ترجمة: أحمد شافعي 

فيما يحتدم الجدل حول مزاعم الإبادة الجماعية في غزة ثمة مكان آخر تبدو جميع الأطراف داخل الولايات المتحدة متفقة على أن إبادة جماعية تجري فيه، غير أننا تتجاهله إلى حد كبير. 

ذلك هو السودان، ولعله موقع أسوأ أزمة إنسانية في العالم اليوم؛ فقد أعلنت رسميا المجاعة هناك في العام الماضي. وتفيد الأمم المتحدة بأن قرابة خمسة وعشرين مليون سودانيا يواجهون الجوع الفائق، وأن ما لا يقل عن اثني عشر مليونا اضطروا إلى الفرار من بيوتهم؛ بسبب الحرب الأهلية. ويقول لي توم بيريلو ـ الذي كان مبعوث الولايات المتحدة الخاص للسودان حتى العام الماضي: إنه يعتقد أن حصيلة الموتى حتى الآن تجاوزت أربعمائة ألف. 

في يناير أعلنت إدارة بايدن رسميا أن القتل في السودان يمثل إبادة جماعية. وفي أبريل وصفت إدارة ترامب أيضا المجزرة في السودان بالإبادة الجماعية، وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية لي أنها ترى الوضع في السودان إبادة جماعية. 

ومن ثم فإن لدينا اتفاقا من الحزبين في الولايات المتحدة على أن السودان يعاني من إبادة جماعية ومجاعة، ويبدو أن لدينا اتفاقا من الحزبين أيضا على التقاعس عن العمل؛ فقد كانت إدارة بايدن سلبية للغاية، وكذلك إدارة ترامب الآن. ويقوم الرئيس ترامب فعليا بتخفيض مساعدات السودان للعام الحالي ليزيد من عدد الأطفال الذين سيتضورون جوعا. 

ومهما يكن ظنكم في الأزمة الإنسانية في غزة ـ ومن جهتي لم أدخر انتقادا لأفعال إسرائيل، وتواطؤ أمريكا في القصف والتجويع هناك ـ فعلينا أن نقر بعجزنا الجماعي عن معالجة هذه الأزمة الأخرى ذات حصيلة الموت الأكبر حجما. ولا ينبغي حسبانها تشتيتا للاهتمام عن الأزمة الأخرى؛ فلدينا متسع أخلاقي يجعلنا نرتاع من جسامة المعاناة في السودان وفي غزة على السواء. 

هذا، والعجز عالمي؛ فالبلاد العربية والأفريقية فعلت من أجل مفاقمة المعاناة في السودان أكثر مما فعلت لتخفيفها. وقد أعلنت الأمم المتحدة في عام 2005 «مسئولية حماية» المدنيين ممن يعانون الأهوال، لكن هذه اللغة الجليلة تبدو محض بديل للعمل لا دافعا إليه. 

يصف الناجون تطهيرا عرقيا يوشك أن يستحيل تصوره؛ فعلى الحدود بين السودان وتشاد في العام الماضي حكت لي امرأة تدعى مريم سليمان أن الميلشيات العربية قامت بصف جميع الرجال والصبيان ممن تتجاوز أعمارهم عشرة أعوام في قريتها، وقتلتهم جميعا، ثم اغتصبت النساء والفتيات. واستهدف المقاتلون ذوو البشرة الفاتحة جماعتها العرقية الأفريقية السوداء -حسبما قالت-، ونقلت عن قائد الميلشيا قوله: «إننا لا نريد أن نرى أي وجوه سوداء». 

وهذه المجازر العرقية صدى للإبادة الجماعية في دارفور قبل عقدين في غرب السودان. وما من فارق إلا أن الاهتمام هذه المرة أقل كثيرا، وأن العجز تام للإرادة السياسية للاستجابة. 

قال أنطوني ليك الذي كان مستشارا للأمن الوطني في إدارة الرئيس بيل كلينتن ثم رئيسا لليونيسيف: إن «غزة ـ والوضع فيها رهيب ـ سوف تظل أضخم، وبعيدة إلى حد كبير عن العدسات». 

وقبل عقدين من الزمن قام كوفي عنان أمين عام الأمم المتحدة آنذاك بزيارة دارفور (وساعد في تهريبي إليها)، وضغط من أجل تخفيف الأزمة بمفاوضات وقوات حفظ سلام. وقال أمين عام الأمم المتحدة الحالي أنطونيو جوتريتش في فبراير: إن على العالم ألا يدير ظهره للسودان، لكنني أتصور أحيانا أنه شخصيا قد أدار ظهره له. 

إن القتل والتجويع في السودان نتيجتان لصراع منذ سنتين بين جنرالين متحاربين؛ فثمة فصيل هو القوات المسلحة السودانية، وفصيل آخر يدعى قوات الدعم السريع. وكلاهما تصرف بقسوة؛ إذ قام بتجويع المدنيين، وأعاق الجهود الإنسانية لمساعدة الجياع. 

قالت سيندي مكين المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي في الأمم المتحدة التي تعرضت ثلاث من شاحنات نقل المساعدات الغذائية التابعة لها للتدمير هذا الشهر بضربات طائرات مسيرة: «إننا معاقون عن الوصول إلى الجياع، ونتعرض للهجوم عند المحاولة». 

ويقول عمال الإغاثة: إنه في حين أن كلا الطرفين ارتكب جرائم حرب؛ فإن قوات الدعم السريع مسؤولة عن أسوأ الأعمال الوحشية من قبيل إحراق قرى بأكملها، وارتكاب مجازر، واغتصاب المدنيات. 

وثمة غرباء يديمون الحرب بتسلح الفريقين؛ فدولة خليجية -بشكل خاص، ورغم إنكارها- تبدو الداعم الأساسي لقوات الدعم السريع، والممول لحملة فظائعها. 

وفي حين رفضت إدارة بايدن تحميلها المسؤولية، وتحذو إدارة ترامب الآن حذوها فقد أبدى الكونجرس قدرا أكبر من القيادة؛ إذ يضغط بعض الأعضاء فيه من أجل حظر صفقات الأسلحة إليها طالما استمرت في تمكين أعمال الاغتصاب والقتل الجماعية. وهذا ضغط نافع؛ فهي دولة تحرص على سمعتها، وقد سبق أن دفعها الضغط العام إلى الانسحاب من حرب كارثية في اليمن. 

ما الذي يمكن أن يفعله ترامب؟ سيكون من المفيد أن يدعو الدولة الداعمة إلى قطع دعمها لقوات الدعم السريع، أو إنهاء الأعمال الوحشية على الأقل. وبوسعه أن يعين مبعوثا خاصا للسودان. وبوسعه أن يزيد الدعم الأمريكي لبرامج المساعدة السودانية الشعبية من قبيل غرفة الاستجابة للطوارئ التي تدير المطابخ الجماعية. 

سوف يجتمع قادة العالم في الأمم المتحدة في سبتمبر؛ لتكرار لغوهم عن جعل العالم مكانا أفضل، ويمكن اختبار صدقهم فيما يقولون بما سيفعلونه من أجل مدينة كبيرة في السودان هي الفاشر التي تحاصرها قوات الدعم السريع، وتواجه التجويع. 

ويخشى مراقبو الوضع في السودان من سقوط الفاشر؛ إذ ستنخرط قوات الدعم السريع في أعمال قتل واغتصاب جماعية بها مثلما سبق أن فعلت في أماكن أخرى. 

وقد نقلت نشرة أخبار «آفاز سودان ديسباتش»المعنية بمتابعة السودان عن أحد المدنيين في المدينة قوله: «إننا في الفاشر نتضور جوعا. والمسؤولية لا تقع فقط على عاتق من يحملون السلاح، إنما على العالم، وعلى البلاد العربية، وعلى الاتحاد الأفريقي، وأوروبا، وما يعرف بالمجتمع الدولي عليهم جميعا». 

وأضاف المدني: «إننا نعلم أنهم قادرون على المساعدة. نعلم أن لديهم القدرة على إسقاط الطعام من الطائرات، ولديهم الطائرات، ولديهم الإمدادات، لكنهم يختارون ألا يفعلوا هذا». 

 نيكولاس كريستوف من كتاب الأعمدة في نيويورك تايمز منذ 2001. 

  خدمة نيويورك تايمز