يومًا بعد يوم، تتعزز النظرة الإيجابية للمواطن تجاه المستقبل، ويزداد ثقة وإيمانًا بأهمية التدابير والسياسات الحكومية التي تم اتخاذها في مسار الإصلاح الهيكلي الشامل، حيث بدأت ملامح التحول الاقتصادي في سلطنة عُمان تتجلى بوضوح، مع نمو القطاعات غير النفطية، وتحقيق نتائج ملموسة تؤكد جدوى الإصلاحات التي تم تبنّيها خلال الأعوام الأخيرة. فبعد أن أعادت رسم أولوياتها الاقتصادية على أسس التنويع والاستدامة، ظهرت مؤشرات إيجابية في الأداء المالي، وتحسّن في كفاءة الإنفاق، وتعززت بالتالي ثقة المؤسسات الدولية في متانة الاقتصاد العُماني.
هذه التحولات هي ثمرة مسار تنموي يسعى لتحقيق مستهدفات رؤية «عُمان 2040»، ويرتكز إلى إرادة قوية أدركت ـ بعد أزمات متعاقبة نتيجة الاعتماد المفرط على النفط ـ أهمية بناء اقتصاد ديناميكي ومتنوع، أكثر توازنًا واستدامة وتكيفًا مع المتغيرات.
وقد أسهمت الإصلاحات المالية والهيكلية في إحداث تحوّل نوعي في مسار الاقتصاد العُماني، تُوّج باستعادة التصنيف الائتماني إلى درجة الجدارة الاستثمارية، من قبل وكالة «ستاندرد آند بورز»، وتبعها مؤخرًا تصنيف وكالة «موديز»، مؤكدة هذا الاستحقاق، استنادًا إلى مؤشرات شملت تراجع الدين العام إلى مستويات آمنة، وتعزيز المركز المالي للدولة، ورفع كفاءة الإدارة المالية، واستقرار التضخم، وتحقيق فوائض مالية تعكس قدرة الدولة على ضبط الإنفاق وتنمية الإيرادات بشكل أكثر استدامة.
ولا شك أن رفع التصنيف الائتماني إلى درجة الجدارة الاستثمارية ينعكس بآثاره الإيجابية الكبيرة على سلطنة عمان، من حيث زيادة جاذبيتها أمام المستثمرين الدوليين والمؤسسات المالية الكبرى، وخفض كلفة الاقتراض، وتحفيز تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية.
وتتعمق دلالة هذا الإنجاز بالنظر إلى التوقيت الذي تحقق فيه، إذ جاء في ظل تباطؤ اقتصادي عالمي، خفّضت بسببه العديد من المؤسسات الدولية توقعاتها للنمو إلى ما دون 3% لعام 2025، مع تفاقم اضطرابات سلاسل التوريد، وارتفاع الحواجز التجارية، وتنامي التوترات الجيوسياسية. في المقابل يواصل الاقتصاد العُماني نموه الجيد ليعكس قدرته على مواجهة الصدمات الخارجية، مدعومًا بسياسات مالية مرنة، وتقدم فعلي في تنويع مصادر الدخل الوطني وزيادة مساهمة القطاعات الواعدة غير النفطية.
وقد اتسمت جهود الاستدامة في سلطنة عمان بالتكامل بين السياسات المالية وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، إلى جانب تطوير البنية التحتية ورفع كفاءة القطاع الحكومي والاستثمارات العامة، مما وضع الاقتصاد في نمو متصاعد. ويتوقع تقرير حديث لوزارة الاقتصاد ارتفاع معدل النمو خلال العام الجاري ـ العام الأخير في الخطة الخمسية العاشرة ـ إلى 2.2%، مع استمرار زخم النمو على المدى المتوسط، بفضل استمرار تنفيذ المشاريع الاستراتيجية والزيادة المتوقعة في إنتاج النفط.
وفي وقت تواجه فيه العديد من الدول تحديات جراء الرسوم الجمركية الأمريكية، قد تشكل عمان مركزًا مهمًا لأنشطة إعادة التصدير، مع توجه عدد من الشركات العالمية إلى إعادة هيكلة سلاسلها الإنتاجية ونقل عملياتها إلى مناطق أكثر استقرارًا وكفاءة.
إن هذا الزخم من النمو وروافده التي تتوسع باستمرار، والسياسات المالية الفاعلة وبرامج التنويع، كل ذلك يهيئ للاقتصاد العُماني أرضية صلبة لتعزيز مكانته وتنافسيته، والارتقاء إلى مستويات أفضل من الجدارة الاستثمارية لدى وكالات التصنيف الدولية في كافة المؤشرات.