قال الادعاء العام إن سلطنة عمان شهدت في الآونة الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في قضايا المخدرات والمؤثرات العقلية، حيث بلغت 6741 قضية خلال عامي 2023 و2024، وأوضح أن المخدرات التي كانت في الماضي تعد من المشكلات المنتشرة بين فئة الشباب فقط، قد بدأت مؤخرًا في الانتشار بين الإناث، مما يشير إلى أن هذه الظاهرة لم تعد مقتصرة على فئة معينة، مُصنّفًا قضايا المخدرات ضمن أكثر عشر قضايا شيوعًا في سلطنة عمان، حيث إن موقعها الجغرافي، الذي يربطها بعدد من الدول المنتجة لهذه الآفة، يجعلها عرضة لأن تكون معبرًا لهذه المواد، داعيًا في هذا السياق إلى ضرورة قيام الآباء والمربين بمتابعة أبنائهم بشكل مستمر، مع توعيتهم بالمخاطر التي قد يتعرضون لها، خاصة من رفقاء السوء.

وأكد الدكتور راشد بن عبيد الكعبي المتحدث الرسمي للادعاء العام، في حوار مع "عُمان"، أن هناك شبكات إجرامية دولية، بعضها تعمل إلكترونيًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تستهدف بشكل خاص فئة الشباب، حيث تسعى لتحويلهم إلى مدمنين، ثم استغلالهم في أنشطة ترويج المخدرات أو ارتكاب الجرائم.

وفيما يلي نص الحوار:

س: ما تعريف المخدرات وما أنواعها؟

ج: يفتقر العديد من أفراد المجتمع إلى الوعي الكافي بشأن المواد المخدرة وأنواعها، وهي مواد طبيعية أو كيميائية تؤثر على الجهاز العصبي، مما يؤدي إلى تغييرات ملحوظة في الإدراك والمزاج والسلوك والوعي، ومع مرور الوقت، تتسبب هذه المواد في الإدمان الجسدي والنفسي، حيث يصبح الفرد غير قادر على التوقف عن استخدامها دون علاج متخصص في مستشفى أو مصحة علاجية، بالإضافة إلى ذلك، فإن المخدرات تؤدي إلى أضرار صحية واجتماعية خطيرة.

أما بالنسبة لأنواع المخدرات، فبإمكاننا تقسيمها إلى ثلاث فئات رئيسية: المخدرات الطبيعية، مثل "الحشيش"، و"الأفيون"، و"القات"، والمخدرات الصناعية، التي يتم تصنيعها في المعامل، مثل "الكريستال ميث" أو ما يُعرف بـ"الشبو"، والمخدرات نصف الصناعية، وهي مواد طبيعية تتم إضافة مواد كيميائية لها، مثل "الهيروين"، الذي يُستخلص من نبات الأفيون والمورفين،

كما أن بعض الأدوية المهدئة والمنومة قد تتحول إلى مواد مخدرة ضارة إذا تم استخدامها بشكل مفرط ودون استشارة طبية.

س: كيف تدخل المخدرات إلى سلطنة عمان؟

ج: هذا سؤال مهم يتطلب تحليلًا دقيقًا، وبخاصة أن سلطنة عمان ليست من الدول المنتجة أو المصنعة للمواد المخدرة، ولا تُصنّف من الدول ذات الانتشار الواسع لجرائم المخدرات؛ ومع ذلك، شهد المجتمع العماني في الآونة الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في قضايا المخدرات والمؤثرات العقلية، مما يثير التساؤل عن كيفية دخول هذه المواد إلى بلادنا؛ والجواب: تدخل عن طريق التهريب عبر الحدود البرية، والبحرية أو الجوية، ويُعزى ذلك إلى الموقع الجغرافي لسلطنة عمان الذي يجعلها معبرًا للمواد المخدرة القادمة من بعض الدول المنتجة لها، وتلجأ العصابات المهربة في بعض الأحيان إلى إخفاء هذه المواد داخل السيارات أو الشاحنات التجارية، أو حتى من خلال تهريبها عبر الأفراد، وفي حالات معينة، يتم ضبط هذه الشحنات المهربة، بينما تنجح العصابات في أحيان أخرى في إدخالها إلى الأراضي العمانية.

س: ما أسباب تداول المخدرات بين فئة الشباب؟

ج: الأسباب التي أدت إلى تداول المخدرات بين فئة الشباب متعددة ومعقدة، لكن أبرزها هو تأثير رفقاء السوء؛ كثيرًا ما ينزلق الشباب إلى هذا المسار بسبب تأثير أصدقائهم الذين يشجعونهم على التجربة، فيبدأون بتجربة المخدرات بدافع الفضول أو للتسلية، ويُعرض عليهم الأمر في البداية مجانًا؛ ولكن هذه التجربة غالبًا ما تتحول إلى إدمان يدمر حياتهم.

كما أن الضغوط النفسية والاجتماعية لها دور كبير في لجوء البعض إلى المخدرات كوسيلة للهروب من المشاكل التي يواجهونها، كالمشكلات النفسية والأسرية مثل التفكك الأسري، والفراغ، والقلق والاكتئاب، مما يجعلهم في كثير من الأحيان فريسة سهلة للانزلاق في هذا الطريق.

من جانب آخر، يعد ضعف الوعي المجتمعي من العوامل الرئيسية في انتشار هذه الظاهرة، حيث يفتقر الكثير من الشباب إلى الفهم الكامل لمخاطر المخدرات، مما يزيد من تعرضهم لها، كما أن هناك شبكات إجرامية دولية، بعضها تعمل إلكترونيًا، وتستهدف المجتمعات المستقرة والناشئة لتحقيق أرباح سريعة، ويسعى هؤلاء التجار إلى استهداف أكبر فئة من الشباب، وتحويلهم إلى مدمنين، ثم استغلالهم في أنشطة ترويج المخدرات.

س: ما الجرائم المرتبطة بالمخدرات؟

ج: في إطار التشريعات الخاصة بمكافحة جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية، نظّم المشرع العماني من خلال قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية مجموعة من الجرائم المرتبطة بتداول المخدرات، مع تحديد عقوبات صارمة لهذه الجرائم.

ويشمل القانون التصدير والاستيراد، وكذلك صناعة المخدرات بقصد الاتجار، وهي جرائم تعد من الجرائم الجسيمة التي يعاقب عليها القانون بالسجن المؤبد أو الغرامة التي قد تصل إلى 50,000 ريال عماني، مع تشديد العقوبات في حالات معينة قد تصل إلى الإعدام.

كما جرم القانون الحيازة، والشراء، والبيع للمخدرات، حيث تعد هذه الأفعال من الجرائم الجسيمة، وتصل عقوباتها إلى السجن لمدة عشر سنوات، بالإضافة إلى غرامة تصل إلى 15,000 ريال عماني.

وأخيرًا، يعاقب القانون على التعاطي غير المشروع للمخدرات في الحالات غير المرخص بها قانونًا، وتعد هذه الجريمة من جرائم الجنح.

س: ما المخاطر التي تسببها المخدرات؟

ج: المخدرات، التي يمكن وصفها بالآفة الاجتماعية، لها تأثيرات سلبية واسعة النطاق على المجتمع، تشمل جوانب صحية، واجتماعية، واقتصادية وأمنية، وتعد فئة الشباب الأكثر تضررًا من هذه الظاهرة، وهي الفئة التي تُعد الأساس في بناء المجتمعات، حيث تُعد الأكثر إنتاجية وفاعلية، وقد أظهرت الدراسات العلمية أن نسبة كبيرة من الجرائم في المجتمعات مرتبطة بتعاطي المخدرات، مما يستدعي بذل جهود مكثفة لمكافحة هذه الظاهرة وتنقية المجتمع من الجرائم المرتبطة بها.

ومن الناحية الصحية، تُدمّر المخدرات الصحة الجسدية والعقلية لمتعاطيها، حيث تضعف الجهاز العصبي وتؤدي إلى أمراض مزمنة مثل تلف الكبد وأمراض القلب، بالإضافة إلى اضطرابات نفسية متنوعة.

أما على المستوى الاجتماعي، فإن المخدرات تُسهم في تفكك الأسرة، حيث يتسبب المدمن في مشاكل دائمة داخل محيط عائلته، مما يسبب ضغوطًا نفسية للأفراد مثل الشعور بالخجل والقلق المستمر، كما أن تكاليف علاج المدمنين تكون مرهقة ماليًا، مما يضيف عبئًا على الأسرة. وعلى مستوى المجتمع، تسهم المخدرات في انتشار الجرائم مثل السرقة، والعنف، والحوادث المرورية، مما يهدد استقرار المجتمع ويدمر طاقاته الشابة.

ومن الناحية الاقتصادية، تُسبب هدرًا في الأموال من خلال المكافحة وتمويل برامج العلاج والتعافي، كما تسهم في انخفاض الإنتاجية، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني ويؤدي إلى تراجع مستويات الصحة والاستقرار الاجتماعي. أما أمنيًا، فهي تُهدد المجتمع بزيادة الجرائم المصاحبة لها.

س: ما دور الأسرة والمجتمع لتفادي هذه الظاهرة؟

ج: تعد الأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمعات، إذ تبدأ التربية والتثقيف من داخل البيت، ودور الأسرة في توعية الأبناء بمخاطر المخدرات لا يقل أهمية، حيث يجب على كل معيل أو منشئ أسرة مراقبة أبنائهم خلال فترة وجودهم في المنزل، بالإضافة إلى تحذيرهم من رفقاء السوء والمخاطر المجتمعية، ومن أهمها المخدرات، وإذا اكتشفت الأسرة أن أحد أفرادها قد وقع في فخ الإدمان، يجب عليها أن تتحمل المسؤولية وتحتوي المدمن، دون الشعور بالخجل أو اليأس، بل يجب التوجه إلى المتخصصين للعلاج، حيث يوجد دائمًا حل لإنقاذ المدمن من دوامة الإدمان، لأن تركه دون معالجة قد يدخله إلى عالم مظلم يقضي على حياته.

أما المجتمع، فيبدأ دوره من المؤسسات التعليمية، حيث يجب على المدارس والجامعات رفع مستوى الوعي بين الشباب والمراهقين من خلال المحاضرات والندوات المستمرة حول مخاطر المخدرات، وتعد هذه المؤسسات البيئة المثلى لتوجيه الشباب وتعريفهم بتبعات هذه الظاهرة.

س: ما الجهود المبذولة لمكافحة الظاهرة على مختلف المستويات؟

ج: تسعى سلطنة عمان جاهدة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية من خلال جهود مستمرة في مجالات المكافحة، والوقاية، والعلاج، والتأهيل، سواء على المستويين الوطني أو الدولي، وعلى الصعيد الدولي، تواصل تعزيز تعاونها مع دول الجوار وتشارك في المبادرات العالمية لمكافحة هذه الآفة.

أما على المستوى الوطني، فقد قامت سلطنة عمان بمجموعة من الخطوات التشريعية والتنظيمية المهمة، كان أولها إصدار قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بموجب المرسوم السلطاني رقم (99/17)، كما تم إصدار المرسوم السلطاني رقم (2023/24)، الذي تضمن إعادة تسمية اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية وتبعيتها لمجلس الأمن الوطني، مما يعكس التزام الدولة بهذا الملف؛ بالإضافة إلى ذلك، تم تطوير الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية (2023-2028)، التي تحدد السياسات والبرامج والأنشطة التنظيمية اللازمة لمواجهة التحديات المعاصرة في هذا المجال.

وتواصل شرطة عُمان السلطانية من خلال الإدارة العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بذل جهود كبيرة في تنفيذ الإجراءات الأمنية اللازمة لمنع تهريب المخدرات عبر الحدود البرية والبحرية والجوية، حيث تتمتع بقدرات عالية لمواجهة شبكات التهريب عبر الحدود.

وفي السياق ذاته، يتولى الادعاء العام مسؤولية التعامل مع قضايا المخدرات وحالات الإدمان من خلال إدارة قضايا المخدرات، حيث شهد العام 2024 زيادة ملحوظة في عدد القضايا مقارنة بالعام 2023.

من جهة أخرى، تواصل وزارة الصحة دورها البارز في علاج وتأهيل المدمنين من خلال مستشفى المسرة، الذي يعد من أكبر المستشفيات المتخصصة في العلاج، كما تشرف وزارة التنمية الاجتماعية على تنفيذ البرنامج الوطني لإعادة التأهيل الاجتماعي للمتعافين من الإدمان، بالتعاون مع لجنة الوقاية من المخدرات.

أما وزارة التربية والتعليم، فقد بدأت في تنفيذ برامج توعوية تهدف إلى وقاية الطلبة من المخدرات، بينما تقوم وزارة الإعلام بتعزيز التوعية المجتمعية من خلال وسائل الإعلام المتعددة مثل التلفزيون، والإذاعة، والصحافة، والمواقع الإلكترونية.

س: ما أهم التوصيات لتجنب انتشار هذه الظاهرة ومكافحتها؟

ج: إن التنشئة السليمة تبدأ من الأسرة، التي تعد المسؤول الأول عن مراقبة أبنائها وتوجيههم نحو الطريق الصحيح؛ لذلك، يجب على الأسرة أن تكون حريصة على مراقبة أبنائها، سواء كانوا من الذكور أو الإناث، حيث لم تعد المخدرات محصورة على فئة معينة؛ بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تدرك الأسرة أن الإدمان ليس مجرد انحراف سلوكي، بل هو مرض يحتاج إلى علاج في أماكن متخصصة؛ لذا، ينبغي على الأسرة احتواء الأبناء المدمنين وطلب العلاج لهم فور اكتشاف المشكلة، دون الخجل أو اليأس.

من جانب آخر، يجب على المؤسسات التعليمية مواصلة دورها المهم في نشر الوعي بين الطلبة حول مخاطر المخدرات، وتوفير برامج توعوية لمساعدتهم على تفادي هذه الآفة، ويجب أن تبقى جهود الدولة في مكافحة المخدرات مستمرة، عبر تعزيز التعاون بين جميع المؤسسات المعنية وتكثيف الجهود الأمنية والعلاجية.