تحتل الملابس مكانة تتجاوز كونها مجرد غطاء للجسد؛ فهي تمثل الهوية، والانتماء، والمكانة الاجتماعية، بل وتُستخدم أحيانًا كأداة للتعبير عن الذات أو لإخفائها. ورغم ارتباطنا بالزي التقليدي كرمز للهوية الثقافية، إلا أن التغيرات الاقتصادية والانفتاح العالمي أدخلا عنصر «الموضة السريعة» إلى حياتنا، فغدت الملابس جزءًا من الاستهلاك العاطفي والإنفاق الاندفاعي، لا تعبيرًا عن الوظيفة أو الذوق فحسب.

تشير خبيرة الأزياء «كيلا براون» إلى أن الكثير من النساء اليوم يشترين الملابس من منطلق البحث عن نسخة مثالية من أنفسهن، لا من واقع فهم وتقبل الذات. في السياق المحلي نجد هذا السلوك يتكرر لدينا في الأعراس أو المناسبات الاجتماعية؛ حيث تحرص الكثيرات من النساء على اقتناء ملابس باهظة الثمن قد لا تكررها. ولا تعكس هذه الملابس في الغالب ذوق النساء الحقيقي، لكنها تعكس «الصورة» التي يرغبن في أن يراهن بها المجتمع. وهذا يرتبط بفكرة «الذات الخيالية» التي نصنعها مقابل «الذات الحقيقية» التي نهمشها أحيانًا.

الوعي الجديد الذي تدعو إليه كيلا يدعو إلى الانتقال من «التسوّق» العاطفي العشوائي إلى «تنسيق» واعٍ لخزانة الملابس؛ بحيث تصبح الخزانة مشروعًا يخدم أسلوب حياتنا، واحتياجاتنا الفعلية. في المجتمع العماني حيث نمتلك نمط حياة يجمع بين الحداثة والتقاليد يصبح من المهم أن نختار ملابس تعكس هذه الثنائية، وتحترم هويتنا الوطنية، لا أن ننساق وراء ما يفرضه السوق دون وعي.

من أعمق الرسائل التي تقدمها كيلا في فيديو لها تابعته مؤخرا هي أن «تقبّل الجسد» هو نقطة البداية. في ثقافتنا المعاصرة غالبًا ما تُربط أناقة المرأة بوزنها، أو شكل جسمها، ما يجعل الكثيرات يشترين ملابس لا تناسب واقعهن. ولكن حين تتصالح المرأة مع ذاتها، وتبدأ في اختيار ما يليق بها فعليًا، لا ما يرضي المقاييس الاجتماعية فإنها تبدأ في بناء علاقة صحية مع الملابس، ومع ذاتها أيضًا.

التحرر من ضغط الشراء والانصياع لمقاييس خارجية ليس تمردًا على المجتمع، بل هو خطوة نحو حياة أكثر اتزانًا، وصدقًا، وانعكاسًا لذاتنا الحقيقية في كل قطعة نختار ارتداءها؛ حتى لا تستنزف خزانة ملابسنا حساباتنا المصرفية.

حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية