يعد حصن " بيت النعمان " من المعالم التاريخية المهمة بولاية بركاء في محافظة جنوب الباطنة، تقع على الشريط الساحلي لبحر عمان، وتبعد عن عاصمة مسقط نحو85 كيلومترا. ويتميز موقعة الاستراتيجي بطابعة العمراني الفريد، حيث بناه الإمام سيف بن سلطان اليعربي الملقب بي " قيد الأرض" في القرن السابع عشر ميلادي كمأوى ريفي.
ويعتبر تشييد بيت النعمان أحد المنجزات الكثيرة للنهضة السياسية والاقتصادية التي شهدتها عمان في فترة إمامة اليعاربة، وهو عبارة عن مبنى مربع الشكل مكونا من طابقين، ويضم أبراجا دائرية، كل ركن من هذه الأبراج يتكون من ثلاثة أدوار، وكان هذا الإرث يستخدم كسكن لاستراحة المسافرين للشخصيات البارزة والأعيان وموقف لاحتفالات المحاربين حتى عقود قليلة خلت من مسقط وإلى الرستاق.
ويستقبل الحصن زواره بشموخ، مقدما لهم تجربة فريدة للتعرف على فن العمارة العمانية الأصيلة وأسلوب حياة الأئمة والسلاطين في القرون الماضية، بفضل جهود المرشدين السياحين، ومنهم ناصر بن خلفان الرواحي.
قال المرشد السياحي ناصر بن خلفان الرواحي: منذ ثلاثة قرون، كانت الرحلات بين مسقط وعاصمة اليعاربة في الرستاق تتم بالسفر على ظهور الجمال أو الخيول، وكانت تلك الرحلات شاقة وتستغرق أياماً طويلة، لذا فقد تم بناء حصن النعمان في القرن السابع عشر الميلادي -زمن الإمام سيف بن سلطان اليعربي- للعائلة المالكة، ليكون بمثابة بيت للاستراحة بنقطة وسطى لتلك الرحلات. ويقع الحصن بمكان جميل جداً على طريق متعرج يؤدي إلى ساحل البحر، ويشرف على مساحات واسعة من بساتين النخيل التي تمتد لأميال باتجاه مغيب الشمس، فالبساتين الأصلية التي تضمنت حوالي 30 ألف شجرة نخيل و 6 آلاف شجرة جوز الهند تم غرسها بأمر من الإمام سيف بن سلطان اليعربي (1688-1711م) الذي اعتنى بزراعة عدد كبير من الأشجار، وكان يشتهر بامتلاكه ثلث أشجار النخيل في البلاد، وكان هذا الإمام المعروف بقوته ومقدرته يمتلك أيضاً عدداً من السفن بلغ عددها ثمان وعشرون سفينة إحداها ذات ثمانية مدافع ضخمة.
وأضاف: بعد قرن من الزمان تقريبا في حكم الإمام سيف أعيد تحصين الحصن كليا في عهد مؤسس العائلة المالكة لعمان حاليا. عهد البوسعيدي - الإمام أحمد بن سعيد- (1749-1783)، قفد تم توسعة جدران المبنى مربع الشكل الأصلي، وإضافة برجين دفاعيين متقابلين محوريا لتوفير قدرة إطلاق نارية بزاوية مجالها يصل إلى 360 درجة تغطي المناطق المحيطة بالحصن كلها، لذا فقد أصبح البيت الريفي حصنا محصنا كليا. ومكث الامام أحمد بن سعيد في حصن النعمان كثيراً خلال رحلاته الكثيرة بين عاصمته الرستاق ومدينة مسقط، فقد كان يمكث في هذا الحصن أياماً عديدة، ويعقد فيه الجلسات الخاصة للاستماع للمواطنين الذين يتوافدون عليه من المستوطنات المنتشرة بين المصنعة في الغرب إلى السيب في الشرق.
وأشار أن الحصن يتضمن المخطط الداخلي "السقاطة" التي تقع فوق حافة مدخل الحصن مباشرة، ومنه إلى مدخل مسدود لإضلال المهاجمين، وهناك أيضاً ممرات هروب سرية للقاطنين في مكان مخبأ للخروج من المجلس الخاص للإمام مصمم بفجوة ذات فتحة ضيقة في الأرضية، وبأسفله توجد حجرة برجية مظلمة، وهذا التصميم من التمويه يجعل الخروج إلى الأرضية الخارجية آمناً، حيث يتوفر هناك فرساً جاهزاً للامتطاء والهرب بسرعة فائقة.
وأضاف: كان الفلج يمثل شريان الحياة، حيث كان يوفر المياه اللازمة لاحتياجات الحصن وسكانه، ووجود الفلج داخل الحصن يؤكد على أهمية المياه في الحياة اليومية والعمارة العمانية، وكيف كانت هذه الأنظمة جزءًا أساسيًا من تصميم الحصون والقلاع لضمان الاكتفاء الذاتي والاستدامة. كان الطابق الأرضي مخصصًا للتجهيزات والخدمات اليومية، بالإضافة إلى مخازن للتمور والعسل، مما يعكس الاكتفاء الذاتي الذي كان يميز الحياة في تلك الحقبة.
ويقول الرواحي أن وزارة التراث والسياحة بمحافظة جنوب الباطنة نظمت رحلة تعريفية لطلبة المدرسة الأمريكية بمسقط في بيت النعمان بولاية بركاء، ويستضيف الحصن أحيانًا فعاليات ثقافية وتراثية خاصة، مثل عروض الفنون التقليدية أو ورش العمل الحرفية، مما يضيف بعدًا آخر لتجربة الزوار ويُمكنهم من التفاعل مع الثقافة العمانية الأصيلة.
ويشير ناصر بن خلفان الرواحي إلى أن وزارة التراث والسياحة في سلطنة عمان تولت اهتمامًا بالغًا بصيانة حصن بيت النعمان والحفاظ عليه، إدراكًا منها لقيمته التاريخية والمعمارية الكبيرة. وتُجرى أعمال الصيانة الدورية والترميمات المتخصصة للحفاظ على الهيكل الأصلي للحصن ومكوناته، وتهدف هذه الجهود إلى ضمان بقاء الحصن شامخًا عبر الأجيال القادمة، وليظل شاهدًا حيًا على الحضارة العمانية العريقة، وتشمل أعمال الصيانة مراقبة حالة الجدران، والأسقف، والأبواب، والنظم المعمارية الداخلية.
وأضاف أنه لم يقتصر الاهتمام بحصن بيت النعمان على الصيانة وحسب، بل امتد ليشمل تطوير المرافق والخدمات لتقديم تجربة سياحية متكاملة وممتعة للزوار من مختلف الفئات العمرية والجنسيات. وقد تم استكمال المرافق الخدمية للزوار لضمان راحتهم، حيث يضم الحصن حاليًا مكتبا للمرشد السياحي لتوفير المعلومات اللازمة وتنظيم الجولات، ودورات مياه حديثة ونظيفة تلبي احتياجات الزوار، ومواقف سيارات واسعة تستوعب أعداد الزوار المتزايدة، ومقهى يقدم المشروبات والوجبات الخفيفة، مما يوفر مكانًا للاستراحة بعد التجول في الحصن، ومتجرا للهدايا التذكارية يتيح للزوار اقتناء تذكارات تعكس التراث العماني الأصيل وذكرى لزيارتهم.
حصن بيت النعمان ليس مجرد بناء قديم، بل هو شاهد حي على تاريخ وحضارة عمان، ويقدم لزواره فرصة لا تقدر بثمن لاستكشاف جزء أصيل من هذه الأرض الطيبة، سواء من خلال جولة معمقة مع المرشد السياحي ناصر بن خلفان الرواحي، أو استكشاف هادئ للمكان وتفاصيله، بما في ذلك فهم الدور الحيوي لأنظمة الأفلاج في استدامة الحياة والتراث العماني، والجهود المستمرة للصيانة، والخدمات الحديثة التي تضمن تجربة زيارة مريحة ومثيرة.