ترجمة: بدر بن خميس الظفري -

أين يكمن الطريق نحو إنهاء حرب غزة الآن؟ ضربة إسرائيل لقيادات حركة حماس السياسية في العاصمة القطرية، والتي هدفت إلى إجبار الحركة على إنهاء الحرب، بدت وكأنها خطأ تكتيكي نادر. الهجوم لم ينجح في قتل القادة المستهدفين، لكنه دمّر أحد القنوات القليلة المتبقية لوقف الصراع.

كان مشهد الثلاثاء انعكاسًا لمأزق حرب غزة التي لا مخرج لها، ففي اللحظة التي ضربت فيها الصواريخ الإسرائيلية، كان مسؤولو حماس مجتمعين في فيلا بالدوحة لمناقشة «العرض الأخير» للسلام الذي قدّمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونقله إليهم يوم الاثنين مسؤول قطري بارز، وبحسب متحدث باسم الحكومة القطرية، جاءت مكالمة من البيت الأبيض للتحذير من الهجوم وسط دوي الانفجارات. وقد استقبل القطريون الضربة بصدمة وإحساس بالخيانة؛ إذ بدت وكأنها ستقضي على دورهم كوسيط في النزاع، وهو ما يعني تدمير القناة الأكثر موثوقية لنقل الرسائل إلى قادة حماس في غزة.

وقالت مصادر قطرية إن إسرائيل والولايات المتحدة وعدتا الشهر الماضي بعدم استهداف مسؤولي حماس على الأراضي القطرية، لكن هذا الوعد تبيّن أنه واهٍ؛ لتصبح قطر الدولة الوحيدة التي تتعرض لهجومين في الحرب الإقليمية المتصاعدة منذ السابع من أكتوبر 2023، الأول من إيران والثاني من إسرائيل، عقب هجوم حماس على إسرائيل.

الهجوم عالي المخاطر كان إشارة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ينفذ هجمات سريعة خاطفة لإجبار حماس على الاستسلام في غزة. يبدو نتنياهو مصممًا، بل وربما يائسًا، على تدمير الحركة لدرجة أنه تجاوز القيود والأعراف السابقة، وإذا أردنا استعارة صورة أدبية، فيمكن تشبيه الموقف بلحظة القبطان آهاب في رواية «موبي ديك» حين حطّم أدوات الملاحة وانطلق في مطاردة الحوت الأبيض حتى النهاية.

وقد أثارت الخطوة ردًا حادًا من البيت الأبيض؛ إذ قالت المتحدثة كارولاين ليفيت إن «قصف دولة تعمل بجدية وشجاعة بالتعاون معنا للتوسط من أجل السلام لا يخدم أهداف إسرائيل ولا الولايات المتحدة». أما قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا فقد وجّهوا إدانات أشد. وكان ترامب قد حذّر يوم الأحد من أن الأوضاع في غزة تقترب من ذروتها. وكتب على منصته «تروث سوشيال» أنه عرض صفقة نهائية تشمل الإفراج عن جميع الرهائن مقابل إطلاق جميع الأسرى الفلسطينيين. وأضاف: «الإسرائيليون وافقوا على شروطي. حان الوقت كي تقبل حماس أيضًا. لقد حذّرت حماس من العواقب في حال الرفض. هذا هو تحذيري الأخير، ولن يكون هناك غيره.»

وشرح مسؤول إسرائيلي تفاصيل العرض كالآتي: في اليوم الأول تُطلق حماس سراح جميع الرهائن الـ48 (عشرون على قيد الحياة و28 جثة)، وتنسحب إسرائيل بالكامل من غزة وتبدأ في الإفراج عن نحو ألف أسير فلسطيني. وفي اليوم الثاني يتولى ترامب بنفسه قيادة المفاوضات الخاصة بالانتقال السياسي وإعادة الإعمار في غزة.

وبحسب مصدر عربي، فقد اجتمع رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني يوم الاثنين مع ممثلي حماس لاطلاعهم على مقترح حمله مبعوث ترامب ستيف ويتكوف بعد اجتماعاته الأخيرة في باريس. وقرر ممثلو الحركة، ربما بعضهم قدم من تركيا، أن يجتمعوا مجددًا يوم الثلاثاء لمناقشة العرض. إسرائيل، وقد علمت على ما يبدو بالاجتماع، اختارت تنفيذ الهجوم، وقالت حماس: إن الضربة لم تقتل خليل الحية أو قادة آخرين، لكنها أودت بحياة ابنه وثلاثة من حراسه وضابط أمن قطري.

هذا الهجوم شكّل إخفاقًا نادرًا لسلاح الجو الإسرائيلي الذي أظهر دقة لافتة في استهداف قادة حماس في غزة، ومقاتلي حزب الله في لبنان، وإيران. أما بالنسبة لقطر، فقد كان الهجوم نتيجة مريرة لمحاولاتها المكثفة لمساعدة إدارة ترامب على إبرام اتفاقيات سلام، ليس في غزة فقط، بل أيضًا في النزاع بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وأرمينيا وأذربيجان، وقد ساعدت قطر كذلك في تحرير رهائن أمريكيين من فنزويلا وروسيا، وفقًا لمسؤولين قطريين وأمريكيين.

لكن بالنسبة لكثير من الإسرائيليين، تظل قطر عدوًا، رغم براعتها الدبلوماسية؛ لأنها موّلت حماس وتستضيف قناة الجزيرة ببرامجها العربية التي يعدونها تحريضية. وكانت الدوحة تخشى من هجوم محتمل بعدما حذّر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زمير في 31 أغسطس قائلاً: «معظم قادة حماس الباقين في الخارج، وسنصل إليهم أيضًا». ولهذا سعت قطر إلى ضمانات من الموساد ومن البيت الأبيض بعدم تنفيذ أي هجوم على أراضيها. وقد قُدمت تلك الضمانات بالفعل، لكن ضربة الثلاثاء جاءت «كمفاجأة تامة»، بحسب ما قاله لي مسؤول قطري.

يبقى السؤال لنتنياهو وترامب: ما الخطوة التالية؟ فكلاهما يطالب باستسلام حماس. لكن كيف يمكن التفاوض على ذلك مع انهيار القناة القطرية، وتعثر المسار المصري الموازي أيضًا؟ لقد ضيّقت إسرائيل خياراتها بإضعاف المسارات الدبلوماسية، ولم يعد أمامها سوى خيار إعادة احتلال معظم قطاع غزة، وهو ما يقول المسؤولون الإسرائيليون إنهم يسعون جاهدين لتجنبه.

غير أن نتنياهو يواصل التقدم نحو رؤيته لـ«نصر كامل» في غزة. لكنه بخطوة الثلاثاء خاطر بتدمير أحد المسارات القليلة المتاحة لتسوية تفاوضية لهذا الصراع المدمر والمرهق.

ديفيد إغناتيوس روائي وكاتب عمود رأي في الشؤون الخارجية في صحيفة واشنطن بوست، وآخر رواياته تحمل عنوان «المدار الوهمي».