميق المفهوم، بأن الآدب والفن واقعيا ليس ترفا ولا مقترحات جمالية مفرغة من المضمون بمبرر الحداثة أو ما بعد الدراما. لذلك وجدنا وواكبنا ما يفعله المركز الغربي في تشتيت الفكر والشعور، وهندسة الاتجاهات، بل وبرمجة ذكية طويلة المدى تبعد المبدع عن خصوصيته وقضاياه المصيرية، بهدف ضمان الإخضاع والإذعان، بحيث يصير الشعور الوطني والقومي شعارات فارغة، وبذا تصير هزيمتنا مستدامة.
ببساطة، لم ينج أحد، ولم ينجح أحد تماما، فلا خلاصا فرديا تحقق ولا جمعيا ولا قوميا، ومن هنا فإن الوعي والشعور بالانتماء واستشراف الخطر، ضرورة، فلا بناء أدبي وفني دون وجود ناظم يحقق يرينا حياة الأفراد ضمن سياق المجتمع باتجاه تحقيق الإنسانية، والتي تعني العدالة والخلاص العام، ما يعني أن تعميم هذا الوعي عربيا، سيكون له دور في وجود شعوب قوية جادة، تعرف طريقها، تنتظم الأمة بها، فتكون محصلتها وجودًا فرديًا وجماعيًا يقف ندا للغزاة لا تابعا، وحاميا لنفسه لا محميا.
ولعل تتبعنا لتاريخ الأدب والفن على مدار قرن من الزمان، يرينا لا كيف عبّر ملاهما عن حالنا، بل إن هناك فرصة لتحليل دور الفكر والأدب في مسيرة المجتمعات في سياق تحرري طال حتى اليوم؛ فاشتباك المعرفة مع التحولات الحقيقية والوهمية، يؤكد أن دور القلم والفرشاة والوتر ما زال قائما، باتجاه فهم الرسالة، التي تتجلى بمقترحات جمالية، فيها رصد لتفاصيل حياة الأفراد والانحياز لهم، لا بدفع تصوير الاغتراب الشخصي، بل بدافع تقوية دور الفرد في تأمين حاجاته، من خلال العمل لا بالاعتماد التام على الآخرين، فليس هناك تناقض ولا عداوة بين الأفراد ضمن السياق المستوى لسبب بسيط، وهو أنه ليس هناك حدود تمنع الأفراد من تطوير ذاتهم، ضمن سياق عدالة الحكم الرشيد، وبذا فإن الخلاص الفردي سيتحقق فعلا ضمن خلاص الجماعة.
ومن هنا، فقد أصبحت الفرصة مؤاتية للحديث عن الخلاص القطري، الذي يبدو لن يتحقق إلا في سياق خلاص قومي (وإسلامي) لا باستعداء الآخرين، بل بكسبهم أصدقا؛ فتصوير صعوبات الحياة في مجتمع ما، لن يكون بعيدا عن الهمّ العام، فنظرة من المحيط الى الخليج تؤكد على ما ننطلق منها، نحن وآخرون، في تحقيق إنجاز فشل الساسة به، لذلك فإن أمل الثقافة العربية هي بوجود نص المعرفة والإبداع الذي ينظر لطموحات الأفراد وخلاصهم ضمن سياق منظومة المجتمع داخل القطر الواحد ضمن السياق القومي الشامل، على أن يتم ذلك بأسلوب تقريري جاف له صفة الانفعال والشعارات الجوفاء.
والآن، لعل كاتبا مثلا يكتب قصة أو رواية، يستطيع ربط صعوبات العيش، ضمن منظومة علاقات دولية تسلبنا ما بين أيدينا، فيستطيع من خلال سطر أو فقرة جعل ما يحدث من انتهاك لسيادتنا خلفية لإيحاء ما يتعلق بتعثر الخلاص الفردي، فتصير صواريخ الغزاة التي يمكن أن نحضر بعبارة، استفزازا إنسانيا باتجاه الخلاص العام وعدم الارتهان للوهن والوهم.
هل من وجه شبه بين الدرع التقديري ودرع المقاتل؟ في وجود ثقافة عربية وقطرية جادة بجماليات الاحتراف الأدبي والفني، ضمن سياق معرفي لا مجرد البوح بل باتجاه الفعل، نحقق قوة للجسد العربي الواحد والروح الواحدة، فبصير الدرع الحامي سببا لتكريمنا بدروع التقدير، كوننا نقوم بدورنا.
هي مداخلة في الأدب والفن، وإن استقصاء الأعمال الأدبية والفنية، تجعلنا نطلّ على وجودنا ومستقبل وجودنا، بل وسنصل الى ان عناصر نجاح الإبداع هو ما ذكرنا، لا من خلال الإبداعات فارغة المضمون.
الخلاصة، إن تشجيع الدوائر الغربية لأدب الاغتراب الذاتي يصب في إقصاء المعرفة عن الشعوب، وبالتالي ديمومة هزيمتها. ليس فقد في بلادنا العربية بل في بلاد ما يسمى "بالعالم الثالث" لكن ذلك لم ينجح تماما، "لأن الخير في أمتي إلى قيام الساعة".
وهنا فإن الدور الحكومي وغير الحكومي ضمن سياق عروبي نبيل، والوعي الفردي هو فقط من سيكون لنا درع وحصن.