بين الكاميرا والطبيعة علاقة لا تنفصل في حياة المصوّر حسين العامري، فمنذ بداياته، وجد في التصوير ملاذا يحرره من ضغوط الحياة اليومية، ليتحول مع الوقت إلى شغف يرافقه في رحلاته وأسفاره.. ولا يكتفي المصور العماني حسين العامري بالنظر إلى الصورة كعمل فني عابر، بل يراها تجربة كاملة تحمل بصمته ورؤيته الخاصة، وتكشف مقدار ما يختزنه من إحساس وتأمل...
في هذا الحوار، يتحدث "العامري" عن تجربته مع المسابقات العالمية، وعن الرحلات التي شكلت جزءا من ذاكرته البصرية، كما يسلّط الضوء على رؤيته لمفهوم الاحتراف، وحدود دور الجوائز والألقاب في مسيرة المصور، مؤكدا أن القيمة الحقيقية تبقى في العمل نفسه لا في الألقاب.
المسابقات والمشاركات

**media[3106394]**


بداية يرى المصوّر حسين العامري أن المشاركة في المسابقات والفعاليات الفوتوغرافية، سواء كانت عربية أو عالمية، تمنح المصور مساحة للتعبير وإبراز تجربته أمام الجمهور، وبالنسبة له التصوير ليس مجرد مهنة، بل شغف يومي يتخفف من خلاله من ضغوط الحياة، حتى أنه لا يستطيع مقاومة حمل الكاميرا في أبسط رحلاته، مؤكدا أن مثل هذه المشاركات تفتح الأبواب أمام المصورين لعرض إبداعاتهم والحصول على التقدير، إلى جانب دورها في تعريف الآخرين ببلدانهم ومعالمها السياحية، كما أنها وسيلة عملية لتوثيق الإنجازات وإضافتها إلى السيرة الذاتية، وأن المسابقات تعطي المصور دفعة جديدة للعودة إلى الكاميرا بعد فترات الفتور، فهي تعمّق التجربة وتدفعه إلى التطوير المستمر، إذ لا يخلو مشوار المصور من مراحل يصعد فيها الحماس للتصوير أو يخفت، وهو أمر طبيعي في مسيرة أي مبدع.
طقوس السفر

وعن طقوس السفر والتخييم يقول "العامري": حقيبة التخييم لا تفارقني، فهي حاضرة دائما في سيارتي، أجهزها مسبقًا تحسبا لأي مغامرة مفاجئة، وعندما أقرر الانطلاق، سواء بمفردي أو برفقة أصدقائي، أحرص على أن أضع للرحلة جدولًا مرتبا بعناية، يبتعد به عن صخب الروتين اليومي.

**media[3106386]**


ويذكر "العامري" أنه في بداياته كان يسافر من أجل الترفيه، لكن مع مرور الوقت وتعمقه في التصوير، تحولت رحلاته إلى بحث عن ثقافات وتجارب جديدة.. فلم يعد يكتفي بالمدن المعروفة، بل صار يفتش عن الأماكن الصعبة والنادرة، ويضرب مثالا رحلته إلى إيران، حيث قصد قرية نائية في قلب الجبال، يعتقد أن معظم الإيرانيين أنفسهم لا يعرفونها، ليعود بصور نادرة ومختلفة تعكس مغامرته وشغفه بالبحث عن كل ما هو استثنائي.

**media[3106391]**


الضوء والإحساس
وحين يتحدث "العامري" عن التصوير فأنه يصفه بأنه لوحة يرسمها المصوّر بفرشاة من ضوء وإحساس، فكل صورة تحمل شيئا من روحه ورؤيته، ولا يقرأها المتلقي بالطريقة ذاتها، فالمشاهد العادي يتذوقها جماليا، بينما يقرؤها المصور بعين فنية ناقدة .. ويشير هنا إلى ما يسميه "التغذية البصرية"، أي تراكم المشاهد والصور في ذاكرة المصور، لتصبح مرجعًا يفتح له أرشيفا واسعا من الأفكار... ويستشهد "العامري" بمثال على ذلك من عالم البورتريه، فيقول: هناك مصور أردني يعيش في أمريكا، أظنه طبيب أسنان، لا يملك شهرة واسعة ولا حتى حضورا لافتا على وسائل التواصل، ومع ذلك يعد واحدا من أقوى مصوري البورتريه فكرا وفنا وإتقانا... نحن نرى حولنا مصورين عالميين بارعين في معالجة الصورة، لكن كثيرا منهم يفتقرون إلى الفكرة، والأصل أن تكون لدى المصور المحترف رؤية يقدمها حتى في صورة البورتريه.
ويؤكد أن المصور المحترف لا يكفي أن يتقن الأدوات التقنية كالعدسات والإضاءة وضبط الكاميرا، بل يجب أن يقدّم من خلالها بصمة شخصية وتفسيرا فنيا يعكس رؤيته، ففي تصوير البورتريه خصوصا، لا تتجلى القيمة في جماليات الوجه فحسب، بل في قدرة المصور على قراءة الشخصية ونقلها بصورة تحمل فكرا وإحساسا معا.
ويضيف: كثير من المصورين يتوقف دورهم عند حدود التقنية، بينما تكمن القوة الحقيقية في الجمع بين المهارة والإبداع الفكري، لذلك نرى أحيانًا مصورين غير مشهورين، لكن أعمالهم تحمل رؤية واضحة تجعلهم متفردين وسط هذا الزخم.
الجوائز ودورها
وعمّا إذا كانت الجوائز مجرد حافز أم تقييم للتجربة، أجاب يقول المصور حسين العامري: بالنسبة لي، الجائزة قبل أن تكون دافعا هي أولاً شهادة تقييم لمستوى ما أقدمه، عندما تفوز في مسابقة ما، فهذا يعني أن لجنة التحكيم ـ بخبرتها ومعاييرها ـ وجدت في عملك قيمة تستحق التقدير، وهذا بحد ذاته أكبر مكسب.. كما أن الجوائز لا تخلو أيضا من الجانب التحفيزي، فهي تمنح المصور طاقة جديدة للاستمرار وتدفعه لتطوير مهاراته، كما تعزز ثقته بما يقدمه، أما الجانب المادي، فهو مهما للغاية لأنه يمكّن المصور من اقتناء كاميرات وأدوات حديثة تفتح أمامه مساحات أوسع للتجريب والإبداع، ومن هنا، فالجوائز تحمل أكثر من بعد: هي تقييم موضوعي، ومحفز نفسي، ودعم عملي لمسيرة المصور الفنية.
التقييم الحقيقي
ويتوقف "العامري" عند السؤال الأهم: متى يكون التقييم حقيقيا؟ فيوضح أن المسابقات القوية غير الربحية، مثل مسابقة حمدان بن محمد الدولية للتصوير الضوئي، تمثل معيارا صارما، فيكفي أن تصل صورتك إلى المراحل النهائية بين آلاف المشاركين من مختلف دول العالم، فهذا بحد ذاته إنجاز وفوز معنوي.. لأن الصورة تمر بمراحل تحكيم دقيقة وفرز متواصل، وهذا يعني أنك تدرك تماما موقعك بين الآخرين، ولا شك أنه لا أحد يبلغ القمة النهائية في هذا المجال، فالمصور الذي يظن أنه وصل إليها يبدأ بالتراجع .. فالكبار على مستوى العالم، رغم خبراتهم الطويلة، ما زالوا يعتبرون أنفسهم في بداية الطريق، فالغرور هو أول خطوة نحو الهبوط... لذلك أرى أن التقييم الحقيقي ينبع من مسارين حكم المصور على نفسه بصدق، والتقييم القادم من المسابقات الكبرى ذات اللجان المتخصصة التي تتميز بالجدية والتنافسية العالية.
ألقاب الفياب
وعن انتشار لقب "الفياب" بين المصورين، يعلّق المصور العماني حسين العامري قائلاً: لاحظت أن كثيرًا من الفنانين الحاصلين على هذا اللقب لا يقدمون أعمالا مبدعة أو مؤثرة، فاللقب في حد ذاته لا يكفي ولا يعكس المستوى الفني الحقيقي، وللأسف، أصبح الأمر عند البعض مجرد صفة للتفاخر وإبراز الذات في المحافل أو أمام الشركات، حتى أن بعض المبتدئين صاروا يحصلون عليه بسهولة مبالغ فيها... ويشير إلى أن المصورين المخضرمين التفتوا مبكرا إلى هذه الظاهرة، وأدركوا أن اللقب فقد قيمته الحقيقية، وأنه بات مجرد تسمية شكلية لا تضيف شيئا للمحتوى الفني، والمؤسف أن الكثير من المصورين الجدد في عُمان ما زالوا يعتقدون أن اللقب معيار للجودة، بينما الواقع مختلف تماما.
ويؤكد "العامري" أن القيمة الحقيقية لأي مصور لا تُقاس بالمسميات، بل بما يقدمه من رؤية خاصة وأفكار جديدة تظهر في أعماله فاللقب وحده لا يمنحك مكانة، ما يمنحك الاعتراف هو ما تضعه في صورك من فكر وإبداع، ومع ذلك، يوضح أن من حق أي مصور أن يسعى للحصول على لقب إذا كان يرى فيه إضافة معنوية أو شعورا بالهوية فهذا خيار شخصي تماما، ولكل مصور الحرية في ذلك، لكن بالنسبة لي تبقى القناعة ثابتة: ما يبقى هو العمل نفسه، لا الألقاب.

**media[3106390]**