لا شك أن المجتمع المدني في عصرنا الراهن، وما كان منه قبل ذلك، يعكس مستوى التطورات الحديثة في التحرك تجاه المجتمع المدني وقضاياه واهتماماته، وإحداث تفاعل بين احتياجات المجتمعات المعاصرة، وتبني قضايا تمس حياتهم المهنية والاقتصادية والثقافية، والإسهام في تبني مصالحهم في شتى المجالات التي تتطلب مثل هذا الاهتمام الذي يجب أن يضطلع به المجتمع المدني، بما فيها مجالات خلق الوعي والتأهيل والتدريب، في المجالات التي يضطلع المجتمع، وغيرها من المجالات التي يهتم بها بما يعزز أدوار المجتمعات في المجال المحلي. كما أن المجتمع المدني الفاعل البعيد عن الأغراض والأهداف غير الوطنية، يعد من المؤسسات المهمة في عالم اليوم، لأنها تسهم في الاضطلاع بمهام جيدة من خلال العمل الطوعي في القيام بوظائف اجتماعية ذات الأبعاد الإنسانية، لا سيما في المجال الاقتصادي والاجتماعي، ويدفع بالعمل المؤسسي إلى آفاق متقدمة، إلى جانب تعزيز الوعي بأهمية الديمقراطية، وبلورة مضامين إيجابية حتى أن البعض يرى أنه لا يمكن أن نؤسس ديمقراطية فاعلة في الوطن العربي، بدون مجتمع مدني فاعل، يدفع بهذه الآلية إلى أفضل خطواتها من خلال الاستمساك بالتوجهات والرؤى التي تخدم المجتمع وتفعيل دوره الإيجابي، في شتى المجالات الإنسانية، وفق ما هو أهم وأجدى للمجتمع الناهض.
والحقيقة أن مفهوم المجتمع المدني مصطلح حديث مرتبط بالتحولات الفكرية والسياسية في الغرب، كمخاض فكري تم حسمه مع الكنيسة، وبظهور ما يسمى بعصر الأنوار، الذي أقصى الكنيسة عن سلطة القرار والتأثير في المجتمع الغربي، لكن هذا المفهوم ليس بعيدا عن المفهوم العربي الإسلامي، كممارسة على الواقع في المجتمعات العربية / الإسلامية، وهو مفهوم (المجتمع المدني الأهلي)، الذي يقوم بأدوار اجتماعية بعيدا عن دور الدولة والسلطة السياسية، كعمل اجتماعي مسهم في حركة المجتمع وتطوره الفكري والثقافي والاقتصادي، إلا أنه كان يختلف عن مخاض المجتمع المدني الذي برز في الغرب، الذي جاء نتيجة صراع واضطهاد لانتزاع الحقوق، ووقف القمع والاستبداد الكنسي، في القرن السابع عشر، أما ما نطرحه فله مسار آخر، وحديثه مختلف عن ما نقصده بالمجتمع المدني / الأهلي بأدواره المختلفة؛ لأن الإسلام، لم تكن به كنيسة ولا رجال دين يمنحون صكوك الغفران للبعض وينزعونه عن البعض الآخر، وقد ناقشت ذلك في مقالات سابقة عن الصراع بين القساوسة وبين المثقفين في الغرب، مما أدى إلى إبعاد سلطة الكنسية عن التطور والنهضة والتقدم، الذي حالت الكنسية دون الرغبة في ذلك، مما أدى إلى الصدام وتم إقصاء الكنسية عن تدخلاتها في العلم والنهضة وغيرها من المواقف السلبية في القرن الثامن عشر.
وقد لعب المجتمع المدني/ الأهلي في العصور الإسلامية أدوارا رائدة سواء في المجال الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي، والشواهد التاريخية كثيرة، ليس مجال حديثنا في هذا المقال. قد يقول البعض إن من ضمن اهتمامات المجتمع المدني، العناية بالديمقراطية والانفتاح الفكري والسياسي في المجتمع، لكن هذا لا شك مهم في عصرنا الراهن، لكن لا يكون مجرد تقليد ونأتي به مثل أي استيراد معلب ننقله هكذا مع قيمه، فلا بد أن يكون الانفتاح السياسي بأية أفكار من خارج ثقافة المجتمع، بعدم الخروج على الثوابت التي يتمسك بها المجتمع مختلف عن مجتمع آخر، ولا شك أن الديمقراطية ليست خالية من العيوب، أو أنها وصفة جاهزة للنقل في داخل أي مجتمع دون معوقات أو سلبيات عند التطبيق، لكن تظل تجسيدا حقيقيا لاختيارات الشعوب ورغباتها وفق الاختيار الحر النزيه ـ إن طبقت تطبيقا صحيحا ـ وهذا الاختيار الحر في اعتقادي هو الذي يحقق النجاحات، مع الوقت بالاستناد إلى التعدد في الخيارات، وإيجاد ما هو أصلح وأنسب في هذا الاختيار، وهذا هو الأمر الذي سيجد استجابة واعية بهذا الخيار المقبول.. والحقيقة أن مفاهيم الديمقراطية في الغرب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 أصابها الكثير من التكلس والانحراف، ومارست الولايات المتحدة على وجه الخصوص العديد من الوقائع المنافية للديمقراطية وحقوق الإنسان التي طالما تنتقد وتتهم بعض الدول بارتكابها، وهذا أمر يدعو للاستغراب والدهشة بأن تقوم دولة عظمى ولها تقاليد راسخة في الديمقراطية بارتكاب مخالفات تنسف الديمقراطية من أساسها وتقوم بالكثير من الأعمال في عرف القانون الدولي منافية لحقوق الإنسان وحجتها الحفاظ على الأمن الوطني ومحاربة الإرهاب، وهي تقترب كثيرا من بعض الدول في العالم الثالث التي تقول أن مخالفتها لحقوق الإنسان وتأخير الديمقراطية هي لمصلحة الأمن الوطني أو القومي أو لمحاربة التطرف والإرهاب؟!
صحيح أن المجتمع المدني في دول المنطقة، لا يزال محدودا في نشاطاته وفي تأثيراته بصفة عامة، نظرا لحداثة نشأته، لكنه كما نعلم بدأ يتحرك وفق ما تسمح به النظم والتشريعات القانونية القائمة في هذه الدول، وهذا بلا شك سوف يخلق وعيا قانونيا واجتماعيا إيجابيا، على المدى القريب خاصة أن الكثير من هذه الدول أدركت قيمة المجتمع المدني ودوره الاجتماعي داخل المجتمعات، لذلك لا نعتقد أن مسألة حقوق الإنسان وقضايا الحريات العامة، بضوابطها القانونية، يمكن أن تكون فاعلة في المنطقة العربية في غياب مجتمع مدني أو أهلي فاعل، في نشاطاته الاجتماعية والثقافية والفكرية، ليشكل دعامة أساسية للحراك المجتمعي الواعي بقضاياه الوطنية، وبروح واعية وإيجابية بعيدا عن السجال الإيديولوجي ومنطلقاته الفكرية، وبما يؤسس لمضامين جديرة بالبقاء والتجذر في المجتمعات العربية، ويحقق تطلعاته في خلق وعي لمجتمع مدني فاعل وناشط بإيجابية المتعددة، وهو بهذا الفاعلية يساعد المؤسسات الرسمية، في الكثير من القضايا التي تهم المجتمع وتحرك وعيه في ما يهم واقعه والنهوض به، خاصة في المجالات الاجتماعية والفكرية وحتى في القضايا الاقتصادية، التي أصبحت مؤسسات المجتمع المدني، يهمها فعاليته في الحياة العامة.
وبرهنت تجارب التاريخ الحديث أن الإصلاح لا يتم بصورة انفرادية أو جزئية، بل لا بد من إشراك المجتمع المدني بكل فئاته في ترشيد المسيرة الإصلاحية بما تستحقه من اهتمام وتقويم جهودها، وتعزيزها في مضامينها الثقافية والاجتماعية والفكرية، وإزالة العوائق التي تعترض خطواته، وبلورة الأفكار المطروحة لهذا التقويم الإيجابي، فالمجتمع المدني ليس نقيضا للدولة أو معاديا لها، بل يصب في مجراها ويدعمها بما يسهم في النهوض والتطور المنشود داخل المجتمع، فإذا كانت الدولة تتمتع بالشفافية، واحترام القانون والمؤسسات الدستورية، يقوم التعاون بينها وبين قوى المجتمع المدني.
ويرى المفكر والأكاديمي التونسي د/ الحبيب الجنحاني في رؤيته للمجتمع المدني في واقعنا العربي، والحاجة الماسة إليه في «المجتمع المدني بين النظرية والممارسة» أن المجتمع المدني والدولة ليسا مفهومين متقابلين في نظرنا، بل هما مفهومان متلازمان، ومتكاملان، فلا يمكن أن ينهض المجتمع المدني، ويؤدي رسالته في المناعة والتقدم بدون دولة قوية، تقوم على مؤسسات دستورية ممثلة، وتعمل على فرض القانون، كما أنه من الصعب أن نتصور دولة وطنية قوية يلتف حولها أغلبية المواطنين بدون مجتمع مدني يسندها، وإلا فإنها تتحول إلى دولة معزولة قد تؤدي دورها من خلال أجهزتها البيروقراطية، ولكنها تنهار في نهاية المطاف فينهار معها المجتمع، ويقدم لنا التاريخ المعاصر أمثلة متعددة على ذلك من انهيار دولة الرايخ الثالث إلى سقوط دول معسكر أوروبا الشرقية في التسعينيات. ـ مشيرا ـ أنه من الخطأ إذن مقاومة الدولة باسم المجتمع المدني، إذ إن ضعف الدولة الليبرالية الحديثة يهدد المجتمع المدني أو يفتح الباب أمام القوى المناهضة بحكم إيديولجيتها لقيم المجتمع المدني».
ويضيف في فقرة أخرى: «وعندما نعود إلى علاقة المجتمع المدني العربي بالدولة نستطيع القول: إنه لا يمكن رفع الشعار المطروح في بعض البلدان الأوروبية دولة أقل، ومجتمع مدني أكثر، كما أنّه ليس من الواقعية رفع شعار (دولة أضعف ومجتمع مدني أقوى)، ولكننا نستطيع أن نرفع شعار (كثير من الدولة، وكثير من المجتمع المدني معا)، كما لمحنا إلى ذلك، لكن بشرط أن تكون دولة ليبرالية ديمقراطية، وكثير من الدولة لا يعني كثيرا من السلطة، كما يفهم ذلك المحتكرون للسلطة والدولة معا. وموضحا أن السعي الهادف إلى إرساء أسس المجتمع المدني لا يمثل في نظرنا وصفة سحرية لكلّ مشكلات البلدان العربية، ولكن لا بديل عنه لكسب رهان المستقبل، وتحقيق المناعة في الظروف الدولية الراهنة، وقطع خطوات جديدة وثابتة على درب التقدّم والحداثة».
ولا شك أن المجتمع المدني بمفهومه الغربي، في ظل التحولات الثقافية الغريبة الحالية، كفكرة المثلية، أو(النسوية)، أو الدفع بالعلاقات الجنسية دون ضوابط أخلاقية، في ظل غياب القيم أو إقصاء الهوية، تشكل الرؤى بلا شك مخاطر كبيرة على استقرار المجتمعات، التي لديها قيم ذاتية ضمن تشريعاتها، لكن الأمم تتفاعل وتتقارب في الأفكار والرؤى الجيدة التي تكون ضمن المشتركات الإنسانية، أما فرض الأفكار وفق النمط الغربي، أو من خارج سياقه المعقول والمقبول، أو التي تخالف مستقرات مجتمعات أخرى، فهذا ما يجب عدم قبوله وفق أن لكل مجتمع قيمه ورؤيته وعاداته يتمسك بها، مثلما هو عليه كل المجتمعات الإنسانية الأخرى.
والحقيقة أن مفهوم المجتمع المدني مصطلح حديث مرتبط بالتحولات الفكرية والسياسية في الغرب، كمخاض فكري تم حسمه مع الكنيسة، وبظهور ما يسمى بعصر الأنوار، الذي أقصى الكنيسة عن سلطة القرار والتأثير في المجتمع الغربي، لكن هذا المفهوم ليس بعيدا عن المفهوم العربي الإسلامي، كممارسة على الواقع في المجتمعات العربية / الإسلامية، وهو مفهوم (المجتمع المدني الأهلي)، الذي يقوم بأدوار اجتماعية بعيدا عن دور الدولة والسلطة السياسية، كعمل اجتماعي مسهم في حركة المجتمع وتطوره الفكري والثقافي والاقتصادي، إلا أنه كان يختلف عن مخاض المجتمع المدني الذي برز في الغرب، الذي جاء نتيجة صراع واضطهاد لانتزاع الحقوق، ووقف القمع والاستبداد الكنسي، في القرن السابع عشر، أما ما نطرحه فله مسار آخر، وحديثه مختلف عن ما نقصده بالمجتمع المدني / الأهلي بأدواره المختلفة؛ لأن الإسلام، لم تكن به كنيسة ولا رجال دين يمنحون صكوك الغفران للبعض وينزعونه عن البعض الآخر، وقد ناقشت ذلك في مقالات سابقة عن الصراع بين القساوسة وبين المثقفين في الغرب، مما أدى إلى إبعاد سلطة الكنسية عن التطور والنهضة والتقدم، الذي حالت الكنسية دون الرغبة في ذلك، مما أدى إلى الصدام وتم إقصاء الكنسية عن تدخلاتها في العلم والنهضة وغيرها من المواقف السلبية في القرن الثامن عشر.
وقد لعب المجتمع المدني/ الأهلي في العصور الإسلامية أدوارا رائدة سواء في المجال الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي، والشواهد التاريخية كثيرة، ليس مجال حديثنا في هذا المقال. قد يقول البعض إن من ضمن اهتمامات المجتمع المدني، العناية بالديمقراطية والانفتاح الفكري والسياسي في المجتمع، لكن هذا لا شك مهم في عصرنا الراهن، لكن لا يكون مجرد تقليد ونأتي به مثل أي استيراد معلب ننقله هكذا مع قيمه، فلا بد أن يكون الانفتاح السياسي بأية أفكار من خارج ثقافة المجتمع، بعدم الخروج على الثوابت التي يتمسك بها المجتمع مختلف عن مجتمع آخر، ولا شك أن الديمقراطية ليست خالية من العيوب، أو أنها وصفة جاهزة للنقل في داخل أي مجتمع دون معوقات أو سلبيات عند التطبيق، لكن تظل تجسيدا حقيقيا لاختيارات الشعوب ورغباتها وفق الاختيار الحر النزيه ـ إن طبقت تطبيقا صحيحا ـ وهذا الاختيار الحر في اعتقادي هو الذي يحقق النجاحات، مع الوقت بالاستناد إلى التعدد في الخيارات، وإيجاد ما هو أصلح وأنسب في هذا الاختيار، وهذا هو الأمر الذي سيجد استجابة واعية بهذا الخيار المقبول.. والحقيقة أن مفاهيم الديمقراطية في الغرب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 أصابها الكثير من التكلس والانحراف، ومارست الولايات المتحدة على وجه الخصوص العديد من الوقائع المنافية للديمقراطية وحقوق الإنسان التي طالما تنتقد وتتهم بعض الدول بارتكابها، وهذا أمر يدعو للاستغراب والدهشة بأن تقوم دولة عظمى ولها تقاليد راسخة في الديمقراطية بارتكاب مخالفات تنسف الديمقراطية من أساسها وتقوم بالكثير من الأعمال في عرف القانون الدولي منافية لحقوق الإنسان وحجتها الحفاظ على الأمن الوطني ومحاربة الإرهاب، وهي تقترب كثيرا من بعض الدول في العالم الثالث التي تقول أن مخالفتها لحقوق الإنسان وتأخير الديمقراطية هي لمصلحة الأمن الوطني أو القومي أو لمحاربة التطرف والإرهاب؟!
صحيح أن المجتمع المدني في دول المنطقة، لا يزال محدودا في نشاطاته وفي تأثيراته بصفة عامة، نظرا لحداثة نشأته، لكنه كما نعلم بدأ يتحرك وفق ما تسمح به النظم والتشريعات القانونية القائمة في هذه الدول، وهذا بلا شك سوف يخلق وعيا قانونيا واجتماعيا إيجابيا، على المدى القريب خاصة أن الكثير من هذه الدول أدركت قيمة المجتمع المدني ودوره الاجتماعي داخل المجتمعات، لذلك لا نعتقد أن مسألة حقوق الإنسان وقضايا الحريات العامة، بضوابطها القانونية، يمكن أن تكون فاعلة في المنطقة العربية في غياب مجتمع مدني أو أهلي فاعل، في نشاطاته الاجتماعية والثقافية والفكرية، ليشكل دعامة أساسية للحراك المجتمعي الواعي بقضاياه الوطنية، وبروح واعية وإيجابية بعيدا عن السجال الإيديولوجي ومنطلقاته الفكرية، وبما يؤسس لمضامين جديرة بالبقاء والتجذر في المجتمعات العربية، ويحقق تطلعاته في خلق وعي لمجتمع مدني فاعل وناشط بإيجابية المتعددة، وهو بهذا الفاعلية يساعد المؤسسات الرسمية، في الكثير من القضايا التي تهم المجتمع وتحرك وعيه في ما يهم واقعه والنهوض به، خاصة في المجالات الاجتماعية والفكرية وحتى في القضايا الاقتصادية، التي أصبحت مؤسسات المجتمع المدني، يهمها فعاليته في الحياة العامة.
وبرهنت تجارب التاريخ الحديث أن الإصلاح لا يتم بصورة انفرادية أو جزئية، بل لا بد من إشراك المجتمع المدني بكل فئاته في ترشيد المسيرة الإصلاحية بما تستحقه من اهتمام وتقويم جهودها، وتعزيزها في مضامينها الثقافية والاجتماعية والفكرية، وإزالة العوائق التي تعترض خطواته، وبلورة الأفكار المطروحة لهذا التقويم الإيجابي، فالمجتمع المدني ليس نقيضا للدولة أو معاديا لها، بل يصب في مجراها ويدعمها بما يسهم في النهوض والتطور المنشود داخل المجتمع، فإذا كانت الدولة تتمتع بالشفافية، واحترام القانون والمؤسسات الدستورية، يقوم التعاون بينها وبين قوى المجتمع المدني.
ويرى المفكر والأكاديمي التونسي د/ الحبيب الجنحاني في رؤيته للمجتمع المدني في واقعنا العربي، والحاجة الماسة إليه في «المجتمع المدني بين النظرية والممارسة» أن المجتمع المدني والدولة ليسا مفهومين متقابلين في نظرنا، بل هما مفهومان متلازمان، ومتكاملان، فلا يمكن أن ينهض المجتمع المدني، ويؤدي رسالته في المناعة والتقدم بدون دولة قوية، تقوم على مؤسسات دستورية ممثلة، وتعمل على فرض القانون، كما أنه من الصعب أن نتصور دولة وطنية قوية يلتف حولها أغلبية المواطنين بدون مجتمع مدني يسندها، وإلا فإنها تتحول إلى دولة معزولة قد تؤدي دورها من خلال أجهزتها البيروقراطية، ولكنها تنهار في نهاية المطاف فينهار معها المجتمع، ويقدم لنا التاريخ المعاصر أمثلة متعددة على ذلك من انهيار دولة الرايخ الثالث إلى سقوط دول معسكر أوروبا الشرقية في التسعينيات. ـ مشيرا ـ أنه من الخطأ إذن مقاومة الدولة باسم المجتمع المدني، إذ إن ضعف الدولة الليبرالية الحديثة يهدد المجتمع المدني أو يفتح الباب أمام القوى المناهضة بحكم إيديولجيتها لقيم المجتمع المدني».
ويضيف في فقرة أخرى: «وعندما نعود إلى علاقة المجتمع المدني العربي بالدولة نستطيع القول: إنه لا يمكن رفع الشعار المطروح في بعض البلدان الأوروبية دولة أقل، ومجتمع مدني أكثر، كما أنّه ليس من الواقعية رفع شعار (دولة أضعف ومجتمع مدني أقوى)، ولكننا نستطيع أن نرفع شعار (كثير من الدولة، وكثير من المجتمع المدني معا)، كما لمحنا إلى ذلك، لكن بشرط أن تكون دولة ليبرالية ديمقراطية، وكثير من الدولة لا يعني كثيرا من السلطة، كما يفهم ذلك المحتكرون للسلطة والدولة معا. وموضحا أن السعي الهادف إلى إرساء أسس المجتمع المدني لا يمثل في نظرنا وصفة سحرية لكلّ مشكلات البلدان العربية، ولكن لا بديل عنه لكسب رهان المستقبل، وتحقيق المناعة في الظروف الدولية الراهنة، وقطع خطوات جديدة وثابتة على درب التقدّم والحداثة».
ولا شك أن المجتمع المدني بمفهومه الغربي، في ظل التحولات الثقافية الغريبة الحالية، كفكرة المثلية، أو(النسوية)، أو الدفع بالعلاقات الجنسية دون ضوابط أخلاقية، في ظل غياب القيم أو إقصاء الهوية، تشكل الرؤى بلا شك مخاطر كبيرة على استقرار المجتمعات، التي لديها قيم ذاتية ضمن تشريعاتها، لكن الأمم تتفاعل وتتقارب في الأفكار والرؤى الجيدة التي تكون ضمن المشتركات الإنسانية، أما فرض الأفكار وفق النمط الغربي، أو من خارج سياقه المعقول والمقبول، أو التي تخالف مستقرات مجتمعات أخرى، فهذا ما يجب عدم قبوله وفق أن لكل مجتمع قيمه ورؤيته وعاداته يتمسك بها، مثلما هو عليه كل المجتمعات الإنسانية الأخرى.