الماء والكهرباء حق للمواطن أينما كان على هذه الأرض الطيبة، وهو إحدى أولويات الدولة التي حرصت عليها منذ بداية النهضة، حيث وصلت الكهرباء إلى أعلى قمة جبل، وأبعد نقطة في البلاد، وهذا أمر جعل الحياة أكثر سهولة، ويسرا للمواطن، ولذلك تعدّ سلطنة عمان من الدول المتقدمة في هذا الجانب، ومن ضمن الأكثر تغطية في هذين المجالين، ولكن أصبحت هاتان الخدمتان الأساسيتان للأسف ـ مصدر قلق للمواطن، ومبعث توتر شهري، فمع دخول فصل الصيف ارتفعت فواتير الكهرباء إلى مستويات قياسية، ومعها بدأت معاناة الناس، وشكواهم، وتذمرهم من هذا الارتفاع غير المعقول، وغير المبرر حتى مع ازدياد الاستهلاك العام لهذه الخدمة.
والأسوأ من ذلك هو أن السياسة التي تتبعها شركات التحصيل في قطع الكهرباء والمياه عن العقارات السكنية تحديدا، أصبحت أمرا لافتا، وهي سياسة تسعى للضغط على المواطن، وتوسيع دائرة أعبائه، حيث يتم القطع- في بعض المحافظات- حتى مع استمرارية المستهلك في الدفع «الجزئي» للمبالغ، فمع وجود «مستحقات سابقة» فإن ذلك يعني أنك معرّض لقطع الخدمة عنك في أي وقت، ودون إشعار مسبق أو «نهائي»، ودون مراعاة لظروف الأسر في هذه الآونة، ودون اهتمام بوجود مريض في المنزل يستخدم أجهزة طبية تعمل بالكهرباء، أو وجود أطفال صغار داخل السكن، ودون اكتراث لأي ظرف إنساني، وخاصة في هذه الفترة التي تستعد فيها الأسر لبدء العام الدراسي، وما يصاحب ذلك من أعباء مالية على أرباب الأسر، وضغوط نفسية، ومعنوية على الكثيرين، وفي ظل هذا العدد من المسرّحين، والباحثين عن العمل، والمتقاعدين، وفئات الضمان الاجتماعي المختلفة.
إن مستحقات الكهرباء والماء لشركة «نماء» حق من حقوقها، والتزام واجب على المستهلك، وهو نظير خدمة رئيسية، ولكن يجب أن يكون هناك نوع من التساهل، ومساحة من التعاطف مع المستفيد من قبل شركات التحصيل، وذلك من باب التخفيف من الضغوطات المعيشية على الناس التي لا تخفى على أحد، ورغم أن هناك «آلية معينة للتقسيط»، إلا أن ذلك لا يعني قطع الخدمة عن المستهلك إلا كحلٍ أخير، وفي حال التخلف الطويل عن الدفع، أما أن يتم القطع دون أي اكتراث لظروف الناس، ودون مراعاة لأي جانب إنساني فذلك أمر يجب إعادة النظر فيه، وما دام المواطن منتظما في الدفع فما الذي يمنع التساهل معه، وعدم المساس بالخدمات المقدمة له؟ لأن تلك هي قدرته المالية، فلا تحملونه ما فوق طاقته.
مرة أخرى.. الكهرباء والمياه جزء من حقوق المواطنين في كل العالم، وخدمة رئيسية تقاس بها درجة رقي، وتقدم الدول، ولذلك يجب ألا تُمس، وأن تراعى فيها ظروف الفئات المختلفة من المجتمع، وألا تكون هذه الخدمات ورقة ضغط على المستهلك، وأن يكون القطع هو الحل الأخير، وفي حالات محددة، وفي أضيق الحدود، لا أن تكون هي القاعدة غير المنضبطة التي تتعامل معها شركات التحصيل، ومن قبلها الشركات المزودة بالخدمات لزيادة أعباء المواطن، وتحميله فوق طاقته، ولذلك يجب إعادة النظر في آلية القطع، ومراعاة المستهلكين المنضبطين في الدفع «الجزئي» الشهري، إذا لم يكن هناك أمل واضح في تخفيض تكلفة الاستهلاك، والحد من هذه المغالاة في الأسعار الحالية.
مسعود الحمداني كاتب وشاعر عُماني