استطلاع ـ فيصل بن سعيد العلوي

يتنفس الأدب في سلطنة عمان من فضاءات متعددة؛ فمن منابر الثقافة إلى الصفحات الثقافية في الصحف يقف المعلم الكاتب أيضا في الفصول الدراسية بين السبورة والدفتر في حوار حي مع طلابه شاهدا على تشكّل البذور الأولى لمواهب دفينة تبحث عن الاستكشاف، فهو يعيش تجربة مركبة يتوزع فيها بين إعداد الدرس وتجويد النص.. بين لغة القواعد وإيقاع الشعر، بين واجبات التصحيح وشغف الكتابة. 

في هذا الاستطلاع ومع بداية العام الدراسي نفتح نافذة على تجارب عدد من المعلمين الأدباء؛ لنرى كيف يتجاور التدريس مع الكتابة، وكيف تتحول قاعة الصف أحيانا إلى مختبر أدبي يفيض بالمفاجآت والأسئلة بين من يرى في الأدب روحا تحركه، ومن تعتبر أن تجربتها مع الطالبات أعطت النص حياة أخرى، ومن يتوقف عند لحظات غير رسمية تكشف عن مواهب دفينة، ومن يستعيد موقفا طريفا يختصر العلاقة بين الشعر والتعليم.. جميعهم يشتركون في قناعة واحدة وهي أن الكلمة قادرة على أن تضيء الدرب داخل الفصل كما تفعل خارجه. 

**media[3113662]**

بداية يؤكد الشاعر صالح بن سعيد الريسي أن الكتابة لم تكن مرتبطة بمهنة التدريس؛ فالموهبة في رأيه هبة فطرية تولد مع الإنسان، وتنتظر اللحظة التي تتفتح فيها، وقد كان الاطلاع على الأدب بالنسبة إليه نافذة أساسية فتحت أمامه طريق الكتابة، وجعلته يعي أن القراءة المستمرة ليست ترفا، بل هي فعل تأسيسي يرسخ أدوات الكاتب؛ لذلك يرى أن الموهبة الأدبية لا تحتاج إلى زمن محدد كي تولد، لكنها تحتاج إلى عناية وصبر وفي بعض الأحيان قد تعززها الدراسة إذا ما ارتبطت بها بصورة صحيحة غير أن العلاقة بين المجالين ـ التدريس والكتابة ـ تبقى علاقة متوازية أكثر من كونها متداخلة. 

فالعمل في التدريس يفرض التزامات يومية كثيرة، وهو لا يترك في العادة مساحة واسعة للانغماس الكامل في الكتابة، ومع ذلك فإن التجربة الصفية ليست بعيدة تماما عن الأدب، ففي أوقات الفراغ أو في مساحات غير رسمية يتيح «الريسي» لنفسه ولطلبته الدخول في مناقشة نص أو تجربة إبداعية، وغالبا ما تنجلي من تلك الجلسات الودية مفاجآت تكشف عن مواهب دفينة؛ فقد صادف طلابا لديهم ميول واضحة للاختراع، وآخرين برزت عندهم طاقات كتابية، وهناك من اكتشف نفسه شاعرا أو قاصا بعد أن شجعه المعلم على خوض التجربة، وبعضهم مضى لاحقا في طريق النقد الأدبي، وهذا ما جعل سنوات التدريس الطويلة غنية بلحظات تكشف أن الحصص ليست مادة علمية جافة، لكنها فضاء لإثارة الأسئلة، وفتح العقول على احتمالات شتى. 

ويعتبر «الريسي» أن هذه اللحظات التي لا تدخل في الخطة الرسمية للتدريس هي الأكثر ثراء؛ لأنها تتيح للمعلم أن يقترب من الطالب بصفته إنسانا له اهتمامات وميول، وفي الوقت نفسه تمنح الطالب مساحة ليشعر بأن معلمه لا يقتصر دوره على الشرح والتحضير، وإنما يمتد إلى دور المرشد والناصح، وهكذا تنشأ علاقة قائمة على الاحترام والثقة المتبادلة، علاقة يرى قادرة على أن تفتح أمام الشباب أفقا مختلفا يجعل الأدب والقراءة خيارا حيا في حياتهم اليومية، لا مجرد نشاط ثانوي. 

ومن خلال هذه الخبرة المتراكمة يؤكد الشاعر صالح بن سعيد الريسي أن توجيه الطلبة نحو بعض العناوين والكتب المفيدة لا يعني صرفهم عن مسار التعليم أو إثقالهم بما لا يحتملون، بل هو نوع من الإرشاد الذي يوازن بين متطلبات الدراسة واحتياجات الموهبة، وهو يعتقد أن هذا التوازن هو ما يصنع الفارق في شخصية الطالب ويجعله أكثر وعيا؛ إذ يدرك أن التحصيل العلمي لا يتعارض مع شغف الأدب، بل يمكن أن يتكامل معه على نحو مثمر، وهذه المعادلة في رأيه أجمل ما يمكن أن يعيشه المعلم والأديب في آن واحد؛ لأنها تخلق جسرا بين الصف الدراسي وعالم الكتابة، وتمنح الطرفين طاقة متجددة للبحث والاكتشاف. 

التوجيه نحو الحوار 

**media[3113660]**

من جانبه يرى الشاعر الدكتور عبد الله الكعبي أن الأدب هو الروح التي تحركه، وأن تدريس الأدب تجربة ممتعة تمنحه تماسّا مباشرا مع المتلقي؛ فالطالب ـ كما يقول ـ جزء أصيل من حياة النص، والمعلم هو الواصل الذي يتكفّل بعملية التحليل كي يصل النص إلى عقل الطالب وقلبه. وهذه النماذج بين العناصر كلها جعلته يراجع نفسه في كتابة الشعر، وفتحت أمامه آفاقا جديدة؛ إذ صار أكثر وعيا بطبيعة التلقي، وبالطريقة التي تتحول بها الجملة الشعرية إلى خبرة حسية داخل الصف. 

ويقول «الكعبي»: إنه استفاد في الحصص الدراسية من التعمق في مسائل النحو والعروض والصرف، وكذلك من تعليم البلاغة؛ إذ يوظف هذه المعارف عبر الشواهد والتطبيقات لتكون الحصة أكثر حيوية، ويستعيد من سنته الأولى مع الصف الأول الإعدادي موقفا لا يُنسى يقول عنه: طلب من الطلبة أن يعبّر كلٌّ منهم عن البحر بجملة، فوقف أحدهم وقال: «البحر أمٌّ تحضنني بذراعيها»... عندها أدركت أن تعليم اللغة والأدب ينبغي أن يكون بالتطبيق لا بالتلقين، وأن اللغة تبنى من أفواه الطلاب أنفسهم. 

ومن المواقف اللافتة أيضا ما شاهده في الإذاعة المدرسية؛ فقد كان يتردد على مسامعه أن الشعر العمودي وحده يُستشهد به، وأنه الأسهل حفظا من التفعيلة والنثر، لكنه تفاجأ حين وجد طلابا يحفظون لبدر شاكر السيّاب وأحمد مطر ونزار قباني ومحمود درويش، بل يحفظ بعضهم نصوصا نثرية، ويعرفون الماغوط وسيف الرحبي، وهناك أدرك أن الأجيال تتبدّل بتبدّل معطياتها، وأن واجب المعلّم أن يراعي هذا التغير لا أن يكون وصيا يوجّههم إلى بقعة ضوء واحدة. 

ويشير إلى أن الطلاب صاروا منفتحين على شتى الآداب شعرا ونثرا، وأنهم يتلقّون الكثير من خارج المنهج، وقدرتهم على التوغّل ازدادت مع تنوّع الموارد. ومنذ تلك اللحظة بات مقتنعا بأن بناء المهارة اللغوية لا يتحقق إلا بالممارسة والحوار والسؤال؛ فكثيرا ما يأتونه يستفسرون عن معاني مفردات، أو إعراب تراكيب، أو يناقشون الصور البلاغية. ويظهر هذا الأمر أوضح لدى المميّزين، لكن حتى ذوي المستوى الأقل يطرحون تساؤلات ذكية تدفعه للتفكير في طبيعة اللغة نفسها، ولكن التحدي الأبرز الثبات على نص شعري أو سردي واحد يفرضه المحتوى المقرّر؛ ولذلك كان يقرأ للطلاب، ويصوّر لهم نصوص الشباب العُمانيين؛ ليقارب بينهم وبين بيئتهم الأدبية المعاصرة، بل يطبّق ذلك حتى في الاختبارات؛ لينتقل بالدرس من الملل إلى المتعة. ومع انفتاح الأجيال على الفضاء الأزرق وشاشات الهاتف، وشيوع المنصّات، ومع ظهور الذكاء الاصطناعي؛ بدأ يلاحظ دخول «لغة الهاتف»، و«لغة الشات جي بي تي» الأمر الذي أقلقه بداية، غير أنه وجد الحل ينبع من الطلاب أنفسهم فبعضهم يحاور هذه الأدوات، يسألها عن قصائد المتنبي مثلا، ثم يناقش الإجابة وينتقدها، ويشير إلى مواضع التناقض أو عدم المنطق. ورغم أن هذا النقد ما يزال محدودا، إلا أنه آخذ في الزيادة وهو ما شجّعه على توجيه طلابه إلى الحوار والنقد بدل القبول الآلي. 

موازنة بين رسالتين 

**media[3113661]**

وحول وجهة نظرها تقول القاصة الدكتورة أمل المغيزوية كتبت القصة القصيرة منذ المرحلة المتوسطة (الإعدادية)، وكنت أنشر أعمالي في الجرائد المحلية، وخصّصت دفترا الصق فيه ما يُنشر لي، وأتباهى به أمام معلماتي وزميلاتي. وفي تلك المرحلة قرأت المنفلوطي في «العبرات» و«النظرات»، وتذوّقت كلماته تذوّقا مختلفا. ولمّا لمحت معلماتي اللغة العربية ملكتي في التحليل والتعبير، واطّلعن على قصصي قالت لي إحداهن: «أنتِ فيلسوفة»، فخرجت من قلبي أمنية صادقة بأن أصبح معلمة لغة عربية. 

وبعد تخرّجها في كلية الرستاق اندمجت «المغيزوية» اهتماماتها الأدبية مع فن التدريس صارت معلمة وكاتبة في آنٍ واحد. تكتب عن وجوه طالباتها وأحلامهن الصغيرة، وعن الأحداث التي تقع بين أرصفة المدرسة، وعن الأحزان التي تلمسها بين الكلمات وتراها بين ثنايا الأوراق. فهذه الخبرة الأدبية ـ كما تقول ـ أتاحت لها تقديم الدروس بطريقة سلسة خالية من التعقيد، ودَفعتها إلى توجيه الطالبات للقراءة والاطّلاع عبر ما تقدّمه من معلومات إضافية، ففتحت في نفوسهن منفذا يدفعهن إلى البحث وقراءة الكتب، وتحولت الحصص إلى مكان جاذب بعيدٍ عن الرتابة. 

وما زالت تذكر دعوة إحدى الزميلات لها لتكون ضيفة شرف في حصة دراسية تتحدث فيها عن تجربتها الأدبية أمام الطالبات، وتشير إلى أن الشعور الذي خالجها آنذاك ما يزال حاضرا بطعمه الفخور كلما استحضرت تلك اللحظة. أما عن التأثير الأوسع فتقول: إنها قدّمت في مسيرتها المهنية الأدبية الكثير من المشاغل، وتحدثت في فن القصة القصيرة وكيفية كتابتها، وتستعيد موقف طالبة أرادت أن تكتب القصص دون أن تقرأ؛ لأنها تشعر بالملل عند قراءة أي كتاب! ورغم النقاش الطويل بدا لها أن بعض الراغبات في الكتابة يطلبن اللقب أكثر من طلب المعرفة، وهو ما يثير لديها قلقا حقيقيا؛ فوسائل التواصل الاجتماعي ـ كما ترى ـ حبست كثيرين عن الواقع، وأقامت لدى البعض جدارا فاصلا حال بينه وبين الكتب؛ لذلك تكرّر وصيتها: القراءة، ثم القراءة، ثم الكتابة؛ لأن الإبداع لا يتشكّل من فراغ. 

أما على صعيد التحديات والتوازن، فتذكر أن كثرة الضغوطات وضيق الوقت يبعدان المبدع أحيانا عن الكتابة. فإجازة التربية الرسمية مرتبطة بأشهر محددة، بينما اللحظة الإبداعية لا تُستدرج، ومع ذلك لا يستطيع الأديب العيش بعيدا عن عالمه لذا تحاول دائما أن ترتّب أوقاتها، وتضع تخطيطا ذهنيا زمنيا يناسب ظروفها، فتقدّم حصة متميزة، وتنشر قصة في جريدة، وتقدّم مشغلا أدبيا محافظة على إيقاع يوازن بين رسالتين. 

تجربة متكاملة 

**media[3113665]**

أما الشاعرة مرهونة المقبالية فترى أن البدايات الحقيقية مع الكتابة الشعرية ارتبطت بأواخر مرحلة البكالوريوس في جامعة السلطان قابوس؛ ففي تلك الفترة جاءت المحاولة الأولى على هيئة نص وداعي كتبته لطالبات التخصص في حفل صغير أقيم في قاعة من قاعات السكن الداخلي بالجامعة. وقد تحولت تلك الكلمات البسيطة إلى أنشودة أدتها إحدى الزميلات. ورغم تواضع النص إلا أن أثره في نفسها كان عميقا؛ لأنه فتح نافذة للبوح، وأشعرها أن الكتابة ليست ترفا عابرا، بل بذرة يمكن أن تكبر، ومع دخولها مجال التدريس توقفت فترة عن الكتابة لتعود إليها لاحقا بخطوات أولى عبر المنتديات الأدبية. ومن هناك بدأت الكتابة تتطور رويدا رويدا حتى صارت جزءا من هويتها؛ لذلك تؤكد أن الشعر كان الأسبق في الحضور، وأنها منذ وقت مبكر أدركت أن البيت المنكسر الذي تكتبه طالبة للمرة الأولى ربما يخفي وراءه مشروع شاعرة يستحق الانتباه والرعاية. 

أما تأثير تجربة التعليم على نصوصها فكان موجودا، لكنه ليس مباشرا أو دائما؛ إذ ترى أن الأدب أوسع من حدود المهنة، ومع ذلك تظل بعض ظلال التدريس تترك بصمتها الخفية على ما تكتبه. وفي الصف الدراسي تبدو الخبرة الأدبية حاضرة من خلال التعزيز الشفهي للطلبة، ومنح الدروس بعدا مختلفا يتلون برؤية شاعر يلتفت إلى التفاصيل الدقيقة، ويولي أهمية خاصة للإيقاع والدقة في اختيار الكلمات، وهو ما ينعكس على طريقة الشرح التي قد تستغرق وقتا أطول، لكنها تكشف الجوانب الأعمق، وتدفع الطلبة إلى التساؤل بدل الاكتفاء بالقبول السطحي، وهكذا تتحول المعلومة إلى تجربة متكاملة تفتح العقول على التفكير الناقد، وتربط بين المعرفة والخيال. ومن هذا المنطلق تعتقد أن الخلفية الأدبية تمنح العملية التعليمية روحا إضافية تجعلها أكثر قربا من الطالب، وأكثر ارتباطا بعالمه. 

وتشير «المقبالية» إلى أن إشرافها على جماعة الفنون الأدبية كان له أثر خاص؛ فقد تولت تدريب الطالبات في مسابقة فن الخطابة والإلقاء الشعري، وكانت حريصة على أن يخرج كل تدريب بتجربة تصقل الموهبة، وتفتح المجال أمام المشاركات؛ لتحقيق مراكز متقدمة على مستوى المحافظة وعلى مستوى سلطنة عمان، وهو ما تحقق بالفعل بفضل جهد الطالبات وإصرارهن. وتستحضر هنا موقفا لطالبة نصحتها والدتها بألا تختارها؛ لأنها لا تجيد الإلقاء، لكن التجربة أثبتت العكس؛ إذ تمكنت الطالبة من تحقيق مركز متقدم على مستوى سلطنة عمان، وهو ما جسد أمامها معنى الإرادة والقدرة على تجاوز التوقعات؛ لتتيقن أن الإنسان قادر على الإبداع حتى في المجالات التي لا يتوقع أن يتفوق فيها. أما عن إقبال الطلبة على الأدب اليوم فهي لا ترى أنهم أقل اهتماما من السابق، بل تغيرت اهتماماتهم تبعا لمعطيات العصر، وتعتقد أن تحفيزهم يقتضي الاستفادة من الوسائل الحديثة والتقنيات الجديدة بما فيها الذكاء الاصطناعي؛ لتقديم الأدب بروح تتناسب مع ذائقتهم المعاصرة، وترى أن هذا المدخل هو الأقدر على إعادة الأدب إلى موقع مؤثر في حياة الجيل الجديد. 

وتختم الشاعرة مرهونة المقبالية بالقول: إن الجمع بين التدريس والكتابة ليس سهلا؛ فالتعليم مهنة تستنزف الكثير من الجهد، وتفرض حضورا ذهنيا متواصلا، بينما الكتابة لا تخضع للتخطيط الصارم؛ إذ قد يفرض الشعر نفسه في لحظات الانشغال، ويطرق باب القصيدة بلا مقدمات. لذلك تبقى إدارة الوقت معركة مستمرة، وغالبا ما يكون الليل أو لحظات الصفاء هو الفضاء الأنسب لصقل النصوص، وإعادة النظر فيها محاولة منها للتوفيق بين رسالة التعليم ونداء الكتابة. 

مواقف صفيّة 

**media[3113663]**

ختاما يرى الشاعر محمد العبري أن الموهبة الأدبية تولد مع الإنسان منذ نعومة أظفاره، وقد تبقى كامنة حتى تجد ما يصقلها ويغذيها، ويؤكد أن التخصصات العلمية يمكن أن تكون منطلقا لتفجير هذه الموهبة إذا ارتبطت بها بصورة صحيحة. ويقول عن تجربته: إن تخصصه في اللغة العربية أذكى موهبته، وعزز قدراته، فأتاحت له القراءة في آداب متنوعة أن يوسع مداركه، ويثري معارفه، وهو ما انعكس بشكل مباشر على تجربته الشعرية. 

ويشير إلى أن الميدان التعليمي يحمل الكثير من الأحداث التي قد تثير الكاتب، وتدفعه إلى التعبير عنها أو اتخاذها موضوعا لنص قادم، لكن الأعباء الملقاة على كاهل المعلم كبيرة، وتولد ضغوطا ذهنية تستنزف طاقته، فتقل مشاركاته وكتاباته أحيانا، ويجد صعوبة في التوفيق بين مهمته التربوية ومشروعه الأدبي. ومع ذلك يؤكد أن الأمر ليس قاعدة مطلقة؛ فهناك شعراء وكتاب تمكنوا من تفجير طاقاتهم الإبداعية رغم كثرة الضغوط. 

ويؤمن «العبري» أن الأديب المعلم يستطيع أن يوظف معارفه في المواقف الصفية مستفيدا من اطلاعه الواسع، وقدرته على الاستطراد، فيقدم الدرس بأسلوب شائق، ويخرجه في قالب أدبي سلس يسهل على الطالب حفظه وتداوله بين زملائه. كما يمكن للمعلم الكاتب أن يستثمر أجواء المدرسة في المناسبات المختلفة؛ ليعرض ما لديه من إبداع، فيرفع بذلك من شأنه وشأن المؤسسة التي ينتمي إليها. 

ويستحضر الشاعر محمد العبري موقفا طريفا من قاعة الصف لا يزال عالقا في ذاكرته؛ إذ كان يشرح درس البحر البسيط، ويقطع بيتا شعريا على السبورة، فصفق أحد الطلاب ولم يلتفت العبري إليه، بل كتب بيتا آخر من البحر المعروض أشار فيه إلى الطالب تعريضا، ثم طلب منه أن يقطّع البيت، وبعد أن قرأه أجاب الطالب قائلا: اضربني مائة ضربة بالعصا ولا أقوم بتقطيعه؛ لحظة ساخرة، لكنها تلخص في نظره طبيعة الصف بما يحمله من مفاجآت تكشف تفاعل الطلاب مع الدرس بطريقتهم الخاصة.