عواصم " وكالات": أعلنت وارسو اليوم الأربعاء أن مقاتلات عائدة لها أو لحلف شمال الأطلسي، أسقطت "أجساما معادية" بعد انتهاكات متكررة للمجال الجوي البولندي خلال هجوم روسي على أوكرانيا المجاورة، في سابقة لدولة عضو في الناتو منذ بدء الحرب.
وأعلن رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك اليوم الأربعاء أن وارسو أسقطت ثلاث مسيّرات روسية على الأقل ورصدت ما لا يقل عن 19 انتهاكا لمجالها الجوي.
وقال توسك أمام البرلمان إن الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي رصدت "19 انتهاكا... وأكدنا حاليا أنه تمّ إسقاط ثلاث مسيّرات"، موضحا أن هذه الأرقام تبقى أولية عقب عملية استمرت "طيلة الليل". وأكد عدم ورود أنباء عن سقوط قتلى أو جرحى معتبرا أن ذلك "استفزاز على نطاق واسع".
وعثر على سبع مسيّرات وحطام مقذوف لم يتم تحديد ماهيته بعد بحسب وزارة الداخلية البولندية التي أضافت أن منزلا وسيارة تضررا في شرق البلاد.
وطلبت وارسو من حلف شمال الأطلسي تفعيل المادة الرابعة من ميثاقه التي تلحظ عقد مشاورات بين الأعضاء في حال تعرّض أحدهم للتهديد.
وقال توسك "يتخذ حاليا شكل الطلب الرسمي بتفعيل المادة الرابعة من معاهدة شمال الأطلسي" التي أنشئ بموجبها الناتو في العام 1949.
من جهته، أكد حلف شمال الأطلسي اليوم الأربعاء أن دفاعاته الجوية ساهمت في التصدي للمسيّرات التي انتهكت المجال البولندي أثناء هجوم روسي على أوكرانيا.
وقالت المتحدثة باسم الناتو أليسون هارت على منصة إكس "دخلت الكثير من المسيّرات المجال الجوي البولندي خلال الليل وواجهتها الدفاعات الجوية البولندية والأطلسية"، مشيرة إلى أن الأمين العام للحلف مارك روته على تواصل مع وارسو.
وأفاد قائد الناتو في أوروبا الجنرال الأمريكي أليكسوس غرينكويتش بأن التحالف استجاب "للوضع بشكل سريع وحاسم".
وأكد متحدث باسم الحلف في بيان أن الحادثة كانت "المرة الأولى التي تواجه طائرات الناتو تهديدات محتملة في المجال الجوي لدولة عضو في الحلف".
وقال البيان إن مقاتلات من سلاح الجو الهولندي استجابت وتعاملت مع التهديدات المحتملة.
ووضعت أنظمة الدفاع الجوي الألمانية من طراز "باتريوت" على أهبة الاستعداد في بولندا وأُطلقت طائرة إيطالية للتحذير المبكر.
وأفاد البيان بأن "الناتو.. ملتزم الدفاع عن كل شبر من أراضي الناتو، بما في ذلك مجالنا الجوي".
وقال الأمين العام للحلف مارك روته بعد اجتماع عاجل للدول الأعضاء "يجري حاليا تقييم شامل. لكن طبعا، سواء كان ذلك متعمدا أم لا، فهو تصرف متهور وخطير".
وأضاف أن رسالته للرئيس الروسي فلاديمير بوتين هي "التوقف عن انتهاك المجال الجوي للحلفاء، واعلم أننا على أهبة الاستعداد... وسندافع عن كل شبر من أراضي حلف شمال الأطلسي".
وتأتي هذه التوغلات "غير المسبوقة"، بحسب بولندا، قبل المناورات العسكرية الروسية البيلاروسية المشتركة التي أطلق عليها "زاباد 2025" (غرب 2025) والمقررة بين 12 و16 سبتمبر.
وبيلاروس، الجمهورية السوفياتية السابقة الواقعة على الحدود مع بولندا، هي حليف رئيسي لروسيا التي استخدمت أراضيها لشن هجومها ضد أوكرانيا في فبراير 2022.
كما أعلن توسك إغلاق حدود بلاده مع بيلاروس ردا على المناورات التي يتوقع أن يشارك فيها 30 ألف جندي.
الجيش الروسي: لم نستهدف مواقع بولندية
من جهته، أكد الجيش الروسي تكس الأربعاء أنه لم يستهدف مواقع بولندية أثناء هجوم بالمسيرات على أوكرانيا، بعدما أعلنت الدولة المنضوية في حلف شمال الأطلسي إسقاط عدة مسيرات روسية خرقت مجالها الجوي.
وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان "لم تكن هناك أي نوايا لضرب أي أهداف في أراضي بولندا"، من دون تأكيد أو نفي دخول مسيّراتها المجال الجوي البولندي. وأضافت "نحن على استعداد لعقد مشاورات بشأن هذه المسألة مع وزارة الدفاع البولندية".
زيلينسكي: لم يكن الأمر مجرد مسيّرة
من جهته، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأربعاء إن ثماني مسيّرة روسية كانت "موجهة نحو" بولندا في الهجوم الذي أطلقت خلاله موسكو من 400 مسيّرة وصاروخا على أوكرانيا.
وصرح زيلينسكي "لم يكن الأمر مجرد مسيّرة يمكن أن نقول إنها حادث، بل ما لا يقل عن ثماني مسيّرات هجومية كانت موجهة نحو بولندا"، معتبرا أن ذلك يمثل "سابقة خطرة لأوروبا".
وأضاف على منصة إكس أن أوكرانيا "اقترحت منذ فترة طويلة على شركائها إنشاء نظام دفاع جوي مشترك لضمان تدمير" المسيّرات والصواريخ الروسية.
الى ذلك، استدعت بولندا اليوم الأربعاء القائم بالأعمال الروسي، وفق ما أفادت وكالة "ريا نوفوستي" الرسمية في موسكو.
وقال القائم بالأعمال الروسي الموقت في بولندا أندري أورداش للوكالة إنه استُدعي إلى وزارة الخارجية، مضيفا أن وارسو لم تقدم بعد أدلة على أن الطائرات المسيّرة التي أسقطت ليل الثلاثاء الأربعاء أتت من روسيا.
وقالت بيلاروس اليوم الأربعاء إنها أسقطت مسيّرات في مجالها الجوي خلال الليل.
وقال الجيش البيلاروسي إنه "دمر" مسيّرات "ضلّت طريقها" نتيجة ما وصفه بالتشويش الإلكتروني والاعتراض من جانب كل من كييف وموسكو ولم يوضح ما إذا كانت المسيّرات التي أسقطها روسية أم أوكرانية، لكنه ذكر أنه أبلغ سلاح الجو البولندي بأن طائرات بدون طيار كانت متجهة نحو البلاد.
ردود فعل من حلفاء وارسو
وفي السياق، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون موسكو الى "الكفّ عن الهروب الى الأمام" في الحرب مع أوكرانيا، في حين قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس إن "انتهاك" روسيا للمجال الجوي البولندي يبدو "متعمدا" وهو "أخطر انتهاك للمجال الجوي الأوروبي من قبل روسيا منذ بداية الحرب".
كذلك، شددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين اليوم الأربعاء أمام النواب الأوروبيين على ضرورة أن "تستقل" أوروبا في وسط عالم "معاد" و"عاصفة" جيوسياسية ستكون طويلة، مؤكدة دعمها لبولندا بعد اعتراض مسيرّات روسية.
وفيما الجميع كان ينتظر كلامها حول الاتفاق التجاري المبرم مع دونالد ترامب في نهاية يوليو، شددت فون دير لايين مطولا على ضرورة حصول تغيرات عميقة إزاء "نظام عالمي جديد" في خطابها الذي استمر ساعة ونصف ساعة والمكرس لأولوياتها السياسية.
وشجبت رئيسة المفوضية الأوروبية "الانتهاك الخطر" و"غير المسبوق" للمجال الجوي البولندي من جانب روسيا بعد عمليات اعتراض بولندية لمسيّرات "معادية" دخلت مجالها الجوي خلال هجوم روسي على أوكرانيا المجاورة.
وفي كلمة طغت عليها لهجة صارمة لكن لم تخللها إعلانات رئيسية، دعت فون دير لايين أوروبا إلى تعزيز جهودها في مجال الدفاع من أجل امتلاك "وسائل استراتيجية مستقلة".
وعلى صعيد دعم أوكرانيا، أشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي سيستخدم عائدات الفوائد على الأصول الروسية المجمدة لمنح كييف "قرضا تعويضيا" من دون المساس مباشرة بهذه الأصول.
كذلك، أعلنت تنظيم قمة قريبا "لعودة الأطفال الأوكرانيين" الذين خطفتهم روسيا.
ويعد الاتحاد الأوروبي لحزمة عقوبات تاسعة عشرة تفرض على موسكو قد تستهدف بعد الدول التي تشتري المحروقات الروسية.
من جهته، قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إنه يشعر "بالقلق" إزاء "عمل خطير للغاية قامت به روسيا ويذكرنا فقط بعدم اكتراث الرئيس (الروسي) فلاديمير بوتين الواضح للسلام".
في السياق، أدان وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس بشدة انتهاك أجواء بولندا العضو في حلف شمال الأطلسي "ناتو" بواسطة طائرات مسيرة عسكرية.
وفي كلمة له أمام البرلمان الألمان، قال بيستوريوس اليوم الأربعاء إنه لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن الأمر كان نتيجة خطأ ملاحي أثناء تعديل المسار.
وأضاف الوزير المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي:"من الواضح تماما أن هذه الطائرات المسيرة وجهت عمدا إلى هذا المسار. ولو كان الهدف هو الطيران إلى أوكرانيا، لما كان هناك داع لسلوك هذا الطريق"، وتابع: "ومن الواضح أيضا - بحسب ما ورد من بولندا - أنها كانت مجهزة بالذخيرة. ما يعني أنه كان يمكن أن يحدث شيء في أي وقت". وأشار إلى أن أنظمة الأسلحة هذه أطلقت على ما يبدو من دولة بيلاروس (روسيا البيضاء).
واعتبر بيستوريوس ذلك دليلا إضافيا على التهديد المستمر الذي تمثله استفزازات القوات الروسية في أجواء دول البلطيق، وفي بحر البلطيق، وكذلك في وسط أوروبا من خلال هجمات هجينة أو طلعات بطائرات مسيرة، وأردف:" نحن نتأهب لمواجهة ذلك".
وفي الوقت نفسه، أوضحت وزارة الدفاع الألمانية أن وحدتي دفاع جوي ألمانيتين من منظومة باتريوت المتمركزتين في مطار جيشوف البولندي رفعتا حالة التأهب على الفور خلال الليل. وأضافت أن الوحدة الألمانية في جيشوف، شأنها شأن الحلفاء الآخرين، أسهمت لاحقا في تكوين صورة شاملة للوضع. وأكدت أنه لم يحدث أي استخدام مباشر للأسلحة، أي لم يتم إطلاق صواريخ باتريوت.
وسبق لبولندا، أحد أبرز الداعمين العسكريين لكييف في مواجهة موسكو، أن أفادت عن انتهاكات لمجالها الجوي منذ بدء الحرب قبل أكثر من ثلاثة أعوام.
وفي أغسطس، وجّهت بولندا مذكرة احتجاج إلى روسيا بعد سقوط طائرة مسيّرة وانفجارها في شرق البلاد، في حادثة اعتبرتها يومها "استفزازا متعمّدا".
وفي العام 2023، قالت وارسو إن صاروخا أطلقته روسيا اخترق مجالها الجوي في طريقه الى أوكرانيا.
وفي نوفمبر 2022، قتل شخصان في قرية بولندية محاذية للحدود مع أوكرانيا، جراء سقوط صاروخ دفاع جوي أطلقته كييف لاعتراض مقذوفات روسية.