يروى عن «جحا» أن مجموعة من أهل المدينة أتوه، يشكون له وضع الفساد في المدينة المجاورة، ويطلبونه الحل، فقال لهم «عليّ بمدينتي»، وبعد فترة أتوه، فقالوا له: «لقد عمّ الفساد المدينة»، فقال: «عليّ بقريتي»، وبعد مدة رجعوا له، فقالوا: «لقد عَمّ الفساد القرية»، فقال : «عليّ بجيراني»، وأتوه بعد زمن، فقالوا له: «لقد عم الفساد بيوت جيرانك»، فقال: «علي بأهل بيتي»، وبعد أيام أتوه، فقالوا له: «لقد عمّ الفساد أهل بيتك»، فقال: «عليّ بنفسي»، استذكرتُ هذه الطرفة المتخيلة، وأنا أرى الحال المتردي للأمة العربية، والتي استباحها عدوها الأزلي، حتى أصبح لسان حالها يقول: «اللهم نفسي»، رغم كل الإشارات المباشرة، وغير المباشرة التي يتلقونها كل يوم من الكيان الصهيوني، التي تهدد وجودهم، وكرامتهم، وأوطانهم، ولكنهم يغضون الطرف عنها، معتقدين أنهم بمنأى عن أي تبعات، وبعيدين عن أي مؤامرات إسرائيلية، ورغم كل الشواهد التي يرونها رأي العين بشكل يومي، ومتكرر، إلا أنهم لا يحركون ساكنا، ولا ينطقون بغير لغتهم التاريخية المعتادة، (التنديد، والشجب، والاستنكار)، متخذين من مقولة «لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم» وسادة ينامون عليها، وشعارا يرفعونه بعد كل انتهاك للكرامة العربية.

بالأمس ضرب الكيان الغاصب، دولة قطر التي تحمّلت أعباء لا تطاق في سبيل وقف نزيف حرب الإبادة التي تشنّها قوات الاحتلال ضد «أهل غزة»، وفي الوقت الذي يتم فيه التفاوض من أجل إطلاق سراح الإسرائيليين، ووقف الحرب، يأتي «نتنياهو» محاولا قطع أي خيط يوصل إلى اتفاق، ويسعى لتصفية قادة المقاومة المفاوضين في «قطر»، ولكن باءت محاولته البائسة، واليائسة بالفشل، ورغم أن الفعل الإجرامي للإسرائيليين غير مستغرب، إلا أن ردة الفعل العربية كانت باهتة، وانهزامية، إلى أقصى درجاتها، واكتفت الدول العربية -كالعادة- بالتنديد، والاستنكار، وهذا هو الفعل المعتاد، والمتكرر الذي تفعله دائما «الجامعة العربية»، أما دول مجلس التعاون الخليجي فاكتفت بالرد المتعارف عليه عربيا بالشجب والاستنكار!، ولم يكن هناك ردة فعل عربية عملية واحدة ترتقي إلى مستوى الحدث الإجرامي، وخاصة من جانب «الدول المطبّعة»، ولم نسمع من دولة عربية تتعامل مع إسرائيل أي صوت لقطع التعاون التجاري والسياسي والثقافي بينها وبين الكيان المحتل.

لقد باتت السماوات العربية مستباحة للطيران الإسرائيلي، وأصبحت الأرض العربية مجرد ساحات للتصفيات السياسية التي يقوم بها الكيان الغاصب، وأضحى العرب مجرد أمم متفرقة، وشعوب دون إرادة، فكل دولة تفكر في مصلحتها الخاصة، دون أن تدرك أن مصلحتها في النهاية مرتبطة بالمصلحة العربية العليا، وهذا ما استغلته «إسرائيل» فهي تعلم أن الفعل العربي مفقود، وأن التنسيق بين دولها محدود، وأنها دول غير فاعلة على أرض الواقع، وأنها يمكن أن تفرض عليها «معاهدات السلام» بالقوة، فبعد أن رفع العرب شعارهم الشهير «سنرمي إسرائيل في البحر»، ها هي تحاصرهم من البر، والجو، والبحر، بالتواطؤ المعلن، والدعم الأمريكي غير المحدود، ولذلك لا يأبه قادتها المجرمون بقرارات الأمم المتحدة، ولا يكترثون لردود الأفعال العالمية، ولا يلتفتون لأي صوت إنساني، فما تفقده إسرائيل تعوضه أمريكا.

هناك مثل خليجي معروف يقول «إذا شفت جارك تحسّن، فبِلّ»، أي أنك إذا رأيت جارك يستعد لحلاقة رأسه، فبلل شعرك، واستعد، لأنك أنت التالي.

مسعود الحمداني كاتب وشاعر عُماني