«إن تحرك الماء، فالحظ مقبل، وإن ركد، فالحظ مدبر»، فلم يكتفِ الإنسان قديما بتأليه الحظ، بل تخيّله ماردا حبيسا في مصباح، والمارد لم يكن إلا جنيًا صغيرًا صنعته الأسطورة؛ لكن يبدو أن هذه الأسطورة تم تطويرها لتظهر لنا بالصورة التي نعرفها اليوم (مارد المصباح الذي يخرج بثلاث أمنيات) ظهرت هذه الصورة أولا في كتاب ألف ليلة وليلة، وتحديدا في قصة «علاء الدين والمصباح السحري». والفكرة هي أن المارد يمنح بلا عدالة. إذ ليس مُهما إن كنت صالحًا أو فاسدًا، ولكن المهم هو أن تمتلك المصباح وتمسح ظهره ليظهر لك المارد ويحيل أمامك المعجزات إلى حقائق.
هذا العفريت الصغير حبيس المصباح، يمثّل القوة الغيبية المخبّأة، والتي تشبه تماما فكرة الحظ، فلا يظهر إلا إذا اصطدمت به صدفة، وهذا ما يؤكد حاجة الإنسان العميقة في أن يؤمن بأن في الحياة قوّة ما قد تُغيّر مسار حياته دون جهد، وقد تُعطيه ما لا يستحق... فقط لأنه تمنّى، ومن هنا، نجد أن الإنسان يميل إلى فكرة أن الحظ خارج نطاق إرادته ليتخذ ذلك وسيلة حتى يتخفف من عبء مسؤولية القرار والخوف من الفشل، لذا نجد أن من أخفق في تحقيق أهدافه يزعم بأن النحس يلازمه، فيصبح الحظ ملاذًا نفسيًا لكل فشل ليبرأ الإنسان من سوء سعيه، ومن هنا نجد صراعا عتيقا قد نشأ بين السعي والحظ، وبين الحتمية والإرادة.
فكل ناجح هو محظوظ، وكل فاشل هو سيئ حظ، وكأننا محكومون بيد خفيّة تطلق النجاح دون منطق، لذا، يركن المرء لأن يصدّق كذبة الحظ اللطيفة كشكل من أشكال المواساة الذاتية!. فتجده غالبا يترقب في انتظار ولا يبادر للفرص، وفي الحقيقة نحن نُفرغ الفعل البشري من قيمته باسم الحظ! وهو ما يبخس الإنسان حقه التام في استخدام قواه الداخلية لأنه مستعبد بأفكاره.
يقول سينيكا: «الحظ هو ما يحدث عندما يلتقي الاستعداد بالفرصة»، ما يعني أن الحظ في حياة الناجحين هو مهارة جسورة وكامنة في ممارساتهم، وليست محض صدفة.
وجاء في الأدب، شخصية جريجور سامسا في رواية «التحول» لفرانز كافكا. الذي صوّر عبثية الكون المفرطة بلغة مغايرة. تظهر في تجسيد الحظ السيئ اللامبرر لسامسا، المغترب جسديًا وماديًا وأسريًا ونفسيًا. ليجد نفسه فجأة حشرة مقززة، بلا حظ، ولا مؤشر سابق، ولا سبب.
في صدمة كونية وخيالية كبرى لمفاهيم الحظ والدهشة والمنطق، وهنا، أصبح الحظ أداة فلسفية تلج من خلالها الأسئلة الكبرى.
يقول كوبلسون، وهو من مؤيدي نظرية العبثية: «إن العبثيّة تنشأ من مواجهة الجاذبية البشرية لفكرة ما، مع الصمت اللاعقلاني للعالم».
والحظ كما أعرّفه شخصيا، هو ليس ما يحدث لنا، بل ما يحدث فينا حين نظن أن شيئًا خارجيًا قد جاء ينجينا. وهو إيماننا الراسخ برغبتنا فيما نريد. اليوم، وعلى الرغم من أننا أصبحنا أكثر وعيا بأن المارد كائن أسطوري يجسّد العقل البدائي البسيط، ولكنه كفكرة رئيسية، لا تزال تمد جذورها عميقًا وتتوسّع في ذواتنا، فنؤمن بأن هناك من يسمع أمنياتنا ويحققها لنا دون أن نحرك ساكنا!. متجاهلين أن الحظ لا يسكن المصباح ولا الدعاء!.
لكننا نحب «شراء» الحظ ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. لأنه يعفينا تماما من ثقل السعي والمسؤولية. ويتمثل ذلك في رمزية الألوان، وفي الطلاسم والتمائم والحروز، وعلى الرغم من أن الدين الإسلامي يحرّم الاعتماد على التمائم، فلا يزال الناس يؤمنون بها. ويحملونها كآيات من القرآن ليقفوا متوسطين بين الإيمان والخرافة، بمقدار ما تستريح له ضمائرهم.
آية السيابية كاتبة عمانية