(1)
التَّسويف من سُنَن الماضي، ووعود السَّلف (لنا نحن فقط).
(2)
الثُّلج في روسيا، والمدفأة في نيوزيلندا. وغرفتنا صغيرة وحزينة في فندق صغير في آخر مدينة على آخر الحدود العُمانيَّة.
(3)
يزجي لي الموت غدرًا صغيرًا: بلا عذر، أفيق قليلًا قبل كل مرَّة.
(4)
العالم مقيت، والكتابة بغيضة، وأنا لستُ وحدي في هذا الكوكب (ولا بد من إعادة التَّعرف إلى هذا الاكتشاف، وتوكيده على مدار السَّاعة).
(5)
الحياة لا تتجدد ولا تتكرر. هو فقط الموت الذي حذَّرنا منه نيتشه، فنصحنا بتغيير الجلود (لمن يدرك الأفاعي، ويعرف الإنسان، ويفهم نيتشه).
(6)
لا تحدث الهدأة المُشتهاة في الحياة، أو الموت، ولا في الكتابة.
ستحدث تلك الهدأة في حادثٍ عابر كما في اصطدام سيَّارة بسفينة، أو التقاء امرأة ورجل في مصعد بعد حوالي أربعين سنة من زواج وإنجاب أحدهما.
سوف تحدث الهدأة المُشتهاة في مكان أصغر بكثير من هذا -مكان لا طنين ولا رنين فيه، بل صمت مطبق في النَّظرات.
(7)
سينحني هذا الطَّريق عند الرَّقبة المناسِبة (أعرف أن أعناقهم قصيرة، ودروبهم محدودة، وزادهم قليل).
وسوف ينحني هذا الطَّريق عند الرَّقبة المناسبة (لم أعد أثق بالطَّريق، ولا بالأعناق).
(8)
يصيبني التَّنمُّل بمجرَّد أن أفكِّر بالرَّسائل المختلَسة في تلك الذِّكريات الخوالي، والبحر في هذا الصَّيف، والمقاعد الخشبيَّة الطُّوليَّة في الحدائق القديمة أو المُستحدَثة، وعريش مهجور في أعالي الذَّاكرة.
(9)
الأب إشاعةٌ ركيكةٌ، وجليلةٌ، ومؤسفةٌ، وحزينة، وثيولوجيَّة، وباثولوجيَّة، ومضحِكةٌ. وعليها أن تبقى كذلك.
(10)
لا يريدني السُّلوان في دمي، ولا على حِنَّاء كفَّيك وقدميك، ولا طَيركِ، ولا كتابتي.
لا أستطيع أن أريد النِّسيان.
(11)
دعونا نأتي إلى كلمة سواء ونتفق على ترميم البداية: ليمون أخضر ومُجَفَّف، ومناديل بيضاء مُعَطَّرة، وأغنية بالكاد تستطيع أن تتذكر مبتدأها وخبرها، وجنائز.
(12)
خفيفٌ، وثقيلٌ، ومترنِّحٌ، وعديم الوزن، ومعدوم الكتلة، وبلا أبعاد، وقليل المساحة، وأكتبُ، وأخجلُ، وأنام على ظهري أحيانًا، وعلى بطني تارة، وعلى كل إخفاقاتي دومًا، وأنا لا ديون عليَّ، ولا أنتظر رد الجميل من أي أحد.
(13)
يوجد الأصدقاء في المهالك (وحين لا يوجد أصدقاء تزول الحاجة إلى الهلاك).
(14)
كل الأشياء البغيضة، والمقيتة، والشَّنيعة تحدث في الثالثة والنصف من صباح كل يوم من أغسطس» («إبريل «ليس» أقسى الشهور» يا تي إس إليت، «الأرض اليباب»).
(15)
أنا قادم سباحةً بعد أن غرقت روحي في بحر بعيد.
وأنا أرى المشنقة منصوبة على الشاطئ.
(16)
«أبدأ يومي دومًا بالإفطار». هنري مِلِر (من حوار بالفرنسيَّة أجري معه في منتصف ستِّينيَّات القرن الرَّاحل لصالح إذاعة كنديَّة، وأعيد بث مقاطع منه في إذاعة «مونت كارلو» في يوم الأحد 20 يوليو 2025).
أبدأ يومي بالموج، والمقبرة، وترميم الشَّمس، وأخطاء البارحة. وبعد ذلك يأخذني النِّسيان، أو التَّكوين، ولا أعود حتى في العشاء الأخير.
(17)
في حِنَّاء السَّفر، والأنخاب الجافَّة، والدُّموع المحروقة، وآخر شجرة في البلاد لا يزال على لساني طعم الرُّز الأبيض المطبوخ بِارتجال وعَجَل في عبوَّة زيت شبه صدئة تحت شجرة سدر ظليلة في صيف قائظ.
(18)
«يوم فُتحَت السُّجون كان أشبه بيوم القيامة». إبراهيم فريحات (أحد المُحرَّرين من سجون النِّظام البائد في سوريا).
القيامة تنتظر دومًا، وتحدث دومًا القيامة.
(19)
أبدأ في الفاتحة، وأنتهي في الفاتحة (وهذا أكثر شيء غير طبيعي يمكن أن يحدث).
(20)
في وجهي يستشرس ما تبقَّى من قشور، ودمامل، وأعضاء، وأعداء، وذكريات، وإخوة، وأخوات.
يُقلِّص وجهي المرآة، والسماء، والموت.
(21)
في تلك الآهة تصدَّعت الأراضي والكُتب، وما تبقَّى للشَّجرة من ماء وذكريات.
(22)
يهتفون ويصرخون تحرُّرًا من أعباء الطَّاغية (بالسُّرعة، أو البطء الذي يشاء الطَّاغية).
(23)
الاكتئاب المزمن الحاد، والأرق المزمن الحاد أكثر الأمراض إيجاعًا، ونرجسيَّة، وضغينة، وحقدًا.
(24)
الذِّكريات تتحلَّق، وتتحرك من تلقاء نفسها.
والشَّقاء يدرك ذلك.
(25)
الموت حصان جامح. وكلُّ نثرٍ شِعر، وكلُّ شِعر نثر.
(26)
اللُّغة عقاب وثواب. وينبغي أن يحدث ذلك قبل وصول المقصلة.
(27)
لا يذهب الموت إلى المقبرة، ولا إلى كل إمكاناته في هذه الليلة.
ولا تعود الحمائم إلى قريتنا.
(28)
يا أنت: انتبه، ولا تغفل عن سيفك، ورمحك، وترسك، ومصرعك.
يا أنت: احفل؛ فالشَّمس مستطيلة كثيرًا اليوم، والهواء يتستَّر على نفسه.
(29)
معضلة كبيرة (أليس كذلك)؟ لا بد من اقتباس الأموات.
(30)
لا أحد يعرف الرِّيح، ولا تعلم الرِّيح أنها ستعصف بأولئك الذين لا يعرفونها.
(31)
«أغلب الكتَّاب والشُّعراء يتجاهلون مشكلات شعوبهم، ويتحدثون عن شعوب أخرى، وهذا الأمر يجعلهم في أمان. مثلًا؛ الكُتَّاب الذين يشاهدون شعوبهم وهي تُسحق، لكنهم يخافون من النِّظام، ولا يكتبون عن شعوبهم شيئًا، لكنهم من الممكن أن يطالبوا بالاستقلال والعدالة لفيتنام مثلًا». (عزيز نيسين: «الدنيا قِدر كبير، وأنا مغرفة» رحلة مصر والعراق).
يا الله! لم أكن أعرف قبل قراءة هذا أن نيسين كان عُمانيًّا أصيلًا وكريم المحتد. لكن شاءت الظروف والأقدار أن هاجر إلى تركيا مع أسرته وهو لما يزل صبيًّا صغيرًا، واستقر وعاش هناك. ومن ضمن ما فعله بعد نضجه أنه كتب عن بعض الأحوال الثَّقافية في عُمان، خاصة في مرحلة الثَّمانينيَّات؛ حيث قاد أحدهم حملة شعريَّة ضد ستالين وهتلر، وذلك بعد وصول الألمان والسوفييت إلى مرحلة الضَّجر من هجائهما وتقريعهما، وحيث كان الموت والعذاب يوجدان في مكان آخر.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عُماني