الأحلام .. الحياة الأخرى للإنسان المقابلة لحياته في اليقظة، وقد شغلته منذ أن استوى عاقلا حتى الآن، وليس من الوارد أنْ يصرف نظره عنها في المستقبل. لم تكن الأحلام حالا سادرًا تحت لُحُف نومنا.. بل شكّلت جانبًا من نشاط يقظتنا، ليس على مستوى الشأن اليومي لدى الفرد فحسب، وإنَّما على طبيعة حياته عمومًا، وعلى التحولات الحاسمة لديه؛ فكم من متدين اعتنق دينًا جديدًا أو مذهبًا مخالفًا لكائن زاره في غفوه، وكم حاكم اتخذ قرارًا حاسمًا لرأيِّي طاف عليه في نومه، وكم غارق في بحر أحلامه أسلمته إلى الاكتئاب.. بل أنَّ الأحلام أثرّت على بعض الفلاسفة، فبدّلوا أفكارهم بما قذف به عقلهم في سِنتهم.
الأحلام.. «الصندوق الأسود» للإنسان، هذا ليس تعبيرًا أدبيًّا، وإنَّما حالة تقبع في تجويف أدمغتنا، تُفتح أثناء نومنا، وتَصطك حال يقظتنا؛ فللأحلام ملمحان: تُنسى بمعظمها بعد الاستيقاظ، ولا يُعرف تأويل ما بقي منها إلا تخمينًا. ظل الإنسان حائرًا أمام نهر أحلامه المتدفق بالمشاهد اليومية، بيد أنَّ الحيرة تؤدي إلى البحث عن مخرج لها، وهذا ما جعله يتأمل فيها. في البدء توهمها «روحًا»؛ تنفخ بها أسلافه في روعه، أو تحكي أيامه الخوالي، أو تنبئه بالقوادم، وقد يكون «الروح» خيّرًا فيريه حلمًا مبهجًا، أو شريرًا فيريه حلمًا محزنًا.
ثم تطورت نظرة الإنسان للأحلام.. فاعتبرها إيحاءً من آلهة أو وسوسةً من شياطين، حتى جاءت الأديان؛ فميّزت بين ثلاثة مستويات من مشاهد النوم: الحُلم.. وهو المحزن منها ومبعثه الشيطان. والرؤيا.. وهي الطيّب منها ومصدرها الله، فهي تتحقق بطريقة أو أخرى. والأضغاث.. وهي أحاديث نفس؛ لا يُعرف قبيلها من دبيرها. ففصلت الأديان الرؤى عن الأحلام.
ثم جاءت الفلسفة.. فاعتبر بعض الفلاسفة الأحلام انعكاسًا ليقظة الإنسان، وأشهر من قال به الفيلسوف اليوناني أرسطو (ت:322ق.م). بيد أنَّه بقي تأويلا تأمليًّا، ولم يخضع للتجارب التحليلية، إلا بعد أكثر من ألفي عام، عندما جاء الطبيب النمساوي سجموند فرويد (ت:1939م)؛ فاشتغل بتحليل الأحلام؛ حتى عُرفت أعماله بـ«مدرسة التحليل النفسي». وقد جعل مرتكز تحليله الجنس، وشرّح على أساسه أحلام «مرضاه» نفسيًّا. وقد قُدِّم نقد كثير وقوي على نظريته، خاصةً اعتمادها على العامل الجنسي. واليوم .. أصبحت من تأريخ التحليل النفسي، لكنها لا يزال يدرسها المتخصص في علم النفس، فقد وضع فرويد التنظير الأول لعلم النفس التحليلي.
رغم أنَّ نظرية فرويد تعرضت إلى النقد المنهجي، إلا أنَّ البعض غالى في نقدها؛ حتى اعتبر أنَّها جاءت لتحطم «أخلاق العفة»، وبعض المتدينين وصموها بأنَّها باب الشيطان إلى الإلحاد. فرويد وإنْ ركّز على الجنس في تحليله الأحلام لكنه لم يحصر سببها في الجنس، فهو يدرك بأنَّ لها أسبابًا أخرى؛ بيولوجية ونفسية، وإنَّما جعل أساسها الجنس؛ لأنَّه انطلق في تحليله من كون الكائن الحي بأصله خليةً تغالب لأجل البقاء؛ وهو ما يسميه بـ«ما فوق مبدأ اللذة»، ويرى أنَّ لذة الجنس التي سيطرت على الإنسان منذ تشكله جنينًا في بطن أمه غايتها أنْ يحافظ على بقائه. وعلى من يريد أنْ يفهم نظرية فرويد في تحليل الأحلام لا يقتصر على كتابه «الأحلام».. بل عليه أنْ يقرأ كذلك رسالته المكثفة «ما فوق مبدأ اللذة».
وبعد؛ فقد شغلتني الأحلام منذ صغري، في البدء؛ لم يكن اهتمامًا معرفيًّا، وإنَّما قلق نفسي، فعيناي لا تكاد تطبق أجفانهما حتى ألج حياة أخرى من الأحلام، وقد رأيت منها ما أثقل كاهلي، وجعلني أسير في الحياة وعلى رأسي حِملٌ يضغط على جسدي بوطأته، ولم أستطع التخلص منها إلا بعد سنوات من التدرج في فهمها. هذه التجارب الصعبة أورثتني مزيدًا من الأحلام المقلقة، لكنها دفعتني إلى القراءة عنها، رجاء الانفلات من إسارها، وقد ألهمتني تقليدًا معرفيًّا، وهو أنْ أقرأ حول الإشكالات المعرفية التي تواجهني في الحياة، وأصبحت لا أطيق تساؤلاً دون أنْ أبحث عن جواب له، رغم وعيي بحكم تجربتي بأنَّه ليس لكل أسئلة العقل جواب في الواقع أو من عالم المعرفة.
بدأت أقرأ كتب تفسير الأحلام، وفي مقدمتها «تفسير الأحلام» المنسوب إلى الفقيه البصري محمد بن سيرين (ت:110هـ)، وقد لازمت قراءته مدةً. ثم عمدت إلى بعض تفاسير القرآن لفهم ما قيل في معنى الآيات التي ذكرت الأحلام والرؤى. وما إنْ دخلت الجامعة، حتى وجدتني في مكتبتها الثرية، فطفقت أقرأ في الأحلام، ووضعت يدي على «تفسير الأحلام» لفرويد، الذي نقلني مرحلة جديدة في فهمها، أو بالأحرى؛ أوقفني على محاولة جديدة لفهم نفسي، فكففت عن الرجوع إلى كتب التفسير التي تعتمد على نقولات الأقدمين. وشرعت في محاولة فهم نفسي بنفسي، ورغم عدم امتلاكي الأدوات العلمية للتحليل النفسي؛ لكني أدركت بأنه لا أحد يمكن أنْ يفهم نفسي أكثر مني. وتجدر الإشارة هنا؛ أنَّ من أجمع الكتب العربية التي ناقشت أقوال المتقدمين في الأحلام «أقانيم اللامعقول في الرؤى والأحلام.. السؤال والتحليل والنقد» للعماني أحمد النوفلي، الصادر 2017م.
ثم قرأت «الأحلام بين العلم والعقيدة» للعراقي علي الوردي (ت:1995م)، فنبهني إلى عدم الاستعجال في اتخاذ موقف قاطع في الأحلام، أو رأي ناجز في النفس، وأنَّ هناك أبعادًا فيها خفية، لم يتوصل العلم إلى الكشف عنها، كان هذا الكتاب ميزانًا لمعايرة الأحلام بين كفة البيولوجيا المادية وكفة النفس المعنوية.
في كل مرحلة من قراءاتي أفهم جانبًا من طبيعة الأحلام، لكن ما إنْ أنتقل إلى مرحلة أخرى حتى أكتشف أنَّ السابقة كانت قاصرة عن إمدادي بفهم علمي موضوعي، غير أنَّها مهمة لي في رحلة الاستبصار الذاتي بالأحلام.
وأما الكتاب الذي استجمع فهمي للأحلام ونظّم طريقة تفكيري فيها؛ فهو «باب الأحلام» للطبيب الفلسطيني علي كمال (ت:1996م)، وقد أتى على ما يتعلق بها من علوم زمانه، وبسطها على طاولة التشريح، ولاستفادتي منه عرضته في حلقة ببرنامج «كتاب أعجبي» الذي يقدمه سليمان المعمري على إذاعة سلطنة عمان، [SoundCloud] 7/ 8/ 2018م].
مما اكتسبته من رحلة البحث في عالم الأحلام، أنَّها لم تعد تقلقني.. بل ولا تثير توجسي، وإنَّما أصبحت أأنس منها ما يكشف ردهة خفية من نفسي. لقد كتبت عن الأحلام؛ بعدما تبيّن لي أنَّ معظمها انعكاس للحالة النفسية التي نعيشها، سواءٌ للتخلص من الماضي السيئ، أم التطلع لمستقبل أفضل، أم التأقلم مع حالة تشغلنا حاضرًا. وكل هذه الحالات أقرأ فيها ذاتي، دون أنْ أعتبرها إقحامًا خارجيًّا على النفس.
ثمَّة حالة لا ينبغي تجاوزها؛ وهي أنَّ بعض الأحلام -على ندرتها- قد تنبئ بآتٍ، وهذه حالة يخالطها الوهم كثيرًا، فحاولت تقليب فهمها على وجوه، فوجدت منها ما أسميته بـ«الحيود العقلي»؛ وهو أنَّنا نؤول الحلم بحدث يقع بعده، ونظنه حدث قبله، مع أنَّه لا يكاد يخطر على بالنا قبل الحلم، وهذه ظاهرة مدروسة من قِبَل دارسي العقل البشري، وإنْ اختلفوا في تسميتها وتوصيفها. ورغم أنَّ «الأحلام التنبؤية» لا استبعدها كليةً؛ فلا زالت هناك أحلام تتحقق دون أنْ أتمكن من تحليلها بـ«الحيود العقلي»، وأصبحت أفسرها برجع الحلم إلى «الوعي»، وهو من مكونات النفس الإنسانية الثلاثة مع الإيمان والخُلُق، وهي من أثر نفخة روح الله فينا. فـ«التكوين الروحي» للإنسان الذي يتجلى في الإيمان والأخلاق؛ يتجلى في الوعي كذلك، والوعي منه ظاهر، ومنه خفي؛ أي هو عمليات عقلية تحدث في الدماغ، لم يدفع بها بعد إلى سطح إدراكنا، والحلم التنبؤي.. هو من هذا القسم الخفي.
الأحلام.. «الصندوق الأسود» للإنسان، هذا ليس تعبيرًا أدبيًّا، وإنَّما حالة تقبع في تجويف أدمغتنا، تُفتح أثناء نومنا، وتَصطك حال يقظتنا؛ فللأحلام ملمحان: تُنسى بمعظمها بعد الاستيقاظ، ولا يُعرف تأويل ما بقي منها إلا تخمينًا. ظل الإنسان حائرًا أمام نهر أحلامه المتدفق بالمشاهد اليومية، بيد أنَّ الحيرة تؤدي إلى البحث عن مخرج لها، وهذا ما جعله يتأمل فيها. في البدء توهمها «روحًا»؛ تنفخ بها أسلافه في روعه، أو تحكي أيامه الخوالي، أو تنبئه بالقوادم، وقد يكون «الروح» خيّرًا فيريه حلمًا مبهجًا، أو شريرًا فيريه حلمًا محزنًا.
ثم تطورت نظرة الإنسان للأحلام.. فاعتبرها إيحاءً من آلهة أو وسوسةً من شياطين، حتى جاءت الأديان؛ فميّزت بين ثلاثة مستويات من مشاهد النوم: الحُلم.. وهو المحزن منها ومبعثه الشيطان. والرؤيا.. وهي الطيّب منها ومصدرها الله، فهي تتحقق بطريقة أو أخرى. والأضغاث.. وهي أحاديث نفس؛ لا يُعرف قبيلها من دبيرها. ففصلت الأديان الرؤى عن الأحلام.
ثم جاءت الفلسفة.. فاعتبر بعض الفلاسفة الأحلام انعكاسًا ليقظة الإنسان، وأشهر من قال به الفيلسوف اليوناني أرسطو (ت:322ق.م). بيد أنَّه بقي تأويلا تأمليًّا، ولم يخضع للتجارب التحليلية، إلا بعد أكثر من ألفي عام، عندما جاء الطبيب النمساوي سجموند فرويد (ت:1939م)؛ فاشتغل بتحليل الأحلام؛ حتى عُرفت أعماله بـ«مدرسة التحليل النفسي». وقد جعل مرتكز تحليله الجنس، وشرّح على أساسه أحلام «مرضاه» نفسيًّا. وقد قُدِّم نقد كثير وقوي على نظريته، خاصةً اعتمادها على العامل الجنسي. واليوم .. أصبحت من تأريخ التحليل النفسي، لكنها لا يزال يدرسها المتخصص في علم النفس، فقد وضع فرويد التنظير الأول لعلم النفس التحليلي.
رغم أنَّ نظرية فرويد تعرضت إلى النقد المنهجي، إلا أنَّ البعض غالى في نقدها؛ حتى اعتبر أنَّها جاءت لتحطم «أخلاق العفة»، وبعض المتدينين وصموها بأنَّها باب الشيطان إلى الإلحاد. فرويد وإنْ ركّز على الجنس في تحليله الأحلام لكنه لم يحصر سببها في الجنس، فهو يدرك بأنَّ لها أسبابًا أخرى؛ بيولوجية ونفسية، وإنَّما جعل أساسها الجنس؛ لأنَّه انطلق في تحليله من كون الكائن الحي بأصله خليةً تغالب لأجل البقاء؛ وهو ما يسميه بـ«ما فوق مبدأ اللذة»، ويرى أنَّ لذة الجنس التي سيطرت على الإنسان منذ تشكله جنينًا في بطن أمه غايتها أنْ يحافظ على بقائه. وعلى من يريد أنْ يفهم نظرية فرويد في تحليل الأحلام لا يقتصر على كتابه «الأحلام».. بل عليه أنْ يقرأ كذلك رسالته المكثفة «ما فوق مبدأ اللذة».
وبعد؛ فقد شغلتني الأحلام منذ صغري، في البدء؛ لم يكن اهتمامًا معرفيًّا، وإنَّما قلق نفسي، فعيناي لا تكاد تطبق أجفانهما حتى ألج حياة أخرى من الأحلام، وقد رأيت منها ما أثقل كاهلي، وجعلني أسير في الحياة وعلى رأسي حِملٌ يضغط على جسدي بوطأته، ولم أستطع التخلص منها إلا بعد سنوات من التدرج في فهمها. هذه التجارب الصعبة أورثتني مزيدًا من الأحلام المقلقة، لكنها دفعتني إلى القراءة عنها، رجاء الانفلات من إسارها، وقد ألهمتني تقليدًا معرفيًّا، وهو أنْ أقرأ حول الإشكالات المعرفية التي تواجهني في الحياة، وأصبحت لا أطيق تساؤلاً دون أنْ أبحث عن جواب له، رغم وعيي بحكم تجربتي بأنَّه ليس لكل أسئلة العقل جواب في الواقع أو من عالم المعرفة.
بدأت أقرأ كتب تفسير الأحلام، وفي مقدمتها «تفسير الأحلام» المنسوب إلى الفقيه البصري محمد بن سيرين (ت:110هـ)، وقد لازمت قراءته مدةً. ثم عمدت إلى بعض تفاسير القرآن لفهم ما قيل في معنى الآيات التي ذكرت الأحلام والرؤى. وما إنْ دخلت الجامعة، حتى وجدتني في مكتبتها الثرية، فطفقت أقرأ في الأحلام، ووضعت يدي على «تفسير الأحلام» لفرويد، الذي نقلني مرحلة جديدة في فهمها، أو بالأحرى؛ أوقفني على محاولة جديدة لفهم نفسي، فكففت عن الرجوع إلى كتب التفسير التي تعتمد على نقولات الأقدمين. وشرعت في محاولة فهم نفسي بنفسي، ورغم عدم امتلاكي الأدوات العلمية للتحليل النفسي؛ لكني أدركت بأنه لا أحد يمكن أنْ يفهم نفسي أكثر مني. وتجدر الإشارة هنا؛ أنَّ من أجمع الكتب العربية التي ناقشت أقوال المتقدمين في الأحلام «أقانيم اللامعقول في الرؤى والأحلام.. السؤال والتحليل والنقد» للعماني أحمد النوفلي، الصادر 2017م.
ثم قرأت «الأحلام بين العلم والعقيدة» للعراقي علي الوردي (ت:1995م)، فنبهني إلى عدم الاستعجال في اتخاذ موقف قاطع في الأحلام، أو رأي ناجز في النفس، وأنَّ هناك أبعادًا فيها خفية، لم يتوصل العلم إلى الكشف عنها، كان هذا الكتاب ميزانًا لمعايرة الأحلام بين كفة البيولوجيا المادية وكفة النفس المعنوية.
في كل مرحلة من قراءاتي أفهم جانبًا من طبيعة الأحلام، لكن ما إنْ أنتقل إلى مرحلة أخرى حتى أكتشف أنَّ السابقة كانت قاصرة عن إمدادي بفهم علمي موضوعي، غير أنَّها مهمة لي في رحلة الاستبصار الذاتي بالأحلام.
وأما الكتاب الذي استجمع فهمي للأحلام ونظّم طريقة تفكيري فيها؛ فهو «باب الأحلام» للطبيب الفلسطيني علي كمال (ت:1996م)، وقد أتى على ما يتعلق بها من علوم زمانه، وبسطها على طاولة التشريح، ولاستفادتي منه عرضته في حلقة ببرنامج «كتاب أعجبي» الذي يقدمه سليمان المعمري على إذاعة سلطنة عمان، [SoundCloud] 7/ 8/ 2018م].
مما اكتسبته من رحلة البحث في عالم الأحلام، أنَّها لم تعد تقلقني.. بل ولا تثير توجسي، وإنَّما أصبحت أأنس منها ما يكشف ردهة خفية من نفسي. لقد كتبت عن الأحلام؛ بعدما تبيّن لي أنَّ معظمها انعكاس للحالة النفسية التي نعيشها، سواءٌ للتخلص من الماضي السيئ، أم التطلع لمستقبل أفضل، أم التأقلم مع حالة تشغلنا حاضرًا. وكل هذه الحالات أقرأ فيها ذاتي، دون أنْ أعتبرها إقحامًا خارجيًّا على النفس.
ثمَّة حالة لا ينبغي تجاوزها؛ وهي أنَّ بعض الأحلام -على ندرتها- قد تنبئ بآتٍ، وهذه حالة يخالطها الوهم كثيرًا، فحاولت تقليب فهمها على وجوه، فوجدت منها ما أسميته بـ«الحيود العقلي»؛ وهو أنَّنا نؤول الحلم بحدث يقع بعده، ونظنه حدث قبله، مع أنَّه لا يكاد يخطر على بالنا قبل الحلم، وهذه ظاهرة مدروسة من قِبَل دارسي العقل البشري، وإنْ اختلفوا في تسميتها وتوصيفها. ورغم أنَّ «الأحلام التنبؤية» لا استبعدها كليةً؛ فلا زالت هناك أحلام تتحقق دون أنْ أتمكن من تحليلها بـ«الحيود العقلي»، وأصبحت أفسرها برجع الحلم إلى «الوعي»، وهو من مكونات النفس الإنسانية الثلاثة مع الإيمان والخُلُق، وهي من أثر نفخة روح الله فينا. فـ«التكوين الروحي» للإنسان الذي يتجلى في الإيمان والأخلاق؛ يتجلى في الوعي كذلك، والوعي منه ظاهر، ومنه خفي؛ أي هو عمليات عقلية تحدث في الدماغ، لم يدفع بها بعد إلى سطح إدراكنا، والحلم التنبؤي.. هو من هذا القسم الخفي.