بداية، نستشف من حضورك ومتابعتك للمشهد العربي اهتماما لافتا بالتجارب الجديدة، وبعد فوز الرواية العُمانية بجوائز عالمية وأخرى عربية، كيف تقرأ هذا الحضور العُماني في المشهد الأوسع.. وهل تعتقد أن هذه التجربة منحت الرواية العربية زاوية مختلفة للنظر، أم أنها بدت مجرد إضافة عددية في سباق الجوائز؟
فوز جوخة الحارثي بجائزة المان بوكر العالمية لفت الأنظار بلا شك إلى الأدب العربي بوجه عام، لأن الغرب حين ينظر إلينا لا يجزئ الأدب بحسب الدول، بل يتعامل معه ككتلة واحدة.. ومجرد أن تصل رواية مترجمة عن العربية وتحصد جائزة بهذا الحجم فهذا يسلط الضوء على الأدب العربي كله، وفي السنوات الأخيرة هناك طفرة واضحة في الأدب الخليجي، وأنا من المتابعين الجيدين للأدب العربي وأعجب كثيرا بالتطور الذي يشهده في المشرق، فلم يعد الأمر مقصورا على مصر وسوريا ولبنان أو المغرب العربي فقط، بل خلال السنوات الخمس أو الست الأخيرة، حتى قبل فوز زهران القاسمي، برزت أسماء عمانية كثيرة بدأت أتابعها عن قرب، فعملي في الأساس يقوم على القراءة والكتابة، فأنا معروف في مصر كشخص يعرض الروايات ويكتب قراءات انطباعية عنها، وهذا ما جعلني قريبا من المشهد.
والأدب العماني، مثل الأدب السعودي والكويتي وبقية الأقطار العربية، لم يكن غائبا في السابق، لكننا اليوم نرى صوت الكتابة أكثر حضورا من مختلف البلدان، ولا شك أن الجوائز العربية لعبت دورا أساسيا في ذلك، فأنا أتابع جائزة البوكر منذ انطلاقها وكل عام أتعرف على كتاب جدد، وهذا ما منحني انفتاحا أوسع.. نعم قد نكون مقصرين في الاطلاع على الأدب العربي، ونحن كمصريين تحديدا لا نركز كثيرا عليه، لكن الجوائز صارت تلفت النظر إلى أهميته، فقيمتها لا تقتصر على الجانب المادي، رغم أنه مهم ولا ينكره إلا مكابر، بل تكمن أيضا في بعدها المعنوي، أن يصبح لدى الكاتب مقروئية، وأن يعرف القارئ أن هناك صوتا جديدا يكتب ويستحق المتابعة.
بحكم أنك نشأت في بيئة متحركة بين بغداد وليبيا ومصر، هل تعتقد أن تجربتك المكانية المتعددة هي التي منحت كتابتك هذا الحس المنفتح عالميا الممزوج بجذور محلية، وكيف ترى أثر الترحال على تشكل خيالك الروائي؟
أعتقد أن الترحال كان تأثيره علي شخصيا أكثر منه أدبيا، فمنذ الطفولة وحتى مرحلة الإعدادية والثانوية تشكل داخلي شعور دائم بالقلق والغربة وإحساس بعدم اليقين، وكأنك لا تدري أين ستكون غدا أو أين ستنتهي بك الحياة، هذا ولّد لدي اضطرابا وإحساسا متواصلا بالغربة، سواء كنت في بلدي أو خارجه، وهو شعور رافقني في شبابي وترسخ بي حتى ظهر حين قررت أن أنشر ما أكتبه... فمنذ الصغر كنت أكتب، لكن لم أثق يوما أن ما أكتبه يستحق النشر، كانت مجرد خواطر وأشعار وقصص قصيرة، ومع ذلك وجودي في بيت والدي سمير ندا، وبين يدي مكتبة هائلة تضم شتى صنوف الأدب وكتّابا من مختلف الجنسيات، فتح لي أبوابا واسعة وجعلني أكثر انفتاحا... فخرجت من هذه البيئة وأنا مهتم بالآداب المصرية والعربية معا، دون أن أنحاز لأدب على آخر، وانحيازي كان دائما للأدب الجيد، كنت أقرأ ما أجد فيه قيمة وأقول رأيي فيه.. وأكبر جائزة بالنسبة لي كانت عندما أشير إلى رواية معينة، ثم أجد القارئ يعود ويقول لي فعلا الرواية رائعة، ويشكرني لأنني عرفته بكاتب لم يكن يعرفه من قبل، فتلك اللحظة هي قمة سعادتي.
بحكم خبرتك العملية في القطاع المالي والسياحي، وهي بيئة بعيدة ظاهريا عن الأدب، هل تعتقد بتأثيرها في بناء شخصياتك الروائية؟ وهل يمكن أن نقول إنك كاتب يتغذى من الهامش اليومي أكثر من المركز الأكاديمي؟
... ليست خبرتي في السياحة وحدها، بل أرى أن أي مهنة يمكن أن تترك أثرها على الكاتب، فالكتابة يجب أن تبقى هواية وليست مهنة بالمعنى المباشر، ومن يمارسها لا بد أن يتأثر ببيئته اليومية.. الأشخاص الذين يعمل معهم، الذين يصادفهم في الشارع، في سيارة الأجرة، في القطار أو في مكان العمل، كلهم يشكلون جزءا من هذا التأثير، وبالنسبة لي هذا أمر طبيعي، أن يتأثر الإنسان بالبيئة التي يعيش فيها.. وفي رواية «صلاة القلق» على سبيل المثال، استعنت كثيرا بأصدقائي حيث كنت أستقي منهم تفاصيل الطبيعة والبيئة والمفردات المحلية والأكلات والعادات، وهذا ساعدني كثيرا، لأن الرواية تدور في قرية نائية لها سماتها الخاصة، وكان علي أن أعود إلى الناس من حولي لألتقط منهم ما يثري النص ويجعله صادقا.
في «مملكة مليكة» و«بوح الجدران» و«صلاة القلق» هناك خيط متين يربط بين الذاكرة والهامش وكأنك مشغول دائما بإعادة الاعتبار للأصوات المنسية، هل ترى نفسك تكتب «أدب الضد» في مواجهة المركزية الثقافية والسياسية؟
يبدو لي أن ما ذكرته صحيح، فأنا في العادة أكتشف همومي من خلال الكتابة، لا أنطلق من هم محدد مسبقا لأكتب عنه، فالفكرة تأتي أولا، ثم أبدأ في الكتابة، وبعد مراجعة المسودات أجد أن هناك خيوطا مشتركة لم أكن أراها في البداية، وعلى سبيل المثال، فكرة الهوية حاضرة في الروايات الثلاث، وكذلك فكرة استنطاق الأصوات التي لم نسمعها من قبل، ما يمكن أن تسميه أنت بالهامش... فالتاريخ يروي لنا سيرة القادة والزعماء والثوار، لكنه لا يخبرنا كيف عاش رجل الشارع تلك المرحلة، لهذا أجد نفسي منحازا لالتقاط هذه الجوانب، فالكتابة بالنسبة لي ليست فقط عملا إبداعيا، بل هي أيضا تمرين على التعافي واكتشاف الذات، وأنا شخص متوتر ودائم القلق، وحين أكتب أشعر براحة أكبر، وأفهم نفسي بشكل أعمق، وأتمكن من النظر إلى ما بداخلي.
«صلاة القلق» جاءت بنَفَس رمزي وفانتازي يمزج بين التاريخ والراهن وبين المأساة والبطولة الفردية، إلى أي مدى كنت واعيا بأنك تؤسّس من خلالها ملحمة موازية للتاريخ الرسمي، وهل قصدت أن تكتب ضد السردية الكبرى التي يفرضها المؤرخون؟
نعم، أنا مؤمن أن الروائي أصدق من المؤرخ، فالمؤرخ قد يكتب تحت إملاء سلطة أو تهديد أو توجيه، بينما الروائي يكتب انطلاقا من إحساسه وشعوره بالأزمة، يكتب ما في داخله بحرية أكبر، ولا يخشى مراجعة ما يدوّنه، والتاريخ في الغالب يكتبه أصحاب المركز أو من يعيشون في ظل السلطة، ولدينا على ذلك عشرات الأمثلة، أما أنا فأهتم برصد التاريخ المثبت، لكن دائما بهدف يقوم على التشكيك.. فلا ينبغي أن نصدق كل ما نقل إلينا بشكل أعمى، بل لا بد من إعمال العقل ومراجعة الروايات المتوارثة، وفي الكتابة الروائية يمكنك أن تصنع تاريخا موازيا، ليس بديلا بالضرورة، لكنه يقدّم زاوية أخرى.. رؤية مختلفة.. قد يبدو في البداية قائما على الفانتازيا، لكنه في جوهره محاولة لتصوير أن التاريخ ليس بالضرورة ما فهمناه نحن، بل هو أيضا ما لم يُكتب وما لم يُر.
قلت في أكثر من حوار إن الكاتب يجب أن يمتلك «قلقا معرفيا» يحرّكه، كيف توازن بين هذا القلق وبين متطلبات البنية السردية التي تستلزم أحيانا وضوحا وحبكة محكمة، خصوصا وأنت تميل إلى الفانتازيا والرمز؟
أنا لست خبيرا في الفنون والتقنيات الثابتة، ما يحركني في الأساس هو القلق والهم الشخصي ، حبك الحكاية واختيار التقنية المناسبة يأتيان من خلال المراجعات المستمرة للنصوص التي أكتبها، وفي «صلاة القلق» مثلا كان الهم الأساسي هو فكرة القلق العربي العام، ذلك القلق الذي صار أشبه بصلاة سادسة نؤديها من غير وعي .. هذه الفكرة هي ما كان يشغلني، ثم بدأت أسأل نفسي: كيف أضعها؟ في أي إطار؟ وبأي قالب أو تقنية سردية؟ .. لم تكن عندي خطة جاهزة منذ البداية، رغم أنني ربما أضع تصورا أوليا، لكنني غالبا لا ألتزم به.. فأكتشف التقنية والحبكة أثناء الكتابة المتتالية، وليس قبلها، فأنا لدي فكرة، لدي هم، ثم أبدأ رحلة الاكتشاف، أكتب بدهشة السمكة كما أحب أن أسميها، فأنا أندهش مما أكتبه وأحاول أن أفسر هذه الدهشة عبر التعديل والمراجعة، فالكتابة بالنسبة لي عملية لاكتشاف نفسي قبل أي شيء، وهذا ما يجعلني أواصلها برغبة دائمة.
في أعمالك انشغال دائم بما يمكن تسميته «شعرية الخراب».. المدن المهدمة.. الجدران الباكية.. الأرواح الممزقة، هل هذا الانشغال خيار جمالي صرف أم هو موقف وجودي من العالم العربي المعاصر؟
في «بوح الجدران» كان البيت القديم المهدوم الذي يعود إليه بطل الحكاية رمزا للوطن والأحلام المنكسرة، البيت يعبر عن زمن انتهى، وعن حلم انكسر، ووالدي الذي كان عروبيا انعكس حضوره في الرواية، فهي تحمل الكثير من سيرته.. الرواية لم تكن فقط عن شكل الوطن، بل عن الحلم العروبي الذي ولد مبتسما لكنه لم ينجُ، لأنه كان يحتاج إلى حضانة ورعاية، ونحن كعرب لم نحضن هذا الحلم، ولم نملك يوما فكرة الوحدة الحقيقية.. وحين تنظر إلى الاتحاد الأوروبي مثلا، تجدهم أكثر تفتحا وقادرين على تجاوز حساسياتهم، بينما نحن أكثر تعصبا، تغلب علينا الشوفينية والتنافس والشعور بالاستحقاق والأسبقية، ولو قرر العرب أن يعملوا اتحادا، أول سؤال سيظهر بينهم: من الذي سيحكم؟ ربما بعد مئات السنين نتمكن من تجاوز هذه العقدة، لكن في حاضرنا ما زال الحلم بعيد المنال.
أما «الأوطان المهدمة».. «الأحلام الضائعة»، والجيل الذي كُسر في نكسة 1967 كلها موضوعات تشغلني بشدة.. فقد عشت مع والدي حتى 2013، وكان شاهدا حيا على النكسة، لم يخرج من هذا الانكسار أبدا، حتى بعد حرب 1973 واستعادة الأرض، فالانتصار لم يشف كسر الحلم العروبي، خاصة بعد كامب ديفيد، فقد شعر أن الحلم انتهى... كان يقول إن غزو صدام حسين للكويت مثّل موت جمال عبد الناصر، لأن الرجل يموت عندما تموت فكرته.. لذلك، نعم، أنا مشغول بالمدن والأوطان العربية الممزقة، ليس فقط على مستوى الخراب المادي، بل على مستوى الأحلام الضائعة والفرص المفوتة، ونحن كعرب أكثر أمة ضيعت فرصا تاريخية كثيرة، فكلما سنحت لنا إمكانية لنكون في مكان أقوى وأفضل، ضيعناها بسبب التعصب للذات والتفكير في الأنا وحتى هذه اللحظة، ما زلنا نقف مكاننا ننتظر.
النقاد صنفوا صلاة القلق ضمن الرواية الفانتازية، بينما آخرون اعتبروها «رواية سياسية مقنّعة»... كيف تقرأ هذا التباين.. وكيف تقرأ النقد العربي وقدرته على استيعاب النصوص الهجينة التي تكسر حدود التصنيف؟
أتمنى وأعتقد أنني وجدت هذا التفاعل فعلا، فيما يخص المزج، فقد استخدمت الفانتازيا كعنصر جذب في البداية حتى يندمج القارئ مع الأجواء ويظل لديه الفضول لمعرفة ما يجري، لكن في النصف الثاني من الرواية يكاد القارئ ينسى هذا البعد الفانتازي.. كان ذلك مقصودا، أردت أن أجذبك من خلال الفانتازيا ثم لا أبني عليها الرواية كلها، لأن النص في جوهره واقعي، يدور في إطار من الخيال، لكنه يقوم على شخصية خيالية وليست فانتازية، حين تصل إلى الثلث الأخير تكون قد خرجت تماما من جو الفانتازيا، وتورطت في الحكاية الواقعية.
أما بالنسبة للنقد، فأنا أراه قادرا على استيعاب ذلك، وكذلك القارئ، وصلتني آراء نقدية كثيرة، ليست كلها معجبة بالرواية، لكنها جميعا قرأت النص بوعي وحاولت تحليله.. وهذا في حد ذاته مهم، حتى القراء في عمر العشرين ناقشوني في الرواية بمنتهى النضج والوعي، وهذا ما فاجأني فقد كنت أظنها رواية صعبة، لكن استقبالهم بيّن لي أن النصوص الهجينة يمكن أن تجد قارئها بسهولة.
فوزك بالبوكر العربية 2025 أعطاك حضورا عربيا واسعا، لكن هل تخشى أن تتحول الجوائز إلى سقف أدبي يقيّد الكاتب بدل أن يحرره؟ وكيف تفكر في مشروعك القادم بعد هذه اللحظة المفصلية؟
خططي للكتابة لم تتغير عما كانت قبل الجائزة، فعلى سبيل المثال، كتبت رواية بعنوان «حكاية حرية» عام 2018 ولم أجد من ينشرها، فوضعتها في الدرج، ثم شرعت في كتابة «صلاة القلق» وأنهيتها في 2022.. بحثت عن ناشر لها ولم أجد، فتركتها عاما كاملا وبدأت مشروعا آخر، وحين وجدت ناشرا لـ «صلاة القلق» نشرتها بعد مراجعة استغرقت سنة إضافية، وبعدها عدت إلى الرواية التي كنت أكتبها منذ 2023 لأكملها... ولن أغير خططي في الكتابة لمجرد أنني حصلت على جائزة، سأظل أكتب ما أؤمن به، في ظل ممارسة الكتابة التي أعتبرها غاية في حد ذاتها .. وهناك فرق كبير بين شهوة الكتابة وشهوة الفوز بجائزة، وأنا متعتي الحقيقية أجدها وأنا أكتب، لا وأنا أنشر أو أتسلم جائزة .. صحيح أن أي رأي إيجابي يصلني هو أمر رائع، بل هو جائزة في ذاته، لكن الأساس أثناء الكتابة أن تنغمس في النص ولا تنشغل بشيء آخر، هذا ما لن أغيره أبدا، ولن أجعل الكتابة وظيفة.
الفرق الوحيد الذي أشعر به بعد الجائزة أنني لم أعد أعاني من أزمة نشر.. أما مشاريعي فهي كما كانت قبل الفوز، وما زلت أحاول أن أجتهد وأجود فيما أكتبه وأراجعه وأحرره بكل الطرق الممكنة ليخرج بأقل قدر من العيوب، لكن هل سيعجب القارئ مثل «صلاة القلق» أو أكثر أو أقل؟ هذا أمر لا أستطيع ضمانه، وإذا شغلت نفسي به الآن فلن أستطيع أن أكتب جيدا.
كيف ترى مستقبل الرواية العربية في ظل التحديات السياسية والرقمية والهوية الثقافية؟ وهل يمكن أن تبقى الرواية سلطة معرفية وسط طغيان الصورة السريعة؟
ستظل الكتابة سلطة معرفية، لكن على الحكومات العربية أن تتدخل بجدية لإنقاذ صناعة النشر، لا بد من تفعيل القوانين التي تجرم انتهاك حقوق الملكية الفكرية، أنا أمشي في شوارع القاهرة وأجد روايتي مزورة على الأرصفة تباع بثلث الثمن .. فالمشكلة أن الحكومات العربية حتى الآن لا تنظر إلى حماية حقوق المؤلف والناشر بعين الاحترام، ولم يؤخذ هذا الملف بالجدية المطلوبة، وهنا يبدأ دور الدولة أولا، ثم دور الناشر.. فإذا أردت محاسبة الناشر، لا بد أن أوفر له الحماية أولا... نحن بارعون في فرض رسوم على المواطن لتحسين الطرق أو دعم التعليم أو غيره، فلماذا لا نفكر في خطوة مشابهة لتحسين صناعة الثقافة؟ الدور الثقافي للحكومات في الوطن العربي يجب أن يكون أكبر وأكثر وضوحا في حماية الناشرين والمبدعين ودعم هذه الصناعة.
أما على مستوى الكتابة، فالأدب العربي يعيش طفرة حقيقية، وهناك خروج عن المألوف، وتجاوز لصندوق الممنوعات الذي ظل محصورا في الدين والسياسة والجنس، وهناك جرأة في الطرح ليست دائما بابتذال، بل في كثير من الأحيان بوعي وقدرة على قول الحقيقة .. قد توجد بعض الأعمال الضعيفة، لكن في المجمل نحن أمام ثورة أدبية حقيقية، ورغبة صادقة في التعبير وضجر من الصمت، وهذا كله ينتج أدبا عربيا عظيما، وأعتقد أنه بعد عقود سيشار إلى هذه المرحلة بوصفها بداية نهضة أدبية جديدة.
حلمي الحقيقي أن أكتب رواية تعيش مثل «فساد الأمكنة» لصبري موسى، تلك الرواية التي صدرت قبل أكثر من خمسين عاما ولا تزال تقرأ حتى اليوم... لا أحد يتذكر هل فازت بجائزة أو كم أقيم لها من حفلة توقيع، لكن الزمن قرر أن تعيش لأنها رواية جيدة. هناك أعمال كثيرة ما تزال تطبع وتباع حتى الآن رغم مرور عقود، بينما أعمال أخرى نالت الجوائز سرعان ما طواها النسيان... أنا لا أريد أن تكون «صلاة القلق» مجرد عمل ارتبط بجائزة ثم انتهى أثره بعد سنوات، أتمنى أن تظل تقرأ بعد خمسين عاما، وأن يمنحها الزمن شرعية البقاء..فالجودة وحدها هي التي تصنع خلود الأدب، وهذا ما أطمح إليه.
وهل هناك خوف على الرواية وفعل الكتابة في ظل وجود الذكاء الاصطناعي؟
الذكاء الاصطناعي مرعب، لكنني لست خائفا، فالعقل البشري مثلما ابتدع الذكاء الاصطناعي، قادر أيضا على أن يبتدع وسائل تميّز بين الإنسان وهذه النماذج، هذا سيحدث لا شك في يوم من الأيام، صحيح أننا الآن في فترة ارتباك، لكني مطمئن تماما إلى أن العقل البشري لن يسمح بهذا الخلط، ستبقى هذه النماذج وسيلة مساعدة مهمة جدا، لكنها لن تسلب من الإنسان حقه في ملكية ما يبدعه.
**media[3103756]**