إذا رُبطت المواطنة بالحقل السياسي وأُطرت ضمن الحقوق والواجبات، فإنا سنستعير مفهوم المواطنة من ذلك المجال، ونوظفه في الحقل السياحي لهذا المقال فقط، وسنقحم المواطنة في السياحة لأجل توصيل الفكرة وإبلاغ المعنى، لاسيما مع الاهتمام الملحوظ في العديد من محافظات سلطنة عُمان، واكتمال البنى السياحية، وتطوير الكثير من المواقع التي كانت هياكل مهجورة ثم تحولت إلى مزارات سياحية، كقلعة الميراني نموذجا والعديد من المقاهي في محافظة الداخلية، وغيرها من البُنى المرتقب افتتاحها خلال الأشهر القادمة.

تظهر في المواسم السياحية العديد من الظواهر التي أصبحت سمة للمواسم، مثل الشكاوى من ارتفاع أسعار السكن أو المواد الغذائية، أو ضعف الخدمات المقدمة مقابل التكلفة المالية، أو تهيئة المواقع السياحية واستيعابها لأعداد السياح، وهي آراء يمكن طرحها أمام الجهات المعنية بالسياحة والإسكان وحماية المستهلك والمجالس البلدية، بهدف الوقوف عليها لضبط وتقنين الأسعار، وتقديم أفضل الخدمات، وهذه المعطيات يمكن تناولها على أكثر من صعيد، في الجانب التشريعي، وعلى المستوى الأهلي؛ لرفع الوعي الاجتماعي للعاملين في الجانب السياحي ومقدمي الخدمات، كونهم شركاء في النهوض بالقطاع السياحي، وتوسيع قاعدة المستفيدين من العروض السياحية في الفنادق والمنتجعات السياحية، لتشمل فئات اجتماعية قد لا يساعدها دخلها المالي في الاستمتاع بالوقت الحر ولا بوسائل الترفيه، هذه الفئات قد تكون منضوية تحت مظلة الحماية الاجتماعية، أو من ذوي الدخل المحدود، ولذلك يتطلب مراعاة ظروفهم، وتخصيص أمكنة لهم في بعض المنتجعات والفنادق.

أما فيما يتعلق بدور المواطن العامل في السياحة ومسؤوليته تجاه القطاع السياحي، فلا أجد أكثر من واقعة كنت شاهدا عليها أثناء زيارتي الأولى إلى تونس. حين نزلت في محطة (المنصف باي) للحافلات في العاصمة، في إحدى ليالي صيف 2003، استوقفت سيارة أجرة وطلبت من السائق أن يوصلني إلى شارع الحبيب بورقيبة، ومن هناك أسلك شارع باريس إلى حي (الباساج)، حيث أسكن. فما كان من سائق سيارة الأجرة، إلا أن قال: «يا ولدي لا داعي لتخسر نفسك هذا شارع الحبيب بعد هذا الشارع». فقلت له: «سأذهب معك مهما كانت التكلفة».

ثم سألته وأنا أعيد تجارب بعض الأصدقاء الذين دفعوا مبالغ في صلالة تحديدا، حيث كلفهم مشوار من مطار صلالة القديم إلى بيت الحافة حوالي 5 ريالات، بمسافة لا تزيد على كيلومترين. سألته لماذا هذه النصيحة وفي منتصف الليل. فقال: «يا ولدي كان بإمكاني أن أحملك وأدور بك دورة وأطلب منك ما أشاء، لكن حين تعرف أن المشوار لا يستحق ذلك، ستكون هذه ذكرى سيئة لديك عن بلدي، وأنا لا أريدك أن تأخذ فكرة سيئة عن بلدي. أريدك أن تأتي كل سنة وتدفع دينارا، بدل أن آخذ منك مائة دينار». ذلك السائق المؤمن بمواطنته ووطنه قدّم لي درسا في الأخلاق والوطنية وفي السياحة أيضا.

بالتأكيد أن هناك العديد من التجارب التي يراها المسافر أثناء تنقله وسفره، تجارب تعكس الجانب الوطني في سلوك بعض الناس، فتعجب المرء ويتمنى رؤيتها في بلده، لأن معاملة أصحاب البلد للسياح تبقى خالدة في ذاكرة السائح، سواء كانت المعاملة حسنة أو عكسها. إذ يبقى الجانب المادي محكا ومعيارا للمواطنة، فإما العمل لأجل الوطن والاقتناع بما رزق الله، أو بتغليب الجانب المادي على سمعة الوطن، والتكسب السريع على حساب القيم والأخلاق. ففي النهاية سيبقى سلوك مقدم الخدمة السياحية ماثلا في أذهان العابرين، فإن طاب للزائر المقام، فسينقل تجربته إلى الآخر، وإن تعرض للاحتيال فيضاعف من ذم البلد وأهله، مما ينعكس ذلك سلبا على الترويج السياحي والثقافي لبلد ما.