لا تزال كلمة «الديون» تثير أحكامًا أخلاقية قاسية في مجتمعنا، إذ يُنظر إليها غالبًا كدليل على سوء الإدارة المالية أو انعدام المسؤولية. هذه الأحكام القاسية غير عادلة وتتجاهل الظروف المعقدة التي يمر بها الكثيرون. لقد أصبحت الديون ضرورة لا مفر منها في عالم اليوم، حيث تتزايد التكاليف والمسؤوليات، مما يضطر الكثيرين للاقتراض لسد احتياجاتهم الأساسية أو تحقيق طموحاتهم. 

وراء كل شخص مديون قصة فريدة، لا يمكن اختصارها في حكم سطحي. صحيح أن البعض قد يلجأ إلى الدين من أجل الكماليات، لكن الكثيرين يجدون فيه وسيلة للبقاء في مواجهة ظروف قاسية كفقدان الوظيفة، أو ارتفاع تكاليف المعيشة، أو الظروف العائلية الطارئة. بدلًا من توجيه أصابع الاتهام، يجب علينا أن نفتح بابًا للتعاطف والتفهم، وأن ندرك أن الديون قد تكون أحيانًا نتيجة حكمة وبصيرة، وليس تبذيرًا. 

لقد شرع ديننا الإسلامي الحنيف الدين ووضع له ضوابط وأحكامًا، وجعله وسيلةً للتكافل الاجتماعي وسد حاجة المسلمين. البعض يستدل بتعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من الدين، لكن هذا التعوذ لم يكن لأنه شر مطلق، بل لخطورته وعِظم المسؤولية المترتبة عليه، كما في قوله: «إن الرجل إذا غَرِمَ حدّث فكذب، ووعد فأخلف». هذا الحديث لم يكن تحذيرًا لمنع الاقتراض، بل لتأكيد أهمية الوفاء بالعهود المالية. في المقابل، حثّ الإسلام على إقراض المحتاج، واعتبره من أعظم القربات إلى الله تعالى. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من نَفَّسَ عن مؤمن كربة من كُرَب الدنيا، نَفَّسَ الله عنه كربة من كرب يوم القيامة». هذا يؤكد أن الديون وسيلة مساعدة، وأن التعاطف مع المدين جزء من قيمنا الإسلامية. 

إن العلاقة الصحية مع المال تتجاوز مجرد الأرقام، لتشمل الفهم العميق للظروف الإنسانية. الأحكام القاسية على المدينين تنبع غالبًا من نقص الوعي لتعقيدات الحياة المالية. فبدلًا من أن نحكم على الآخرين، يمكننا أن نقدم الدعم والمشورة، وأن نساعد في بناء ثقافة مالية أكثر تسامحًا ووعيًا. الدين هو التزام أخلاقي وقانوني، والوفاء به مسؤولية يجب على المدين الالتزام بها. لكن هذا لا يمنح المجتمع الحق في إصدار أحكام قاسية على شخص لم يكن لديه خيار آخر سوى الاقتراض من أجل البقاء، أو من أجل تحقيق طموح نبيل. دعونا نرى الديون كأداة، لا كوصمة عار. 

حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية