كيف أصبحت المؤسسة العلمية غير ناقدة لنفسها للحد الذي تُنتج فيه شيئا مدمرا مثل قنبلة نووية، أو تقنية تبخر الجثث.

لو بدأنا من السؤال العريض: إلى ماذا يرمي العلم؟ ثمة الغاية المرتبطة بالفهم والتفسير، تتداخل مع صياغة النظريات والقواعد، ثم تأتي الحاجة إلى التحكم والسيطرة: الأمراض، والطقس، وإنتاج بطيخة بلا بذور.

يتبنى الكثير من العلماء - والناس عموما - موقفا غير ناقد من العلم: العالِم لا يملك أهلية أخلاقية خاصة بحكم معرفته. يذهب البعض إلى القول: إن إلزام العالِم أخلاقيا يُعرقل الأداء البحثي. تُبنى محاججات الموضوع على الفصل الكامل بين «إنتاج» المعرفة و«تطبيق» المعرفة. ويُدّعى أن الإنتاج - الذي يسبق التطبيق - هو عملية حرة ومحايدة، موضوعية ونزيهة. حرة بمعنى أن لكل عالم حرية استكشاف الموضوعات التي يختار، ومحايدة بمعنى أنها لا يُمكن أن توصف بأنها جيدة أو سيئة، أخلاقية أو غير أخلاقية، وحتى مفيدة أو مضرة. ثم النزاهة التي قليلا ما تعني أكثر من تجنب السرقة الأدبية.

يحق لنا، ما دمنا هنا، أن نتساءل إن كان العلم دائما مشغولا بالتحكم والسيطرة، هل كانت الطبيعة دائما شيئا يجب إخضاعه قسرا؟

تزامن تطور العلم للشكل الذي نعرفه اليوم بطموحات أوروبية في التوسع، والرفاه عبر الهيمنة على مصادر الأرض، وبشرها. لكن السيطرة على الطبيعة وتسخير مواردها لم يكن دائما الغاية الأولى للعلم. تُخبرنا ليندا جين شيفرد في كتابها «أنثوية العلم» أن الأمر لم يكن هكذا على الدوم: «وبدلا من استلهام الهيمنة على الطبيعة، اتخذ الصينيون العلاقة الانسجامية مع الطبيعة مثلا أعلى لهم». الحضارة العربية الإسلامية قامت على الاعتدال، على كون الأرض أمانة.

هذا المنظور المؤسس على الرغبة في الهيمنة ناتج عن مقاربة الطبيعة كما يُقارب كيان أنثوي أو كيان بدائي «غير متحضر»: فهو عصابي وحشي، ثري سحري، مليء بالإمكانيات لكن يجب إخضاعه. استكشاف الطبيعة يُصبح إذا ذا غاية محددة: التسخير؛ وذو شروط محددة أيضا: القابلية للاستعمال (معرفة يمكن تطبيقها، معرفة نافعة ماديا).

وبالرغم من تغير وظيفة العلم، لم تتغير مكانته. اتجاهه الجامح نحو الربح والهيمنة لم يواكبه التشكيك والنقد والمساءلة.