براغ "د.ب.أ": أطلق على المشروع عند بدايته اسم باربارا. وكان هذا اسم جهاز الإرسال المحمول الذي استخدمته إذاعة أوروبا الحرة، قبل 75 عاما لبث أول برنامج تجريبي لها، وتم توزيع مكونات جهاز الإرسال على سبع شاحنات في بلدة لامبيرثايم بولاية هيسه، بوسط ألمانيا، وتم إعداد كل ما يلزم لوصول البرنامج إلى المستمعين، على مسافة مئات الكيلومترات داخل ما كان يعرف باسم الستار الحديدي، الذي كان يفصل بين الدول الخاضعة للنظام الشيوعي في أوروبا عن غرب القارة.
وفي الرابع من يوليوعام 1950 تمكن التشيك والسلوفاك، لأول مرة، من الاستماع إلى برنامج مدته نصف ساعة، وهو ما أتاح بديلا لبرامج الإذاعة ذات الطابع الاشتراكي التي تديرها الدولة، وفي وقت لاحق، أعقب ذلك إذاعة برامج تجريبية موجهة إلى سكان رومانيا والمجر وبولندا وبلغاريا.
وبدأ البث الإذاعي المنتظم في عام 1951 من استديوهات تقع قرب "الحديقة الإنجليزية" بمدينة ميونخ، وذلك في إطار مبادرة أطلقتها الحكومة الأمريكية، وانتقل هذا المشروع إلى مدينة براغ في عام 1995، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي.
واليوم تبث إذاعة أوروبا الحرة وإذاعة الحرية برامجها بـ 27 لغة، لجمهور في دول "تتعرض فيه الصحافة الحرة للتهديد"، وبينها روسيا وأوكرانيا والمجر وإيران.
ومع ذلك، وبعد مرور 75 عاما على بث أول برامجها التجريبية، تناضل المحطة من أجل البقاء على قيد الحياة، ذلك لأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تبذل ما بوسعها لتوقف تمويلها، رغم أن الكونجرس وافق بالفعل على الاعتمادات التمويلية الخاصة بها.
وتقول روان همفريز، المتحدثة باسم المحطة، إن جميع البرامج الموجهة باللغات الأجنبية لا تزال تبث، ومع ذلك توضح المتحدثة أنه تم الاستغناء عن عدد من العاملين الدائمين بالمحطة، وإنهاء عقود العاملين بالقطعة وتخفيض عدد البرامج.
وتؤكد همفريز أن "صحفيينا أكثر التزاما من أي وقت مضى برسالة المحطة، المتمثلة في تقديم الأخبار والمعلومات لملايين الأشخاص الذين يعيشون في مجتمعات مغلقة".
وتواصل المحطة عملها في الوقت الحالي شهرا بشهر، بفضل أوامر مؤقتة من المحكمة تقضي بالإفراج عن الاعتمادات المالية.
ومع ذلك، من المقرر أن ينتهي العام المالي الأمريكي أواخر سبتمبر المقبل، وليس واضحا على وجه اليقين ما الذي سيحدث بعد ذلك، فالوضع يبدو قاتما.
ويشعر كثير من المراقبين بالحيرة إزاء السبب الذي دفع الحكومة الأمريكية، إلى التخلي طواعية عن مثل هذه الأداة من "القوة الناعمة"، التي تسهم في تعزيز المصالح من خلال تأثير الإقناع والاجتذاب بدلا من استخدام القوة العسكرية.
وانضم الصحفي بيتر برود، الذي يقيم في براغ إلى إذاعة أوروبا الحرة عام 1987، قبيل انهيار الهيمنة السوفيتية على أوروبا الشرقية في العام الحاسم 1989.
ويتذكر برود: "كان لمحطتنا تأثير واسع، وهو ما كان يرجع جزئيا إلى أننا نذيع مظالم المعارضة"، ويضيف إن الهدف كان إتاحة بديل متكامل لهيئات البث الحكومية في دول الكتلة الشرقية".
وتابع: "كنا نقدم برامج إذاعية تعني كل شرائح السكان"، موضحا أن كانت تشمل مختلف الاهتمامات اعتبارا من برامج زراعية موجهة إلى سائقي الجرارات، إلى البرامج الموسيقية الموجهة للشباب.
واستطرد وهو يتذكر: "كان المعارضون يتصلون بنا علنا، ومن بينهم فاتسلاف هافيل"، مشيرا إلى الشاعر والكاتب المسرحي التشيكي المعارض، الذي صار آخر زعيم لتشيكوسلوفاكيا قبل أن تنقسم إلى جمهوريتين التشيك وسلوفاكيا، ثم أصبح أول رئيس لجمهورية التشيك وهو منصب شغله لمدة عشرة أعوام.
كما يوضح برود أنه بينما لا يملي المشرفون على المحطة تفاصيل العمل خطوة بخطوة، تلتزم المحطة بالتوجيهات العامة للسياسة الخارجية الأمريكية.
وبعد مرور 35 عاما على انهيار الاتحاد السوفيتي، تجري أوروبا نفسها استعدادات لمواجهة تهديد متزايد من قبل روسيا، وفي ضوء هذا التطور، تتبنى الحكومة التشيكية فكرة أن يتولى الاتحاد الأوروبي الإشراف على المحطة الإذاعية، في حالة الانسحاب الأمريكي الكامل من تمويلها.
وقدمت بروكسل للمحطة إعانة عاجلة بقيمة 5ر5 ملايين يورو (35ر6 ملايين دولار)، وتبرعت السويد، بالاشتراك مع هولندا، بمبلغ 8ر4 ملايين يورو. ومع ذلك، فإنه نظرا للميزانية السنوية السابقة للمحطة التي تبلغ أكثر من 120 مليون يورو، فإن هذه التبرعات تمثل فقط إسهاما صغيرا.
ولا يزال برود، الذي ترك العمل في إذاعة أوروبا الحرة عام 1993، وعمل فيما بعد لدى هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي)، متشككا في وجود أغلبية في أوروبا حاليا، ترغب في تغطية تكاليف تشغيل المحطة بالكامل، ويرى أن الدول في أطراف الاتحاد الأوروبي، مثل البرتغال واليونان ومالطة وإسبانيا، ليست لديها اهتمام كبير بتدعيم مثل هذه الجهود.
وتساءل برود: "لماذا يتعين على هذه الدول أن تساهم في بث برامج لكازاخستان أو بيلاروس".
ولم يكن عمل الصحفيين لدى إذاعة أوروبا الحرة وإذاعة الحرية خاليا من المخاطر، حيث يوجد نصب تذكاري صغير في قاعة المدخل لمقر المحطة ببراغ، يخلد ذكرى الذين فقدوا أرواحهم، وعندما كان مقر المحطة لا يزال موجودا في ميونخ، هزت عملية هجوم بالقنابل مبنى الإذاعة عام 1981، ونتج عن ذلك تعرض ثلاثة موظفين لإصابات خطيرة.
كما تعرض العاملون بالمحطة لعدة محاولات اغتيال، وذات مرة جرت محاولة لتسميم ملاحات الطعام في المطعم الملحق بالمحطة.
ويعلق برود على هذه الأحداث بقوله: "كان العاملون يدركون أنهم معرضون للخطر، وأن عليهم أن يتعايشوا معه".