سارة الجراح

تقى الذهلية: يختصر الوقت ويقدم حلولا منطقية

عائشة البلوشية: استحوذ على العقول وأضعف مهارات التفكير الذاتي

زهير العجمي: أداة قوية لدعم القرار وتحليل البيانات 

توسعت تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتشمل مختلف جوانب الحياة، وأصبح الجميع يستخدمه للحصول على المعلومات الفورية، وإيجاد حلول لمختلف المشكلات، دون أن يبذلوا أي جهد ذهني.

وهنا تبرز تساؤلات مهمة: ترى هل أصبح الذكاء الاصطناعي بديلا عن التفكير البشري؟ وهل يكون الوصول السهل للمعرفة سببا في تراجع التحليل والتفكير النقدي ؟ وهل يمكن لهذه الأدوات أن تضعف القدرات الذهنية خصوصا لدى المراهقين والشباب؟

هذا الاستطلاع كشف الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي لتلبية مختلف الاحتياجات المعرفية، وهو ما يثير مخاوف التربويين والأسر من تحول هذه التقنيات من أدوات مساعدة إلى بدائل عن الجهد العقلي.

ويرى مختصون أن المشكلة لا تكمن في التقنية ذاتها، بل في طريقة استخدامها. فالذكاء الاصطناعي -إذا أُحسن توظيفه- يمكن أن يكون داعمًا قويًّا لتعزيز التفكير والتحليل

كما طرح الاستطلاع تساؤلات مهمة: إلى أي مدى يعتمد الأفراد على الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية؟ وما دور الأسرة في ضبط هذا الاستخدام؟

معلم ذكي

تصف ثراء أسعد محمد علاقتها بالذكاء الاصطناعي بقولها: «هو معلمي الذكي ورفيقي في اتخاذ القرارات». وتضيف أنها تعتمد عليه بكثافة سواء في دراستها أو في شؤون حياتها اليومية والمهنية، حيث تراه أداة مساعدة متاحة دائمًا.

وتوضح أنها تبدأ عادة بالتفكير الذاتي، ثم تقارن استنتاجاتها بما يقدمه الذكاء الاصطناعي، لتصل في النهاية إلى قرار «أكثر اتزانا ومنطقية».

وترى ثراء أن الذكاء الاصطناعي يمتلك قدرة على التفكير المستقل بشكل يشبه الإنسان، خاصة في قدرته على فهم السياق وتحليل المعلومات بشكل منطقي. وتشير إلى أنه يساعد المستخدمين في رؤية الأمور من زوايا متعددة قد لا ينتبه لها الإنسان الذي يتأثر غالبًا بعواطفه أو تجاربه الشخصية.

تطوير التفكير

من جانبها، تؤكد مريم بنت أحمد الكيومية أن الذكاء الاصطناعي كان له أثر إيجابي مباشر في تحسين مستواها الدراسي؛ حيث تستخدمه لفهم الدروس وحل التمارين في الوقت الذي يناسبها، ما خفف من اعتمادها على المعلمين والدروس الخصوصية.

تقول: «طريقة شرحه سلسة ودقيقة، وكان له دور في تحسين تحصيلي الدراسي» .

تعتمد مريم أيضا على الجمع بين التفكير الذاتي أولا، ثم استخدام الذكاء الاصطناعي للمقارنة، وتؤمن أنه لا يقلل من قدراتها، بل على العكس يعينها على ملاحظة أمور كانت تغفل عنها سابقا.

وترى أن الفرق الأساسي يكمن في اتساع أفق التحليل لدى الذكاء الاصطناعي مقارنة بالرؤية المحدودة التي قد تصاحب التفكير البشري، خاصة في حالات التشويش أو غياب البيانات الكافية.

بين المساندة والاستغناء

وإذا كان بعض المستخدمين يتعاملون مع الذكاء الاصطناعي بوعي واتزان، فإن التحدي الأكبر يتمثل في الاستخدام المسؤول لهذه الأدوات، بما يحافظ على القدرات الذهنية كعنصر أصيل في حياة الجيل الجديد.

وترى تقى بنت قاسم الذهلية أن الذكاء الاصطناعي يساعد في اتخاذ القرارات وإيجاد الحلول، وتُرجع ذلك إلى ما توفره التقنية من سرعة في توليد الأفكار، واقتراحات منطقية وجديدة، الأمر الذي يمثّل اختصارًا فعّالًا للوقت.

لكنها رغم اعتمادها عليه، تؤكد أنه لا يمتلك قدرة حقيقية على «التفكير المستقل»؛ لأن نتائجه تقوم على بيانات مصدرها البشر أنفسهم.

وترى الذهلية أن الذكاء الاصطناعي يتفوق على التفكير الذاتي في معالجة القضايا والبيانات الرقمية، حيث يبتعد عن التأثيرات العاطفية التي تضعف أحيانا قرارات الإنسان. وتشير إلى نقاط ضعف في التفكير البشري مثل الانحياز العاطفي، وهي ثغرات يسدها الذكاء الاصطناعي بدقة وموضوعية.

الإعاقة الذهنية

وعبرت عائشة بنت عبدالله البلوشية عن تخوّفها من الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، وتقول إنها لا تلجأ إليه إلا في حالات محددة، خصوصًا إذا كانت المسألة علمية أو تحتاج إلى تحليل.

لكنها في المقابل، تُبدي تحفظا تجاه استخدامه بشكل مفرط في كل صغيرة وكبيرة، وتحذّر من أن الاعتماد الزائد على الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى تراجع المهارات الفكرية لدى الإنسان، مشيرة إلى أن الطبيعة البشرية تميل دائمًا إلى البحث عن الحلول السهلة، والذكاء الاصطناعي وفّر سهولة كبيرة إلى حد الاستحواذ على العقول، ما أدى في رأيها إلى «خمول ذهني» وعدم استغلال القدرات العقلية الذاتية بالشكل الأمثل.

ويرى زهير بن عوض العجمي أن الذكاء الاصطناعي يشكل أداة قوية في دعم اتخاذ القرار وتحليل البيانات، خاصة في التخطيط وتحليل البيانات، ويقول: إن هذه التقنية تبقى وسيلة مساعدة وليست بديلا عن التفكير البشري؛ حيث إن الذكاء الاصطناعي لا يملك وعيًا ولا ضميرًا أخلاقيًّا، كما أنه لا يتخذ قرارات مبنية على قيم إنسانية، ويؤكد أن التفكير البشري يتميز بالقدرة على التأمل والإبداع، ويحذر من مغبة الاعتماد الزائد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، الذي قد يؤدي إلى ضعف مهارات التفكير النقدي لدى الجيل الجديد.

التفكير الذاتي

رزان بنت طارق الهنائية، تقول إنها لا تعتمد عليه كثيرًا، وتفضل استخدام قدراتها الذهنية، رغم إدراكها أن نتائج الذكاء الاصطناعي قد تكون أكثر منطقية أحيانًا.

وتضيف: «تفكيري الذاتي هو ما يصقل عقلي ويؤهلني لمواجهة تحديات الحياة... لا أريد أن أعتمد على قوالب جاهزة».

وترى رزان أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُستخدم كمرجع مساعد، لتوضيح الإيجابيات والسلبيات فقط، وليس لاتخاذ قرارات. وتقرّ بأن له قدرة فائقة في معالجة المعلومات، لكنها تحذّر من خطورة الاعتماد الكلي عليه.

الحسم للعقل البشري

من جانبه، يصف نبيل بن محمد اللواتي اعتماده على الذكاء الاصطناعي بـ«المتزن»، مؤكدًا أنه أداة فعالة في تحليل البيانات التقنية والإدارية، لكنه يحرص على أن تكون قراراته النهائية ذاتية تأخذ في الاعتبار الجوانب الأخلاقية والثقافية والدينية.

ويقول: «الذكاء الاصطناعي لا يفكر، بل يعمل بخوارزميات مسبقة ويفتقر للوعي والمشاعر».

ويُعدد اللواتي حالات يتفوق فيها الذكاء الاصطناعي على التفكير الذاتي مثل: تحليل البيانات الضخمة، والتشخيص الطبي المعتمد على الصور، والتنبؤ بالمخاطر المالية، وكتابة النصوص، والمقارنات التحليلية، لكنه يُشير إلى أن الذكاء الاصطناعي يعاني من ضعف في فهم القيم وعدم القدرة على ربط المعلومات ذات الأبعاد الأخلاقية والوجدانية.

مساهمة إيجابية

وعند الحديث عن أثر الذكاء الاصطناعي على عمليات التفكير واتخاذ القرار، لا يمكن تجاهل البعد النفسي والاجتماعي لهذا التطور التقني المتسارع.

وتؤكد سهير العامرية، أخصائية نفسية بوزارة التربية والتعليم ومدربة دولية، أن الذكاء الاصطناعي يسهم بشكل فعّال في تحسين جودة الحياة على مستويات عدّة، لكنه يحمل في طياته أيضًا تحديات نفسية واجتماعية قد تؤثر في الأفراد والمجتمعات إذا لم يُستخدم بالشكل الأمثل.

وتوضح العامرية أن الذكاء الاصطناعي يوفر أدوات ذكية تسهّل الحياة اليومية، من بينها تحسين الوصول إلى المعلومات والدعم السريع، وتعزيز الاستقلالية في المهام اليومية خاصة لكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، ويساعد في رفع كفاءة العمل والتعلم والرعاية الصحية من خلال تقنيات تساعد في إدارة الوقت وإنجاز المهام بشكل أفضل.

وفي الجانب الصحي، تبرز أدوار متعددة للذكاء الاصطناعي منها الصحة النفسية: كأدوات لمراقبة القلق والاكتئاب عبر تحليل سلوك المستخدم على الهواتف ووسائل التواصل، وتقديم إرشادات سلوكية يومية بأسلوب علمي، والتشخيص المبكر عبر قراءة الصور الطبية، وتتبع الحالة الصحية باستخدام الساعات الذكية وتطبيقات النوم والتغذية، إضافة إلى خدمات طبية مخصصة تعتمد على تحليل بيانات المستخدم.

وإلى جانب هذه الفوائد، تحذر العامرية من آثار سلبية محتملة للاستخدام المكثف وغير الواعي للذكاء الاصطناعي، أبرزها العزلة الاجتماعية التي قد تنتج من الاعتماد المفرط على الأجهزة الذكية وضعف التفاعل البشري، والقلق والإرهاق الذهني بسبب التعامل المستمر مع نتائج غير متوقعة؛ حيث قد يفقد الفرد القدرة على اتخاذ قراراته بشكل مستقل دون الرجوع إلى وسائل المساعدة الذكية.

وللوقاية من الآثار النفسية والمعلومات المضللة، توصي العامرية بعدة خطوات منها تعزيز الوعي الرقمي عبر الالتحاق بدورات لفهم آلية عمل الذكاء الاصطناعي، والتحقق من المعلومات وعدم الاعتماد التلقائي على التطبيقات الذكية، والإبلاغ عند وجود اختراقات أو استخدام غير آمن لهذه التطبيقات.

وفي النهاية، فإن طريقتنا في استخدام الذكاء الاصطناعي وقدرتنا على حماية تفكيرنا وصحتنا النفسية من آثاره الجانبية هو ما يحدد إن كانت هذه الأدوات الذكية أداة تمكين أم عائقا ذهنيّا وخطرا على تفكير البشرية.