متابعة ـ فيصل بن سعيد العلوي -

أوصت ندوة "قراءات في فكر الشيخ سليمان بن ناصر اللمكي" والتي أختتمت فعالياته اليوم في قاعة جامع السلطان قابوس الأكبر باستمرار الدراسات العلمية عن الشخصيات العمانيه المؤثره في عمان وخارج عمان، كما أوصت تخصيص مراكز دراسات بحثيه عن سير علماء عمان، وإطلاق اسم الشيخ على احد المؤسسات العلمية، وتخصيص ركن لمقتنيات الشيخ في أحد المتاحف العمانية.
محطاته القيادية
وكانت قد شهد اليوم الختامي لفعاليات الندوة التي نظمتها وزارة الثقافة والرياضة والشباب ممثلة في المنتدى الأدبي ليومين، تواصل الجلسات حيث شهد اليوم في جلسته الأولى التي أدارها خليل الرواحي استعرضت الورقة الدور البارز الذي اضطلع به الشيخ سليمان اللمكي كونه واحدا من أعلام عمان وشرق أفريقيا، حيث شكّلت شخصيته علامة فارقة في التاريخ السياسي والاجتماعي، بما عُرف عنه من حكمة وبصيرة وحنكة سياسية ورؤية اجتماعية أهلته لقيادة مجتمعه في فترات بالغة التعقيد، وإدارة التحديات التي واجهتها المنطقة، ليترك بذلك بصمة واضحة في مسيرة التنمية المجتمعية والسياسية.
وسلّط البحث الذي قدمه الدكتور مسعود الحضرمي الضوء على محطات الشيخ القيادية وأدواره المؤثرة في إدارة شؤون مجتمعه، مبرزا قدرته على تحقيق التوازن بين المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واستراتيجياته في مواجهة الأزمات الكبرى، بما مكّنه من التوفيق بين متطلبات الحاضر واحتياجات المستقبل، وتقديم نموذج فريد في التعاطي مع الأزمات وتحقيق الاستقرار.
وبيّن الباحث في ورقته أن شخصية الشيخ لم تقتصر على الجانب السياسي، بل امتدت إلى الجانب الاجتماعي، حيث كان حاضرا في القضايا العامة، مشاركا في صياغة القرارات المصيرية، مسهما في بلورة رؤية تنموية ترتكز على قيم العدل والمساواة، ودعم التعليم والعلم، وتعزيز الروابط الاجتماعية. كما برز دوره في نشر الثقافة القرآنية والتربية الأخلاقية، ما جعل منه شخصية متكاملة جمعت بين الأبعاد السياسية والاجتماعية والتربوية.
المراسلات المتبادلة
من جانبه قدّم الدكتور سليمان الكيومي ورقة عمل بعنوان "المراسلات المتبادلة بين الشيخ سليمان بن ناصر اللمكي ومعاصريه"، أوضح الباحث في مستهل عرضه أن المراسلات التاريخية تُعد من أبرز المصادر التي تكشف طبيعة العلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية في الحقب المختلفة، مشيرا إلى أن مراسلات الشيخ اللمكي مع سلاطين وحكام شرق أفريقيا تمثل نافذة مهمة لفهم حضوره المؤثر ومكانته العلمية والاجتماعية. فقد كان شخصية جامعة بين عمان وزنجبار، ونسج عبر تلك الرسائل شبكة واسعة من العلاقات التي أكدت دوره البارز في محيطه.
وبيّن "الكيومي" أن دراسة مضامين هذه المراسلات تكشف عن دلالات غنية؛ فهي تعكس تفاعلات سياسية واجتماعية واقتصادية متشابكة، وتبرز دور الشيخ في بناء الجسور بين المجتمعات، ما يجعل تحليلها وثائقيا أساسيا لفهم مرحلة مهمة من التاريخ العماني في شرق أفريقيا.
في ورقته قدّم الباحث أحمد الشبلي بحثا بعنوان "رحلات الشيخ سليمان اللمكي وأشعاره"، ركز فيه على أهمية دراسة الرحلات والآثار التي خلّفها الشيخ اللمكي، معتبرا أنها تمثل ملامح بالغة الأهمية لفهم أوسع للأبعاد السياسية والثقافية والدينية والاجتماعية للعُمانيين الذين ارتحلوا إلى الشرق الأفريقي، مشيرا إلى أن رحلات الشيخ اللمكي لم تكن مجرد انتقال جغرافي، بل شكلت رصيدا معرفيا وثقافيا أثرى رؤيته السياسية والاجتماعية، ووفّر له مرجعا أساسيا في صياغة مواقفه وقراراته، إذ كوّن عبرها شبكة واسعة من العلاقات الإنسانية والثقافية انعكست على نشاطه التربوي والاجتماعي في كل من عمان وزنجبار.
وأوضح الباحث في ورقته أن تلك الرحلات أسهمت في بلورة شخصيته القيادية، وتوسيع مداركه، وإثراء معارفه عبر التفاعل مع بيئات مختلفة، وهو ما انعكس لاحقا على أعماله في مجالات التعليم والصحافة، حيث لعبت دورا مهما في صقل تجربته الفكرية والاجتماعية، كما توقفت الورقة عند المراسلات والكتابات التي تركها الشيخ اللمكي خلال رحلاته، مؤكدة أنها لم تقتصر على الأبعاد السياسية والاجتماعية، بل شكّلت أيضا مرجعا ثقافيا وفكريا لمجتمعه ومعاصريه.
الجلسة الثانية
في الجلسة الثانية والأخيرة والتي أدارها الدكتور محمد العريمي في اليوم الثاني للندوة قدّم الدكتور موسى البراشدي ورقة عمل بعنوان "الفكر التنويري لدى الشيخ سليمان بن ناصر اللمكي"، ركّز فيها على إبراز ملامح الفكر التنويري الذي اتسمت به شخصية الشيخ منذ نشأته وحتى وفاته، متتبعا أثره في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، وأشار الباحث إلى أن ما ميّز الشيخ اللمكي من فكر إصلاحي وتنويري كان نتاج البيئة العلمية والعملية التي عاشها، إذ انطلق من أسس معرفية راسخة مكّنته من التأثير في المحيطين العُماني والزنجباري على حد سواء. وقد انعكس هذا الفكر في ممارساته اليومية، وفي سعيه المتواصل إلى نشر العلم والمعرفة، كما سلطت الورقة الضوء على إسهاماته في بناء المؤسسات التعليمية والاجتماعية، وإدراكه المبكر لأهمية التعليم في تنمية المجتمعات، ومن أبرز أمثلته في هذا المجال دعمه لإنشاء المدارس، ومن بينها المدرسة البارونية في سمائل، فضلا عن اهتمامه بالطباعة والنشر ودعمه لطباعة العديد من الكتب والمراجع العلمية، وهو ما جعل منه رافدا مهما من روافد الفكر التنويري في عمان وزنجبار.
"اللمكي" من خلال الوثائق
في ختام الجلسة، قدّم الدكتور بالحاج ناصر ورقة عمل بعنوان "الشيخ سليمان بن ناصر اللمكي من خلال مخطوطات ووثائق جزائرية وفرنسية" ركز الباحث في الورقة على إبراز شخصية ومكانة الشيخ اللمكي استنادا إلى عدد من المخطوطات والوثائق المحلية المحفوظة في وادي ميزاب بالجزائر، حيث تتقاطع الروابط التاريخية بين زنجبار والجزائر، وأوضحت "الورقة" أن تلك الوثائق تعود إلى عام 1900م، إبّان زيارة قضاة الإباضية للشيخ محمد بن يوسف اطفيش، وقد احتوت على نصوص مخطوطة تمثل مجالس حديث تضمنت مدحا للشيخ سليمان، إلى جانب مراسلات ووثائق وصفته من زوايا متعددة.
كما تناولت الورقة جوانب من حياة الشيخ اللمكي في ضوء هذه الزيارات، مبرزة تفاعله مع البيئات الجزائرية التي أقام فيها، وما أظهره من حضور وتأثير في مختلف المجالات السياسية والعلمية والاجتماعية، وقدمت الدراسة تصورا شاملا عن شخصية الشيخ اللمكي من خلال هذا التراث المخطوط، مؤكدة مكانته كأحد أبرز أعلام عمان وزنجبار الذين امتد تأثيرهم إلى المغرب العربي.