القدس"وكالات":
كثّفت إسرائيل اليوم حشد قواتها مع بدء استجابة جنود الاحتياط لأوامر الاستدعاء تمهيدا لإطلاق هجوم هدفه السيطرة على مدينة غزة في شمال القطاع الفلسطيني المحاصر والمدمّر بعد قرابة عامين من الحرب مع حركة حماس.
وبدأ عشرات الآلاف من جنود الاحتياط الإسرائيليين الالتحاق بالخدمة اليوم قبل الهجوم الجديد على مدينة غزة الذي يريد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تسريع وتيرته رغم تحذير ضباط كبار.
وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن نحو 40 ألف جندي احتياط سيلتحقون بالخدمة من أجل الهجوم على مدينة غزة. وقال الجيش إنه يستعد من الناحية اللوجستية لاستيعاب جنود الاحتياط قبل الهجوم.
ووافق مجلس الوزراء الأمني برئاسة نتنياهو الشهر الماضي على خطة توسيع الحملة في قطاع غزة بهدف السيطرة على مدينة غزة، حيث خاضت القوات الإسرائيلية اشتباكات شرسة مع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في المراحل الأولى من الحرب. وتسيطر إسرائيل حاليا على نحو 75 بالمئة من قطاع غزة.
وشهد اجتماع لمجلس الوزراء الأمني الاسرائيلي في وقت متأخر من الأحد مشادات بين نتنياهو والوزراء الذين يريدون المضي قدما في الهجوم على مدينة غزة وبين رئيس أركان الجيش إيال زامير الذي يحث السياسيين على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
ونقل أربعة وزراء ومسؤولان عسكريان حضروا الاجتماع عن زامير القول إن الحملة ستعرض الرهائن للخطر وتضع المزيد من الضغط على الجيش المنهك بالفعل.
ويأتي ذلك بعد خلاف مماثل بين زامير وحكومة نتنياهو الشهر الماضي. وقال نتنياهو في 20 أغسطس إنه أصدر تعليمات بتسريع الجدول الزمني للسيطرة على مدينة غزة، لكن مصدرا مقربا من نتنياهو ومسؤولا عسكريا ذكرا أن الجيش حذر في اليوم التالي من تعريض الرهائن للخطر وقال إنه لا يمكنه بدء الحملة قبل شهرين على الأقل.
وكان السبب الرئيسي لدى الجيش هو الحاجة إلى مزيد من الوقت للجهود الإنسانية. إلا أن استطلاعات رأي أظهرت أن نسبة كبيرة من جنود الاحتياط غير راضين عن خطط الحكومة، إذ اتخذ البعض خطوة غير اعتيادية باتهام الحكومة علنا بأنها تفتقر إلى استراتيجية متماسكة بشأن غزة أو خطة لما بعد الحرب في القطاع أو مقاييس واضحة للانتصار.
وقال أحد جنود الاحتياط الذين يخدمون في غزة منذ السابع من أكتوبر، متحدثا شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث علنا "لا أشعر حقا بأنني أقوم بشيء يضغط على حماس بدرجة تحملها على إطلاق سراح الرهائن".
وتمضي اسرائيل في الخطة التي أقرتها للسيطرة على المدينة الأكبر في القطاع، رغم تزايد الضغوط الدولية والداخلية التي تدعوها لإنهاء الحرب في غزة حيث أعلنت الأمم المتحدة المجاعة الشهر الماضي.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن نحو 40 ألف جندي احتياط تم استدعاؤهم ضمن الدفعة الأولى من التعبئة.
وبحسب مسؤول عسكري إسرائيلي، فإن القوات التي ستقود المرحلة المقبلة من العمليات في غزة ستكون من القوات النظامية وليس من الاحتياط.
من جهة أخرى أفاد الدفاع المدني عن استشهاد ما لا يقل عن 65 شخصا بنيران إسرائيلية في مختلف أنحاء القطاع منذ فجر اليوم الثلاثاء، مع تكثيف إسرائيل منذ أيام القصف على مدينة غزة.
وفي آخر تحديث له، أفاد المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل بأنه تم "نقل 65 شهيدا في قطاع غزة في قصف الاحتلال منذ الفجر".
ومن بينهم 13 شخصا استشهدوا في "استهداف طائرات الاحتلال الطابق الأخير من عمارة تعود لعائلة العشي.. غرب حي تل الهوى" في جنوب غرب مدينة غزة.
وبحسب بصل أيضا تم "انتشال 11 شهيدا من تحت الركام بينهم 3 أطفال وسيدتان ... في مجزرة جديدة في حي الدرج" شرق مدينة غزة.
وأظهرت لقطات عقب الغارة في حي تل الهوى، دمارا هائلا في إحدى الشقق السكنية حيث كان عمال الإغاثة والسكان يبحثون عن عالقين بين الركام، قبل أن ينتشلوا جثمان طفل.
وقالت سناء الدريملي وهي من سكان الحي "كنا نائمين في بيوتنا آمنين، صحونا على صوت القصف والدمار لنجد كل جيراننا مستشهدين ومصابين".
وأضافت "كلهم جثث هامدة، ما ذنب هؤلاء الأطفال، ماذا فعلنا لنتعرض لكل هذا".
وخارج مجمع الشفاء الطبي في المدينة، كان سكان يلقون نظرة الوداع على ضحايا الضربات الإسرائيلية الذين ملأت جثامينهم ثلاجة الموتى وأرضية الغرفة حيث تتواجد.
والأسبوع الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي مدينة غزة "منطقة قتال خطيرة" وأكد أن إخلائها من سكانها "لا مفر منه".
واعتبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن إخلاء جماعيا للمدينة أمر "مستحيل"، وأن خطط الإجلاء "ليست غير قابلة للتنفيذ فحسب بل لا يمكن فهمها".
واضطرت الغالبية العظمى من سكان القطاع الذين يزيد تعدادهم على مليوني نسمة، للنزوح مرة واحدة على الأقل خلال الحرب.
ويبدو أن هذا الأمر يؤرق آمال عبد العال (60 عاما) التي تقول إنها لا تملك القوة ولا القدرة المالية للنزوح.
وأضافت السيدة التي نزحت مؤخرا من شرق مدينة غزة إلى خيمة في غربها "تعبنا جسديا ونفسيا من النزوح ومن الحرب".
ووضحت "لا يمكننا المشي على أقدامنا للنزوح للجنوب ولا نمتلك ألف دولار للدفع لسيارة لتنقلنا هناك، نحتاج سيارتين على الأقل لنقلنا ونقل الخيمة وأغراضنا، لا مكان نذهب إليه ولا وسيلة لذلك".
أما خليل المدهون (37 عاما) والذي يسكن في شقة مدمرة غرب مدينة غزة فيقول "أشعر بالعجز واليأس، الوضع يزداد سوءا في غزة كل يوم، ذهبت مرتين للجنوب للبحث عن مكان لنصب خيمة لكني لم أجد، الوسط والجنوب مكتظان تماما".
وأضاف "نتابع الأخبار وننتظر أن تحدث معجزة ويتم إعلان هدنة بدل احتلال غزة، الجميع يشعر بالخوف، كأننا ننتظر اللحظة الصفر للموت".
وتقدّر الأمم المتحدة أنّ عدد سكّان محافظة غزة التي تضم مدينة غزة والمناطق المحيطة بها يصل إلى نحو مليون نسمة، علما بأن آلاف السكان نزحوا من المدينة.