في صباح يوم ثلاثاء شبه صحو، وتحديدًا عند الساعة التاسعة صباحا انطلقت رحلتنا إلى «وادي جنين» من الجهة الجنوبية للوادي في مغامرة ميدانية استغرقت قرابة تسع ساعات مشيًا على الأقدام، رافقنا فيها عددٌ من محبي المغامرات، وهواة التسلق الجبلي. استخدمنا العصيّ لتفادي الانزلاقات الطينية الناتجة عن أمطار سابقة، واخترنا قمةً مرتفعةً للاستراحة، وإعداد وجبة غداء تقليدية من لحم الإبل المحلي مع الشاي الأحمر وسط مناظر طبيعية تأسر القلب، وتنعش الروح.

رحلتنا لم تكن مجرد تجربة ميدانية، بل نافذة على عالم طبيعي غني بالتنوع البيئي والجيولوجي. فقد حرص الفريق الميداني لـ«عمان» على توثيق تفاصيل جمال وادي جنين؛ حيث تتناغم عناصر الطبيعة لتشكّل لوحاتٍ فنيةً خلابةً نحتتها عوامل التعرية، وتزينها الأشجار الكثيفة، والتكوينات الصخرية النادرة.

رغم صعوبة التضاريس والانزلاقات المتكررة بسبب الطين الرطب؛ إلا أن الحذر والخبرة حالا دون وقوع إصابات تُذكر. ومع ذلك؛ لم تسلم الرحلة من التحديات الأخرى، كلسعات حشرة العانوت التي تنتشر بكثافة في الوادي.

يمتد «وادي جنين» لأكثر من 17 كيلومترًا بعرضٍ يزيد على كيلومتر، ويُعد من أبرز المواقع الطبيعية البِكر في ولاية طاقة يُعرف بتنوعه البيئي، وكثافة أشجاره النادرة، ويشكّل مرعى خصبًا للإبل القادمة من سهل حمران بعد انتهاء موسم الخريف، بفضل غزارة النباتات وتنوعها.

ويتميز الوادي بتنوع تضاريسه وعمقه الجبلي، ويُعد موطنًا لعدد من الحيوانات البرية، مثل النمر العربي، والوبر (الثفن). كما يشتهر بكثرة مناحل العسل الطبيعي؛ حيث تشكّل تكويناته الصخرية ملاذًا مثاليًا للنحل.

ومن المعالم البارزة في الوادي شجرة «الخطّار»، وهي شجرة ضخمة تتوسط الوادي ويستظل تحتها العابرون القادمون من الشرق أو الغرب، وقد سُمّيت بهذا الاسم؛ تيمّنًا برحّالة الريف الظفاري الذين يعتمدون على كرم الأهالي والمؤن المحلية خلال تنقلاتهم، خاصة في موسم «الصرب» الذي يشهد وفرة في المحاصيل الزراعية والحليب والسمن.

وإلى جانب مناظره الساحرة يحتضن «وادي جنين» كهوفًا جبلية استخدمها الأهالي سابقًا كملاجئ طبيعية خلال الأعاصير والمنخفضات الجوية، ما يعكس ارتباط الإنسان بالمكان عبر التاريخ، واستثماره للطبيعة في مواجهة التحديات البيئية.

وتتمتع الرحلات الميدانية إلى هذا الوادي بإمكانات سياحية واعدة، خصوصًا مع تزايد الاهتمام بسياحة المغامرة والإقامة البيئية؛ إذ يُمكن أن يشكّل «وادي جنين» محطة جذب للسياح المحليين والدوليين الباحثين عن تجارب استثنائية وسط الطبيعة.

وفي ظل هذا الغنى الطبيعي تبرز الحاجة إلى مزيد من الدراسات الجيولوجية والبيئية التي توثق الحياة النباتية والحيوانية في الوادي؛ نظرا للتكوينات الصخرية، والكهوف الجبلية، والحياة البرية بمختلف تصنيفاتها، بما يسهم في الحفاظ عليها، واستدامتها للأجيال القادمة، ويعزز من مكانة الوادي بصفته وجهة طبيعية ذات قيمة علمية وسياحية.