عواصم "وكالات": قتل 23 شخصا على الأقل بينهم أربعة أطفال وأصيب حوالى 50 آخرين بجروح في هجوم جوي روسي واسع على كييف ليل الأربعاء الخميس في هجوم قالت الولايات المتحدة إنه قد يقوّض جهود السلام.
ويأتي الهجوم، وهو من الأكبر منذ اندلاع الحرب مطلع العام 2022، في وقت تتعثر الجهود الدبلوماسية للتوصل الى تسوية للحرب، خصوصا عقب اللقاء بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق من أغسطس الجاري.
وقال البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "لم يكن سعيدا" بالضربات الروسية القاتلة على العاصمة الأوكرانية لكنه لم يفاجأ بها، ودعا "الجانبين" إلى إنهاء الحرب.
ويأتي هذا الهجوم عشية اجتماع مقرر في نيويورك الجمعة بين أعضاء من فريق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وممثّلين عن الحكومة الأميرريرانيا 3350 صاروخا بعيد المدى ومعدّات ذات صلة لأوكرانيا في صفقة تبلغ قيمتها الإجمالية 825 مليون دولار.
وتعهّد ترامب إنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة من توليه منصبه، لكنه أقر لاحقا بأنها مهمة أصعب مما كان يتوقّع.
وعقد الرئيس الأمريكي قمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا في وقت سابق من هذا الشهر لكنها لم تحقق أي تقدم.
وأكدت القوات الجوية الأوكرانية أن روسيا أطلقت 598 مسيّرة و31 صاروخا، في ثاني أكبر هجوم من حيث العدد الإجمالي منذ اندلاع الحرب. وافادت عن اعتراض 563 طائرة و26 صاروخا.
وصباح الخميس، كان عناصر من فرق الإنقاذ وسكّان يعملون على جمع الحطام والزجاج المتناثر في شوارع وسط كييف، بينما قام آخرون بنقل جثث وجرحى، وفق ما شاهد صحافي في وكالة فرانس برس. وتسببت إحدى الضربات بأضرار بالغة في خمس طبقات من مبنى سكني وأدت الى شقه نصفين.
وشاهد مراسلو فرانس برس عمال انقاذ ينقلون جثث العديد من الضحايا في أكياس سوداء من المبنى السكني طوال اليوم.
وأفاد ناطق باسم البحرية الأوكرانية الخميس بأنّ هجوما بحريا "نادرا" شنّته روسيا بمسيّرة على سفينة تابعة للقوات البحرية الأوكرانية في البحر الأسود أودى بشخص على الأقل فيما أصيب وفقد عدد آخر.
"تخريب الآمال بتحقيق السلام"
من جهته، اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن الهجوم في الصباح "قتل مروع ومتعمد للمدنيين".
وكتب على منصات التواصل الاجتماعي "هجوم ضخم آخر على مدننا. قتل مجددا".
وقال إن "الصواريخ الروسية والمسيّرات الهجومية اليوم هي رد واضح على كل من يدعو في العالم، منذ أشهر وأسابيع، الى وقف لإطلاق النار ودبلوماسية حقيقية" مع روسيا.
ورأى أن الأخيرة "تختار البالستيات عوضا عن طاولة المفاوضات. تختار مواصلة القتل عوضا عن إنهاء الحرب"، مؤكدا أن كييف تتوقع "رد فعل" دوليا، خصوصا فرض عقوبات جديدة على روسيا، داعيا حلفاء موسكو مثل الصين والمجر الى اتخاذ مواقف حازمة مما يجري.
وأعلنت روسيا التي تقول إنّها استهدفت مواقع عسكرية، أنها لا تزال مهتمة بالوسائل الدبلوماسية لكنها "ستواصل" شنّ ضربات على أوكرانيا.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحفيين ردا على سؤال لوكالة فرانس برس إن "القوات المسلحة الروسية تؤدي مهماتها... تواصل ضرب الأهداف العسكرية" والمنشآت المرتبطة بها.
وأضاف "في الوقت عينه، تبقى روسيا مهتمة بمواصلة عملية التفاوض. الهدف هو تحقيق أهدافنا بالوسائل السياسية والدبلوماسية".
واستدعى كل من الاتحاد الأوروبي والحكومة البريطانية سفيري روسيا بعد تضرر مقر بعثة الاتحاد والمجلس الثقافي البريطاني في كييف.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إنها اجرت اتصالين بترامب وزيلينسكي عقب الهجوم. وكتبت على منصة إكس "على بوتين أن يأتي إلى طاولة التفاوض".
بدوره أعلن المجلس الثقافي البريطاني أن مقره "تعرض لأضرار بالغة" وسيغلق أبوابه حتى إشعار آخر.
واتهم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الرئيس الروسي بـ"تخريب الآمال بتحقيق السلام" في أوكرانيا.
كما ندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ"الترهيب والهمجية" اللذين تمارسهما روسيا في حق أوكرانيا.
وكتب على منصة إكس "هذه هي إرادة السلام الروسية".
من ناحيته ندد الامين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالقصف الروسي لكييف مجددا دعوته الى وقف إطلاق النار، وفق ما صرح المتحدث باسمه في بيان.
وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته عقب الهجوم على كييف على إكس "يجب أن نضمن حصول أوكرانيا على ما تحتاج إليه للدفاع عن نفسها وضمان سلام دائم".
أكثر من 20 موقعا
وقالت الإدارة العسكرية لكييف إن الهجوم الذي استخدمت خلاله مسيّرات وصواريخ فرط صوتية وبالستية وكروز، أصاب أكثر من 20 موقعا في العاصمة.
وخارج العاصمة، أعلنت شركة السكك الحديد الأوكرانية عن "هجوم ضخم" روسي تسبّب بانقطاع التيّار الكهربائي في منطقة فينيتسا (وسط) وأدّى إلى تأخير في حركة القطارات.
وفي مقابلة مع قناة "إل سي إي" التلفزيونية الفرنسية قال السفير الأمريكي في فرنسا تشارلز كوشنر إنّ مبادرات ترامب سمحت بإحراز تقدم نحو السلام، منتقدا فشل جهود الأوروبيين على هذا الصعيد.
وقال كوشنر "ما هو النجاح الذي حقّقه الأوروبيون في التفاوض وجلب بوتين إلى طاولة الحوار؟"، مضيفاً أن الأوروبيين "لم يحقّقوا شيئاً".
وشدّد السفير الأمريكي على أنّ "الرئيس ترامب لا يبالي بالبروتوكول، لكنّه بلا شكّ قادر على تحقيق شيء ما، بخاصة مع بوتين".
وعلى الجانب الروسي، أعلنت موسكو أنها اعترضت 102 مسيّرة أطلقتها أوكرانيا التي كثفت في الآونة الأخيرة استهداف مصافي نفط ومنشآت للطاقة في روسيا، ما تسبب برفع أسعار الوقود.
وكانت ضربات روسية على كييف في أواخر يوليو أسفرت عن سقوط أكثر من 30 قتيلا، في هجوم هو من الأكثر حصدا للأرواح في العاصمة منذ بدء الحرب.
ودفعت الهجمات الروسية في حينه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى زيادة الضغط على موسكو للتوصل الى تسوية تنهي الحرب، ولوّح بفرض عقوبات إضافية عليها في حال لم تقبل بذلك.
والتقى ترامب وبوتين في ألاسكا في 15 أغسطس. واستقبل الرئيس الأميركي بعد ذلك زيلينسكي وقادة أوروبيين في البيت الأبيض، مؤكدا عزمه السعي لجمع الرئيسين الروسي والأوكراني وجها لوجه للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، سعيا للتوصل الى اتفاق سلام شامل.
الا أن أي تقدم على هذا الصعيد لم يحقق منذ ذلك الحين. وتبادلت موسكو وكييف الاتهام بالمسؤولية عن ذلك.
وتؤكد كييف أهمية الحصول على ضمانات أمنية من الغرب، خصوصا الولايات المتحدة، في إطار أي اتفاق سلام، بشكل يحول دون تعرضها لهجوم روسي جديد.
في المقابل، تتمسك روسيا بمطالب منها تخلي أوكرانيا عن مناطق تحتل موسكو أجزاء واسعة منها، والتخلي عن مسعاها للانضمام مستقبلا الى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وهو ما ترفضه كييف.
وفي الأشهر الأخيرة تمكّن الجيش الروسي الذي يحتلّ حوالى 20% من أوكرانيا في الشرق والجنوب، من تسريع وتيرة تقدّمه الميداني في مواجهة وحدات أوكرانية أقل عددا وأسوأ تجهيزا.
"أحادية الجانب" وخطيرة
قالت روسيا الجمعة إن المقترحات الغربية بشأن الضمانات الأمنية لأوكرانيا من شأنها أن تزيد من خطر الصراع بين موسكو والغرب من خلال تحويل كييف إلى "مصدر استفزازات استراتيجي" على حدود روسيا.
ويعمل حلفاء أوروبيون لأوكرانيا على إعداد مجموعة من الضمانات الأمنية التي قد تدرج ضمن تسوية سلام محتملة، تهدف إلى حماية كييف من أي هجوم روسي محتمل في المستقبل.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخميس إنه يتوقع تحديد إطار الضمانات الأمنية في وقت قريب قد يكون الأسبوع المقبل.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا الجمعة "الضمانات الأمنية يجب أن تقوم على تفاهم مشترك يراعي المصالح الأمنية لروسيا".
وذكرت خلال مؤتمر صحفي في موسكو إن المقترحات الحالية "أحادية الجانب ومصممة بوضوح لتحجيم روسيا".
وأضافت "هذا المسار (من المقترحات) ينتهك مبدأ الأمن غير القابل للتجزئة ويضع كييف في موقع مصدر للاستفزازات الاستراتيجية على حدود روسيا، مما يزيد من خطر انزلاق (حلف شمال الأطلسي) إلى صراع مسلح مع بلادنا".
وقالت موسكو من قبل إنها لا تحبذ المقترحات الأوروبية ولن تقبل بأي وجود لقوات حلف شمال الأطلسي على الأراضي الأوكرانية.
زيلينسكي: روسيا حشدت "ما يصل إلى 100 ألف" جندي قرب بوكروفسك في شرق أوكرانيا
100 ألف جندي قرب بوكروفسك
أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الجمعة، أنّ موسكو حشدت حوالى 100 ألف جندي قرب بوكروفسك، المدينة الرئيسية في شرق أوكرانيا، في وقت يطغى الجمود على المساعي الدولية لتحقيق السلام في أوكرانيا.
وقال زيلينسكي لصحافيين بينهم مراسل وكالة فرانس برس، إنّ الوضع في منطقة بوكروفسك "هو الأكثر إثارة للقلق اليوم"، مشيرا إلى أنّ روسيا حشدت "ما يصل إلى 100 ألف جندي هناك. هذا ما لدينا حتى صباح اليوم. إنّهم يستعدون لعمليات هجومية على أي حال"، مضيفا أن القوات الأوكرانية تعمل على التصدي لقوات روسية في منطقة سومي على الحدود الشمالية الشرقية.
وتعدّ بوكروفسك التي كان عدد سكانها قبل الحرب حوالى 60 ألف نسمة، مركزا لوجستيا مهما للقوات الأوكرانية، وتقع عند تقاطع العديد من الطرق في المنطقة.
وتقترب القوات الروسية من المدينة من ثلاث جهات منذ عدّة أشهر، وهي الآن على بعد أقل من خمسة كيلومترات عنها.
وقال زيلينسكي الأسبوع الماضي، إنّ موسكو تحشد قوات في الجزء المحتل من منطقة زابوريجيا في جنوب أوكرانيا، استعدادا لهجوم محتمل.
ويحقّق الجيش الروسي الذي يحتل 20 في المئة من الأراضي الأوكرانية، تقدّما بطيئا في الشرق منذ أكثر من عامين ولكنّ تقدّمه تسارع في الفترة الأخيرة.
وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّه يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا في أسرع وقت، وحثّ موسكو وكييف على إنهاء الأعمال العدائية، لكن الوضع لا يزال من دون تغيير، خصوصا أنّ مواقف الجانبين تبدو غير قابلة للتوفيق.
هدنة جوية
أكد دميتري بيسكوف المتحدث باسم الرئاسة الروسية "الكرملين" أن روسيا لا تزال مهتمة بالمفاوضات لتحقيق أهدافها في أوكرانيا، نافيًا أي توصل لاتفاق حول وقف الضربات الجوية. وأضاف بيسكوف في تصريحات للصحفيين، أن القوات الروسية تواصل تنفيذ مهامها واستهداف منشآت البنية الأساسية العسكرية الأوكرانية، مشيرًا إلى أن الضربات "ناجحة" وتدمر الأهداف المحددة، وأن "العملية العسكرية الخاصة لا تزال مستمرة". ولفت إلى أن أوكرانيا تواصل بدورها شن ضربات على منشآت البنية الأساسية الروسية، وأنها كثيرًا ما تستهدف وتطال المدنيين. وشدد المتحدث باسم الرئاسة الروسية، على أن أي مناقشات تتعلق ببحث سبل الخروج نحو تسوية الأزمة في أوكرانيا "يجب أن تتم بسرية تامة". وكانت أوكرانيا قد أعلنت عن ارتفاع عدد ضحايا الهجوم الذي شنته روسيا، قبل أكثر من 24 ساعة على العاصمة الأوكرانية كييف إلى 15 قتيلا و45 مصابًا. وأفادت مصادر محلية بأن الجيش الروسي استهدف العاصمة الأوكرانية كييف بعد منتصف الليلة الماضية باستخدام طائرات مسيرة وصواريخ، ما أدى إلى إلحاق أضرار بمبان سكنية، وتضرر مقر بعثة الاتحاد الأوروبي. /العُمانية/ مازن
مخاوف موسكو
قالت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية اليوم إن أي مقترحات تتعلق بتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا يجب أن تأخذ في الاعتبار المخاوف الأمنية لروسيا. وأضافت زاخاروفا، في تصريحات صحفية، أن المقترحات الغربية الحالية تهدف إلى تقويض روسيا وتحويل أوكرانيا إلى "مصدر استفزازات" على حدودها. واعتبر المتحدثة الروسية أن هذا المسار ينتهك مبدأ الأمن غير القابل للتجزئة ويضع كييف في موقع المحرض الاستراتيجي، ما يزيد من احتمال تورط الحلف الأطلسي في صراع مسلح مع روسيا. وأوضحت زاخاروفا أن موسكو سبق أن أعلنت رفضها للمقترحات الأوروبية ولن تقبل بأي وجود لقوات حلف شمال الأطلسي على الأراضي الأوكرانية. وكان دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين قد أكد قبل يومين أن بلاده تنظر بسلبية إلى المقترحات الأوروبية بشأن تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا، وتعارض بشكل قاطع وجود أي قوات لحلف شمال الأطلسي على أراضي جارتها. وشدد على أن نشر قوات أوروبية في أوكرانيا يُعد بمثابة وجود لحلف شمال الأطلسي على الأراضي الأوكرانية، وهو ما سعت روسيا إلى منعه منذ البداية، قائلا "في الواقع، كان تقدم البنية التحتية العسكرية لحلف شمال الأطلسي، وتغلغلها في أوكرانيا، من بين الأسباب الجذرية التي يمكن اعتبارها وراء نشوب هذا الصراع منذ البداية. لذلك لدينا نظرة سلبية تجاه هذه المناقشات". وتتفق جميع الأطراف على ضرورة تضمين الضمانات الأمنية لأوكرانيا في أي اتفاق سلام محتمل، إلا أنها تختلف كليا حول الصيغة التي ينبغي أن تتخذها هذه الضمانات، إذ تؤكد روسيا أنها يجب أن تكون من بين الدول الضامنة لأمن أوكرانيا، وتسعى إلى إحياء مقترحٍ جرى بحثه بين الجانبين في عام 2022، خلال الأسابيع الأولى من الحرب، غير أن كييف ترفض هذا الطرح، معتبرة أنه يمنح موسكو حق النقض الفعلي على أي دعم عسكري خارجي يُقدّم لأوكرانيا. ويعمل الحلفاء الأوروبيون لأوكرانيا على إعداد مجموعة من الضمانات الأمنية تهدف إلى حمايتها من أي تصادم محتمل مع روسيا في المستقبل في سياق تسوية سلمية محتملة.