يوتام فيلك

في السابع من أكتوبر 2023، حين تكشّف حجم ما ارتكبته حماس في إسرائيل، ذهبنا إلى الحرب. كان الألم بالنسبة لنا في الجيش لا يُحتمل. الإحساس بأننا أخفقنا في حماية أحبائنا التهمني من الداخل. مدفوعين بالغضب والذنب، خضنا القتال ضد حركة لا ترحم. 

قاتلت في غزة عاما كاملا، أولا كقائد فصيل دبابات، ثم كنائب لقائد سرية. قدت مناورات برية داخل القطاع، سيطرت على معاقل تابعة لحماس، وأسهمت في تفكيك أنفاقها ومستودعات أسلحتها ومراكز قيادتها. يوما بعد يوم، مدفوعا بالواجب، واجهت حقيقة الحرب الصارخة: الموت والدمار عن قرب، ثقل القرارات التي لا رجعة فيها، والمطالبة المستمرة بالتصرف بوضوح تحت النيران. 

ومع مرور الوقت، برزت حقيقة أخرى قاسية: دولتنا نفسها فقدت بوصلتها. إن كنا قد دخلنا الحرب في السابع من أكتوبر لإنقاذ ما هو أعز علينا، فقد تبيّن لي سريعا أننا نقاتل لأن قادتنا لم ينووا التوقف قط. كانت حربا يشنها شعبويون قوميون رفضوا دفع الثمن السياسي اللازم لاتخاذ القرارات التي تُنهي الحرب، وبدلا من ذلك طالبونا نحن الجنود، والرهائن، والفلسطينيين، بدفع هذا الثمن بالدم. 

تحولت غزة إلى منطقة خارجة عن القانون، بغياب شبه كامل لأي رقابة فعّالة على الجيش، وانعدام شبه تام للمساءلة الفردية للجنود. وجدنا أنفسنا نخوض حربا بلا جدول زمني، وبلا أهداف قابلة للتحقيق، وبلا استراتيجية خروج ــ وضعٌ يقوّض فكرة الدولة الحديثة. 

في التاسع من أكتوبر 2024، أصدر عدد من جنود قوات الدفاع الإسرائيلية، كنت من بينهم، رسالة علنية نعلن فيها أن خدمتنا باتت غير محتملة في ضوء سياسة إسرائيل في غزة، وتزايد الأدلة على أن الحكومة كانت تتعمّد تخريب صفقات تبادل الرهائن. وعلى الفور، أوقفني قائد لوائي عن العمل في وحدتي، رغم احتجاجات الجنود الذين أخضعهم لقيادتي. 

واليوم، فيما تدعو الحكومة عشرات الآلاف من جنود الاحتياط للمشاركة في إعادة احتلال مدينة غزة على نحو قاس، أناشد رفاقي الجنود: ارفضوا تلبية النداء. لقد توقف آلاف بالفعل عن الالتحاق. بعضهم زُجّ به في السجن. كثيرون ما زالوا صامتين. الآن هو وقت الكلام. إنه واجبكم. 

على كل من يهتم بمستقبل إسرائيل أن يفهم أن الأمر لا يتعلق بالأرواح وحدها، بل بجوهر الفكرة الإسرائيلية ذاتها. فإذا واصلنا هذا المسار وأمسكنا بزمام السيطرة الدائمة على غزة، فلن يبقى شيء من الرؤية الهشّة لديمقراطية ليبرالية كانت يوما ما تُعرِّف هذه الدولة. تحت حكم شعبوي قومي متهور يتنكر لحدود سلطته، لا مستقبل قابلا للاستمرار لإسرائيل. كل من يحب إسرائيل، البلد الذي عرف ذات يوم كيف ينجو من المستحيل، يجب أن يفعل كل ما بوسعه ليجنبنا هذا الاصطدام المريع. 

إن الرفض العلني للخدمة العسكرية فعل يكاد يكون مستحيلا في المجتمع الإسرائيلي، نظرا للمكانة المركزية للجيش في هويتنا الوطنية وكيفية تشكيله لنا كأفراد. لكن إيماني يستند إلى بديهية في أي ديمقراطية: القوة العسكرية أداة مهمة، لكنها خطرة. الغرض منها أن تخدم الأهداف السياسية لا أن تحل محلها. وفي اللحظة التي تصبح فيها القوة غاية في ذاتها، فإنها لا تجلب سوى الدمار. 

إن خطة إعادة احتلال مدينة غزة ليست خطوة عسكرية محسوبة، بل عرض لمرض الإدمان على الاحتلال من قِبل حكومة لا تعرف سوى الهدم، ولا تعرف البناء. إعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي عن إعادة الوفد الإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات لم يكن سوى جزء من نمط مألوف. في كل مرة يشتد فيها الاحتجاج الشعبي، يعلن عن تقدم أو عن استئناف المحادثات، ثم يترك العملية تنهار من جديد. والسؤال الحقيقي هو: لماذا تغادر إسرائيل الطاولة أصلا؟ ولماذا نُقاد بدلا من أن نقود؟ تواصل الحكومة الإسرائيلية بيع هدف أجوف للرأي العام -«النصر الكامل»- كما لو كان استراتيجية لا مجرّد دعاية. كل من يفتح عينيه يدرك أنه كذبة. فحماس، كتنظيم حاكم أو عسكري، هُزمت منذ زمن طويل؛ وأكاد أجزم أن كل مسؤول أمني رفيع يعرف ذلك. معظم الإسرائيليين، وبينهم كثير من الجنود في الخدمة الفعلية، يعارضون هذا المسار المتهور ــ بما في ذلك رئيس أركان الجيش نفسه الذي عبّر علنا عن رفضه لإعادة احتلال غزة. 

من الواضح للجميع أن هذه الحرب ستنتهي بصفقة. كل تأخير يعني مزيدا من الضحايا، وزيادة احتمالات ألا يعود الرهائن أحياء، ومزيدا من تآكل مكانة إسرائيل لدى الوسطاء والشركاء الدوليين. 

في مواجهة هذا الشعبوية، وفي مواجهة حكومة بلا تفويض أخلاقي أو سياسي لقيادة إسرائيل، لا يمكن أن يفرض تغيير المسار سوى الاحتجاج الشعبي ــ وخاصة من جنود الاحتياط. ففي لحظات الأزمات الوطنية، نشأت حركات رفض ساعدت في النهاية المجتمعات على مواجهة سياسات كارثية. وهي تبرهن أن من يملك الاستعداد لدفع ثمن شخصي لكشف الكذبة، هو وحده من يمكنه أن يقاتل حقا من أجل الحقيقة. وقد حدث ذلك من قبل في إسرائيل، خلال حرب لبنان عام 1982، وأثناء الانتفاضة الثانية بين عامي 2000 و2005، وفي الولايات المتحدة خلال حرب فيتنام. الوزراء لا يدفعون أي ثمن. نحن، الجنود، ومعنا كثيرون غيرنا، من ندفع الثمن. 

أنا صهيوني. لإسرائيل الحق في صدّ خصومها. لست مسالما ولا أندم على القتال. لكن تحديدا لهذا السبب أدركت الآن هذه الحقيقة: أن تكون شجاعا اليوم يعني أن تتوقف، أن تقول: «كفى». مع مقتل أكثر من 60 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، وفقا لسلطات الصحة في غزة، وتفاقم الجوع في القطاع، وبقاء الرهائن الإسرائيليين يقاسون منذ ما يقارب العامين، تكون هذه الحرب قد تجاوزت كل الحدود. لم يعد هناك هدف يستحق تحقيقه بإطالة أمدها. 

كل صهيوني يؤمن بدولة يهودية وديمقراطية، كل مواطن يؤمن بالقيم التي من أجلها ذهبنا لنقاتل، عليه أن يدرك أن المسؤولية بين أيدينا. الآن هو وقت أن نقول لا للتواطؤ. لا للرضوخ الصامت. رفض الخدمة ليس خيانة للدولة. الرفض هو السبيل الوحيد لإنقاذها. 

 يوتام فيلك نقيب احتياط في قوات الدفاع الإسرائيلية وعضو في منظمة «جنود من أجل الرهائن»، التي تضم قدامى المقاتلين الذين خدموا في غزة ويرفضون العودة إليها. 

  خدمة نيويورك تايمز 

   تمت الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي