ترجمة: أحمد شافعي -

في عام 1975 كان 92% من الأطفال الأمريكيين يتدربون على التغوط وهم في عمر ثمانية عشر شهرا، وبعد أربعة عقود تناقص ذلك الرقم إلى 4% فقط. فلماذا تأخر تدريب أبنائنا مقارنة بأجدادنا؟ يرجع جزء كبير من أسباب ذلك إلى الأقمطة أحادية الاستعمال أي التي تستعمل لمرة واحدة. وتصنع هذه الأقمطة من البلاستيك والسيليلويز، وقد حسنت على مدى عقود؛ لتصبح أقدر على الامتصاص، وأقل سمكا، وأقل تسريبا.

وهكذا فإن السلعة التي سوَّقتها شركة بروكتر آند جامبل لتسويق أقمطة بامبرز باعتبارها سلعة مريحة في ستينيات القرن الماضي قد قلصت الدافع إلى بدء التدريب على التغوط مبكرا، وأعفت الأطفال من الإحساس بالبلل الذي يشعرون به مع استعمال الأقمطة القماشية، وأعفى الأمهات من غسل الأقمطة أو إرسالها إلى المغاسل، لكن لهذه الراحة ثمنا بيئيا باهظا؛ فبين عامي 2011 و2018 كانت الأقمطة أحادية الاستعمال ضمن أعلى خمسة وعشرين من عناصر النفايات الموجودة في قاع البحر، وضمن أعلى أربعين عنصرا ملقى على الأرض؛ حسبما تبيَّن لإحدى الدراسات. وفي الولايات المتحدة وحدها يتخلص الناس من ثمانية عشر مليار قماطا من هذا النوع سنويا بما يتسبب في استنزاف رهيب لمواردنا الطبيعية.

لا شك أن المواد البلاستيكية أحادية الاستعمال قد يسرت حياتنا على مدار القرن الماضي من أوجه كثيرة. كما أنها عملت في هدوء وعمق على صياغة طرقنا في الأكل والتسوق وتربية الأطفال وفهم النظافة والتقدم.

لقد أطلق البلاستيك موجة هائلة من النفاية التي تمضي إلى مقالب القمامة ومحارقها، أو تنتهي نفايات تضر بالتنوع الحيوي والمناخ والصحة الإنسانية. فقد بتنا مدمنين للأشياء أحادية الاستعمال حتى إن التعامل معها سوف يقتضي إعادة صياغة كلية للقواعد الحاكمة لنشاطنا التجاري واستهلاكنا منذ سبعين عاما.

لقد شهد البلاستيك المخترع منذ نحو مائة وخمسين عاما نموا هائلا خلال الحرب العالمية الثانية؛ بسبب نقص خامات من قبيل المعادن والمطاط والحرير. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها تحول قطاع الصناعات البلاستيكية إلى استهداف ربات البيوت، واكتشف القطاع أن المنتجات أحادية الاستعمال مربحة للغاية.

في بحثي من أجل كتابي الحديث تبين لي أن التغليف البلاستيكي أسهم في صعود السوبرماركت الحديث، وفي انهيار كثير من محلات الجزارة وبيع الخضراوات والسمك. إذ أتاح السلوفان ـ الذي استحوذت دوبونت على حقوقه في الولايات المتحدة سنة 1923 ـ لبائعي التجزئة تقليص عدد موظفي البيع بإتاحة اللحوم والسمك والخضراوات والفاكهة مغلفة تحت سقف واحد. وفي عام 1933 بات يوجد أكثر من ثلاثمائة متجر بقالة يعتمد على الخدمة الذاتية في أنحاء أمريكا، وفي غضون خمسة عشر عاما ارتفع الرقم إلى خمسة وثمانين ألفا.

وبمرور الوقت دربت دوبونت المتاجر على استعمال البلاستيك؛ لتغليف المنتجات، والدفع إلى تكثير المشتريات؛ فالتفاح والبطاطس سابقة التغليف جعلت التسوق أكثر راحة وربحا للمتاجر، وشجعت أيضا على الإفراط في الشراء الذي أصبح من أهم أسباب إهدار الطعام.

اعتمدت دوبونت في التسويق اعتمادا كبيرا على النظافة بشعارات من قبيل أن «النظافة والسلوفان صنوان»، أو بإعلان يقول: إن الأطعمة غير المغلفة «موضة قديمة»، وأنها «غير صحية». وبولغ في هذا الزعم، لتبين دراسات تالية أن المواد الكيميائية في البلاستيك يمكن أن تتسرب إلى الطعام، وأن الأكياس محكمة الإغلاق قد تتسبب في نمو مسببات للأمراض من قبيل السالمونيلا.

لم يكتف التغليف البلاستيكي بتغيير طريقة البشر في شراء الطعام الطازج، لكنه حول القهوة أيضا من مشروب إلى عادة؛ ففي أثناء التنقيب في الإعلانات القديمة وأراشيف الصحف اكتشفت أن شركة تدعي (ليلي توليب كب) قد استطاعت بعد الحرب العالمية الثانية أن تحل مشكلة قديمة تتمثل في كيفية منع القهوة الساخنة من إذابة البطانات الشمعية لأكوابها الورقية، أو من أن تصبح هي نفسها في مذاق الكرتون، وذلك بإضافة طبقة من البلاستيك إلى فنجانها الورقي، وإضافة غطاء بلاستيكي محكم الإغلاق. وفجأة أصبحت القهوة قابلة للحمل. وبحلول خمسينيات القرن العشرين صارت القهوة الساخنة من أكثر المشروبات بيعا في أمريكا، وصار 3.4 مليار فنجان أحادي الاستعمال يستخدم سنويا في البيع من خلال آلات البيع. واليوم تعتمد سلاسل القهوة في العالم على أكواب أحادية الاستعمال، حتى للزبائن الذين يتناولون القهوة داخل المقاهي. ويقدر أن ما يجري التخلص منه سنويا يبلغ مائتين وخمسين مليار فنجان، ولأن الطبقة البلاستيكية تكون شديدة الالتصاق؛ فإنه نادرا ما يعاد تدوير هذه الكمية من النفاية.

أدت هذه المنتجات البلاستيكية الرخيصة متعددة الاستعمالات إلى تفجير ثقافة الإهدار، والاستهلاك المفرط، وزيادة أرباح الشركات. والأسر التي لم تطالب قط بأن يكون كل شيء أحادي الاستعمال بيعت لها الفكرة بيعا.

قامت شركة بروكتر آند جامبل بتمويل دراسة تبين أن القماش أرجح في التسبب في الحساسية، وزيادة انتشار العدوى في دور الحضانة. واستأجرت طبيب أطفال أمريكيا مشهورا؛ ليظهر في إعلانات تليفزيونية محذرا الآباء من محاولة «الإسراع» في تدريب أبنائهم على التغوط. وفي الصين التي عرفت تاريخيا بتدريب الآباء لأبنائهم على التغوط منذ الشهر الخامس؛ أطلقت بروكتر آند جامبل حملات إعلانية تنبه الآباء القلقين إلى أن الأقمطة أحادية الاستعمال تيسر نوما أفضل، ومن ثم نموا معرفيا أفضل. وبحلول عام 2015 قال أكثر من نصف الآباء في الصين: إنهم يستعملون هذه الأقمطة لأطفالهم في البيت خلال النهار وقال أكثر من 77% إنهم يستعملونها ليلا؛ حسبما ذكرت دراسة صناعية.

في الهند حيث ظلت نساء كثيرات يغسلن شعورهن ويرعينها حتى ثمانينيات القرن الماضي بزيوت وخلطات عشبية منزلية الصنع؛ أغرقت شركة يونيليفر وشركات أخرى البلد بأكياس شامبو صغيرة غير قابلة للتدوير تحتوي ما يكفي لغسلة واحدة، وأظهرت الإعلانات نساء ذوات شعر طويل حريري منساب، ومن أجل ضمان وصول منتجاتها إلى أبعد القرى في البلد ـ أي الأماكن التي لم تكن تنتج من نفايات البلاستيك غير القليل، ولم يكن فيها جمع منظم للقمامة ـ؛ فقد وظفت جيشا من النساء المحليات الفقيرات للعمل في التوزيع، وإقناع صديقاتهن وجاراتهن بشراء الشامبو والمنظفات وكريمات الوجه المغلفة جميعا بالبلاستيك. وفي السنوات الأخيرة بيع في الهند أكثر من أربعين مليار كيس شامبو سنويا انتهى كلها ملقى أو مدفونا أو محروقا. على المستوى العالمي ينتهي ما يساوي أكثر من ملء شاحنة من النفايات البلاستيكية في المحيط كل دقيقة. وقد عثر على جزيئات بلاستيكية في بعض أبعد أماكن كوكب الأرض، وكذلك في الأدمغة والرئات والمشيمة البشرية، وربط حديثا بين ذلك وبين زيادة خطر النوبات والسكتات القلبية. وفي ضوء أن الأغلبية الساحقة من المواد البلاستيكية تصنع من وقود حفري؛ فإن تصنيع هذه المنتجات يسهم أيضا بصورة أساسية في تغير المناخ.

وبرغم أن التكلفة الاجتماعية لإدماننا للبلاستيك أقل وضوحا؛ لكنها بالغة الأهمية. فقد تراجعت مهارات الطبخ، وبات التقاء أفراد الأسر على الوجبات أقل شيوعا. كما أن السرعة ـ التي تتيحها الألياف البلاستيكية المركبة ـ تشجع على الاستهلاك والإهدار قهريا.

غير أن بوسعنا أن نتخذ نهجا مختلفا؛ فقد تخلت متاجر التجزئة الفرنسية الكبرى عن البلاستيك في بيع نطاق عريض من الثمار والخضراوات دونما تسبب في ارتفاع ملحوظ في إهدار الطعام، وأرغمت فرنسا سلاسل المطاعم من قبيل مكدونالدز على التحول إلى الأطباق والفناجين الورقية لمن يتناولون الطعام داخل المطاعم. وسجلت مدينة آرهوس الدنماركية عشرات المقاهي وغيرها من المقاصد ضمن نظام لاستعمال الأكواب كثيرة الاستعمال بما منع إلقاء أكثر من مليون فنجان منذ الشروع في ذلك في العام الماضي. وتعمل أوروبا على دمج إعادة الاستعمال، والترشيد في القانون والبنية الأساسية.

بوسع إعادة صياغة القوانين بحيث تنعكس فيها التكلفة الكاملة لثقافة النفايات أن تحفز الشركات التي تصب مليارات الدولارات في المنتجات أحادية الاستعمال على الاستثمار في إقامة نظام أقل تخريبا. فقد ترتفع الأسعار في البداية، لكن إحسان وضع قوانين تشجع الشركات على اختيار تغليف أكثر مراعاة للبيئة سوف يقلل التكلفة الإجمالية بمساعدته الشركات على تجنب رسوم الممارسات غير المستدامة.

لم تكن المنتجات البلاستيكية أحادية الاستعمال أمرا محتوما قط، ولكنها كانت قرارا تجاريا، وبوسعنا أن نغير اختياراتنا في حال مواجهتنا للتلاعب الذي مورس علينا حتى بلغنا ما بلغناه، واستجمعنا الإرادة الكافية للتقدم إلى ما هو أفضل.

سابيرا شودري صحفية تعمل في لندن، ويصدر لها كتاب قريبا بعنوان «كيف وصلت بنا العلامات التجارية الكبرى إلى إدمان البلاستيك».

خدمة نيويورك تايمز