كانت طفولتي «عادية» إلى حد كبير من حيث الوضع المالي، حالي حال معظم أبناء جيلي من العمانيين المولودين قبل عصر النهضة. لم نكن نملك الكثير، لكننا لم نكن فقراء أيضًا. ومع ذلك، فإن قصتي مع المال تتضمن عناصر كثيرة ساهمت في تكوين علاقة سامة معه عندما كبرت ودخلت مرحلة البلوغ، وظهرت للعالم، وبدأت أقارن نفسي بمن حولي.
بدأت مسيرتي المهنية في المجال المالي منذ ما يقارب 35 عامًا، أولًا من خلال عملي في الهيئة الأمريكية للمساعدات الدولية كمراجعة حسابات، ثم في منتصف التسعينيات حالفني الحظ لأكون في المكان المناسب في الوقت المناسب، حين حصلت على فرصة الانتقال إلى دائرة الشؤون الإدارية والمالية في الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية آنذاك.
تشرفت لاحقًا بشغل منصب مدير دائرة المالية والحسابات، وهو ما أدخلني إلى عالم الموازنات والتخطيط المالي والاستثمار.
كنت أصعد مهنيًا بسرعة حتى عام 1998، حين خطف الموت والدي فجأة وهو في أواسط الخمسين من عمره.
دخلت في صراع نفسي رهيب إثر هذه الأزمة، فتراجعت وخسرت الكثير على الصعيدين المهني والمالي. حتى وقع في يدي كتاب (الأب الغني والأب الفقير) للأمريكي روبرت كيوساكي الذي كان «هبة» في تلك الفترة، قرأته ففتح شهيتي للاطلاع أكثر على مجال المالية الشخصية، مستفيدة من الخبرة العملية التي أتاحتها وظيفتي في مؤسسة مالية.
يمكنني القول: إن مساري الوظيفي في مجال الثقافة المالية، وما يحمله من شغف نحو بناء مستقبل من الثراء المالي لمن حولي، هو خلاصة تجربتي المهنية والحياتية على مدار ثلاثة عقود ونيف. أقدّم هذه الثقافة من منظور شامل -مهنيًا وشخصيًا- وأتحدث عن المال من مكان أكثر إنسانية واتزانًا.
كجزء من هذه المهمة، أتحدث بانتظام عن الوعي المالي، وأقدّم محاضرات كضيفة في الجامعات والمؤسسات حول السلوك المالي والعواطف المرتبطة بالمال، إيمانًا مني بأن ثراء الأمم يُقاس بثراء الأفراد فيها، وهو الشعار الذي اتخذته لعملي في هذا المجال. أرى كثيرين من حولي -دون وعي ربما- يروّجون لثقافة الفقر من خلال ترديد عبارات سلبية تبرمج الناشئة على العوز، وتحجب عنهم رؤية الوفرة في الفرص التي تحيط بهم في هذا العصر الذهبي من عمر البلاد.
نحن نعيش بالفعل واحدة من أثرى فترات تاريخنا المشرف، ومن لا يرى ذلك، يخسر فرصة ذهبية للحاق بركب الثراء والوفرة.
حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية