يبرز مسجد العقبة، المعروف أيضًا بمسجد "ذو القبلتين"، على سفح جبل الناصري بولاية إبراء بشمال الشرقية كواحد من المعالم الدينية والتاريخية البارزة، وهذا البناء العتيق يتجاوز كونه مجرد مكان للصلاة؛ فهو رمز ثقافي يجسد التحولات الروحية والتاريخية التي شهدها الإسلام، ويحكي المسجد قصة القبلة التي تغيرت، ويعكس عمق الروابط بين عُمان ومواقع الإسلام الأولى.
ويمتاز مسجد العقبة بخصوصيته المعمارية، حيث يضم محرابين يوجهان إلى قبلتين، مما يثري تجربته الروحية؛ لكن المسجد لا يمثل فقط بعدًا روحيًا، بل يعد أيضًا رمزًا لوحدة الولاية وشاهدًا على تاريخ إبراء الغني، الذي كان مأهولًا قبل بعثة الإسلام، وبُني المسجد بيد أبناء الجيل الأول من المنطقة في موقع استراتيجي على حافة الوادي الغربي، مما منحه طابعًا طبيعيًا يزداد تألقًا مع مرور الزمن.
ويعد مسجد "العقبة" معلمًا دينيًا أثريًا نادرًا وفريدًا، يحمل في طياته قصة معقدة من التحولات الروحية والتاريخية، وسُمّي المسجد بهذا الاسم تيمّنًا بموقعه الجغرافي المميز، بينما يُعرف أيضًا بلقب "ذو القبلتين" لاحتوائه على محرابين: أحدهما يوجه نحو المسجد الأقصى، والآخر نحو الكعبة المشرفة، وهو ما يعد استثنائيًا في العمارة الإسلامية، حيث لم يُزل المحراب القديم عند إضافة الثاني.
وهذا المسجد، الذي يعد شاهدًا على أن ولاية إبراء كانت جزءًا من أولويات المسلمين بعد النبوة، يستقطب الزوار والمهتمين بالتاريخ الإسلامي والمعماري، ورغم عوامل الزمن والتقلبات المناخية، لا تزال جدرانه الجانبية قائمة، تروي قصة صموده عبر العصور، وأصبحت أطلاله مقصدًا للباحثين والزائرين، حيث يعكس المعلم قوة التراث وعمق الانتماء.
ويتحدث سعيد بن ناصر الحارثي أحد أبناء المنطقة المهتمين بالتراث المحلي، عن رمزية المسجد، مشيرًا إلى أنه "يُعتقد أن المسجد بُني قبل تحويل القبلة في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو أنه جاء محاكاة لتلك المرحلة، مما يعكس عمق الرمزية الدينية"، موضحًا أن الاهتمام الشعبي بالمكان واضح، حيث يعد المسجد رمزًا لحياة الأهالي الروحية، ويعبر المواطنون عن أملهم في أن تعتني الجهات الرسمية بالبنية الأساسية المؤدية إليه، ويقترح عدد من سكان المنطقة إدراجه ضمن المسارات السياحية والتراثية لتعريف الزوار بتاريخ ولاية إبراء الغني.
ويؤكد هشام بن سعيد السيابي أحد سكان ولاية إبراء، أهمية مسجد العقبة، المعروف أيضًا بمسجد "ذو القبلتين"، كموقع أثري فريد، ويقول السيابي: على الرغم من مكانته المميزة، إلا أنه لا توجد معلومات موثوقة حتى الآن عن بدء أي مشروع ترميم أو توثيق رسمي للمسجد، وهذا الأمر يعد أولوية ملحة، نظرًا لندرة المعلم وتفرده.
ويضيف: لقد ورثنا حكاية تسميته بـ"ذو القبلتين" عبر الأجيال، مما يعزز مكانته كرمز ثقافي. ومع ذلك، يفتقر المسجد إلى أي ملامح تدل على استغلاله سياحيًا، فهو يمثل رمزًا رسميًا لولاية إبراء، ويجسد الفخر والولاء لدى الأهالي، ويجذب الزوار المهتمين بالتاريخ والتراث الإسلامي، لكن على الرغم من صموده، يبدو وكأنه معلم مهجور، ويحتاج إلى جهود ملموسة لإبرازه وتحسين حالته. وحديث السيابي يعكس إحباط المجتمع المحلي إزاء غياب الدعم الرسمي، مما يثير تساؤلات حول كيفية الحفاظ على هذا المعلم الثمين وتعزيز دوره كوجهة سياحية.
من جهته، يتحدث سليم بن سالم السوطي عن مسجد "ذو القبلتين" كأول مظهر ديني إسلامي في المنطقة، مشيرًا إلى أنه معلم بارز يدل على أن إبراء "وُلدت قبل الإسلام"؛ لكنه يلفت الانتباه إلى غياب اللوحة التعريفية الخاصة بالمسجد، قائلًا: يجب أن تكون هناك لوائح إرشادية توضح اسم المسجد، وسبب تسميته، وبعض المعلومات المهمة عنه، التي قد توجد في كتب وموسوعات عُمانية، إلى جانب الاهتمام بإنارة المسجد، مشيرًا إلى أن موقعه على حافة الجبل يمكن أن يضفي عليه سحرًا خاصًا في الليل. وقال: أرى أن هذا المسجد الأثري جدير بالتطوير والتحسين.
من جانبه، يعبّر كنان بن سالم المسكري عن تطلعاته للدعم المؤسسي، مشددًا على ضرورة الرعاية الحكومية من وزارة التراث والسياحة أو وزارة الأوقاف والشؤون الدينية. ويقول: يجب أن يُنظر إلى المسجد كجزء لا يتجزأ من هوية ولاية إبراء وتراثها، وينبغي الحفاظ على الأسلوب المعماري للمسجد، بمحرابيه الجديد والقديم، ليصبح الموقع مقصدًا للزيارات التعليمية والسياحية.
ويختتم قائلًا: يعد مسجد "ذو القبلتين" في ولاية إبراء أحد المعالم الدينية البارزة في محافظة شمال الشرقية، ويجسد جانبًا من العمق الحضاري والروحي في المنطقة، ويظل شاهدًا على التاريخ الإسلامي الغني، ومقصدًا للمصلين والمهتمين بالتراث على حد سواء، مما يعكس نمطًا أصيلًا لهوية الولاية.